النسيج القبطى تراث مصرى أصيل، فلقد اشتهرت مصر منذ أقدم عصورها بصناعة المنسوجات. وكانت تصدر منسوجاتها إلى جميع بلدان العالم. ولقد بدأت صناعة النسيج فى مصر ابتداء من الأسرة الثانية والعشرين (745 945 ق.م تقريبا). وكان نبات الكتان من أقدم النباتات التى تزرع فى مصر، وكان يهتمون به لدرجة التقديس، لدرجة أنهم كانوا يعتقدون أن الإله «أوزيريس» قد كفن بنسيج الكتان بعد موته. ثم جاء الأقباط وورثوا عن أجدادهم الفراعنة هذه الصناعة، وكان الصانع القبطى يزخرف النسيج برسوم الطيور والأسماك أو الأرنب أو نبات اللوتس وعناقيد العنب. ومن الرسوم الدينية المستوحاة من الكتاب المقدس نجد رسومات عن قصة سيدنا يوسف الصديق، ودانيال النبى فى جب الأسود، كما نجد رسومات متعددة لعلامة الحياة الفرعونية «العنخ»، وبداخلها علامة الصليب. ومع دخول العرب مصر أعجبوا جدا بهذا الفن وأطلقوا عليه رسوم (القباطى Tapestry)، وذلك نسبة إلى أقباط مصر، ويعود تاريخ أقدم المنسوجات القبطية، التى عثر عليها إلى بداية القرن الثالث الميلادى، ويلاحظ فى هذه المنسوجات تأثرها الشديد بالثقافة الإغريقية الرومانية، وتشتهر هذه المجموعة من المنسوجات بالرسوم ذات التنويعات الزخرفية حيث تسود الصور الطبيعية للطيور والزهور والأشكال الأسطورية الملونة. وجاء القرن الخامس الميلادى ليشهد المرحلة الثانية، التى امتدت حتى نهاية القرن الثامن الميلادى تقريبا. ولقد تأثر النسيج القبطى فى هذه الفترة بالفن البيزنطى والفن الساسانى (بلاد فارس) وتتميز هذه الفترة بالوفرة فى أستخدام الألوان. وجاءت المرحلة الثالثة من تطور النسيج مع الفتح العربى لمصر عام 641، ويعود تاريخ هذه المرحلة إلى القرن الثامن الميلادى ومابعده، ومن سمات هذه المرحلة التأثر الواضح بالقن الإسلامى من حيث الاختفاء التدريجى لتصوير الأشكال متمشيا فى ذلك مع العقيدة الإسلامية، وبداية من القرن العاشر الميلادى ظهر أسلوب جديد يتسم بالتحفظ فى استخدام درجات الألون. ولقد ذكر أبوالمحاسن فى كتابه «النجوم الزاهرة الجزء الرابع» أنه أثناء حكم الحاكم بأمر الله (397ه = 1106م) تم كسو الكعبة بنسيج القباطى. ومن أشهر علماء القبطيات، الذين اشتهروا بأبحاثهم فى مجال النسيج القبطى نذكر العالم الفرنسى ألبرت جاييه Albert Gayet(18561916)، وهو العالم الذى قام بالحفائر فى منطقة أنصنا (الشيخ عبادة بمحافظة المنيا حاليا)، وكان ذلك خلال الفترة من «1896 1911»، واكتشف خلاها كميات كبيرة من النسيج «ذكرت بعض المراجع أن عددها نحو 144قطعة من النسيج الصغير الحجم»، وأقام لها عدة معارض فى فرنسا، منها معرض أقيم فى متحف قصر الأزياء بباريس خلال عام 1900، ولقد اجتذبت معروضات جاية كثير من الفنانين العالميين فقاموا برسم أعمال فنية مستوحاة من رسومات هذه المنسوجات، كما قامت الممثلة الفرنسية المسرحية الشهيرة سارة برنار (1844 1923) بارتداء ثوب وشال على الطراز القبطى فى مسرحيتها «ثيؤدورا»، وكان ذلك عام 1902. ولقد وصف جاييه أهمية هذه الرسومات بقوله: «لا يوجد ما ينازع الغموض عن تلك الحضارة فى تلك الفترة مثل تلك المعارض لبقايا الملابس والنسيج لأنه لم يتبق شىء إطلاقا من تلك الحضارة سوى هذه القطع». ثم قام بتصوير هذه القطع فى ألبومين كبيرين، الألبوم الأول بعنوان «ألبوم النصوص»، والثانى بعنوان «ألبوم النسيج». كما اكتشف العالم الفرنسى الشهير جاستون ماسبيرو (1846 1916) مجموعات أخرى من النسيج بمنطقة أخميم. ولا يمكن الحديث عن النسيج القبطى دون الإشارة إلى جهود الفنان المصرى العالمى رمسيس ويصا واصف (1911 1974) فى إحياء هذا الفن، عن طريق تجربته الرائدة فى قرية الحرانية بمحافظة الجيزة، فلقد آمن هذا الفنان بقدرة الإنسان على الإبداع الفطرى أو التلقائى مهما كانت درجة تعليمه أو مؤهلاته. فقام بتبنى مجموعة من أطفال قرية الحرانية تتراوح أعمارهم ما بين 8 و12 سنة، وقام بإلحاقهم بمركز فنون السجاد الذى أنشأه عام 1955، وفى هذا المركز قام بتطبيق نظريته التى آمن بها وهى أن كل طفل مبدع بالفطرة، وقال قولته المأثورة «كل إنسان بالضرورة داخله طاقة فنية ومسئوليتنا فى المركز أن نساعد على إطلاق هذه المقدرة» وهكذا أستطاع بالصبر والحب والاحترام أن يفجر الطاقات الإبداعية لهؤلاء الأطفال «إلى حد أنه عندما توفى رمسيس ويصا واصف عام 1974 وصفه أحد تلاميذه بقوله «كان ينظر داخلنا، ويعكس ما هو مكنون فينا كالمرآة»، والشىء المفرح الجميل أن أعمال هؤلاء الأطفال قد طافت معارض فنية عالمية، ونالت العديد من الجوائز مثل جائزة معرض سويسرا عام 1957 «أى بعد سنتين فقط من تأسيس المركز»، واستطاع رمسيس ويصا تكوين كوادر فنية على مستوى عالٍ ومدربة تدريبا جيدا، استطاعت أن تكون صفا ثانيا وثالثا ورابعا من هؤلاء الأطفال، فاستمر المركز حتى بعد وفاته، حيث حصل على جائزة البيجوم أغاخان عام 1983. وما زال المركز يقوم برسالته التربوية الرائعة حتى الآن.