سواء جاء على شكل ختان أو دخلة بلدى أو ضرب أو خوف من تقدم العمر وخلافه فإن التعدى على جسد المرأة يتخذ أشكالا مختلفة فى مجتمعنا، قد تتغير صور الانتهاك ويبقى الجرم واحدا، فى بلد نصف نسائه يتعرضن للعنف. الدخلة البلدى.. حفلة على جسد نحيل لم تكن شيماء ذات الستة عشر ربيعا، تعرف ماذا سيحدث لها بالضبط خلف جدران الحجرة المغلقة ليلة زفافها، فقد وجدت نفسها فجأة وجها لوجه مع العريس دون سابق إنذار. التجربة تفوق قطعا سنوات عمرها وخبرتها كفتاة ريفية نازحة من إحدى قرى محافظة الفيوم، لم تذهب قط إلى المدرسة. قبيل أول لقاء مع زوجها، همست جدتها فى أذنيها بضرورة أن تسلم نفسها لرفيق دربها فى هدوء حتى تمر الليلة على خير، لكنها لم تكن تدرى باقى أجزاء سيناريو أول ليلة. ارتفعت أصوات الدفوف فى الخارج وامتزجت بزغاريد النساء، بينما ظلت أعيرة النيران حبيسة البنادق، فأسرة العروس لم تأخذ شرفها بعد على حد تعبير أبوالعروس. بدت أم شيماء فى حالة من التوتر الشديد، جلست القرفصاء خلف باب حجرة العروسين. كانت العروس ترتجف من فرط الخوف.. تصرخ... تفر من العريس فما زالت معالم الطفولة لم تفارق جسدها الصغير، بينما ظلت الأم تقرع باب الحجرة كل ربع ساعة: «خلاص؟!» هكذا كانت تردد فى عصبية مفرطة فى حين يجيبها العريس: «لسه!». تعود الأم لتجفف من عرقها الذى غطى وجهها وتحاول أن تتباهى أمام باقى السيدات بأن زوج ابنتها الكبرى التى تزوجت منذ أشهر قد حسم الأمر كله فى عشر دقائق، ثم تعود مرة أخرى لتقرع باب الحجرة. تتعالى قفشات ونكات الرجال فى الطابق الأسفل مع كل صرخة للعروس، متهكمين على العريس الذى لا يزال «لا يقدر عليها»! وفى هذا الجو المشحون، تتحرك نادية شقيقة العريس لكى تزيد من ارتفاع صوت المسجل حتى تقلل من سخونة الجو وتغلق باب النميمة التى تستشرى فى مثل هذه الظروف. مرت ساعة زمن ولم يقم العريس بإخراج قطعة القماش البيضاء المبتلة باللون الأحمر والتى تمثل بالنسبة لهذا المجتمع الشعبى مسألة حياة أو موت. تشمر آلام عن سواعدها مصطحبة الداية أم سعد حماة ابنتها الكبرى وخالتها ليخترقن خلوة الزوجين، إذ قررن أن «يقمن حفلا على جسد العروس الضعيف» بعد أن لم يتمكن العريس من السيطرة على هلع الصغيرة. تتولى كل من هذه السيدات الإمساك بأحد أطراف العروس التى ترتجف من الرهبة... الموقف يعيد لذاكرتها تفاصيل يوم ختانها، لكن لا بأس فقد تعودت أن تعبث أيادى نسوة القرية بجسدها فارضين وصايتهن كحماة للشرف. تتولى إحداهن تكميم فم العروس، بينما تقوم الداية بكشف عورتها لمساعدة العريس على فض بكارة الفتاة. تنطلق الزغاريد والأعيرة النارية.. تبقى شيماء التى لم يتجاوز وزنها خمسة وأربعين كيلو كالجثة الهامدة بعد معركة استنفرت قواها، تسقط مغشيا عليها تاركة ذكرى أليمة فى أول يوم زواج. الحدث نفسه يتكرر فى عشوائيات القاهرة وقرى مصر الأكثر فقرا، ربما مع اختلاف بسيط فى التفاصيل. تنتفض الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصرى لحقوق المرأة، لمثل هذه القسوة التى تعتبرها واحدة من أسوأ أشكال انتهاك جسد المرأة أو ما يطلق عليه العنف الوقائى الذى يرتكبه المجتمع إزاء النساء. «خلال عملى الميدانى تلقيت شكوى من أب أصر على أن يقيم دخلة ابنته على هذه الطريقة فى خيمة بجوار محطة الأتوبيس، خاصة بعد أن لاكت الألسن سمعة ابنته التى كانت تركب الأتوبيس يوميا للذهاب إلى عملها». صاغ سليم رغم شيوع هذه العادة البغيضة فى كثير من المجتمعات التقليدية التى تتسم بالفقر الشديد، يؤكد الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أنه لا يوجد لها أى جذور دينية، بل يضعها فى مصاف الاغتصاب حتى لو كان مرتكبها زوجا شرعيا على حد تعبيره. يقول الدكتور سالم عبدالجليل: « تتسم هذه العادة بوحشية شديدة، كما تنطوى على كشف للعورات، فحرمانية الدخلة على هذه الطريقة كبيرة جدا لاسيما أن هناك آداب للمعاشرة الجنسية». يصمت وكيل وزارة الأوقاف لبرهة ثم يستطرد قائلا: «القرآن يدعو فى سورة البقرة إلى الترفق بالنساء بقوله تعالى فى سورة البقرة التى حوت على كثير من التشريعات (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)». وتعد هذه العادة الاحتفالية الشعبية، كما تقول الناشطة نهاد أبوالقمصان، اختزالا سافرا لمفهوم الشرف وكأن رجال الأسرة قد خلعوا شرفهم ليعلقوه على أكتاف النساء رغم ما يمكن أن يتكبده هؤلاء من مهانة وتحقير وإذلال لأخص الأشياء لديهم، فعفة الفتاة لا تعنى فقط بعض القطرات الحمراء لكن مفهوم العفاف يبدو أشمل وأعم من ذلك بكثير. من ناحية أخرى داخل الغرفات المغلقة قد تكون جعبة كيد النساء ثرية بالكثير من الحيل، بدءا من رشوة الداية مرورا بعمليات الرتق وحتى تعمد البعض جرح أنفسهن بالآلات حادة من أجل أن تمر هذه الليلة على خير دون أن يثرن حنق المجتمع. فى المقابل هناك من قد يدفعن حياتهن ثمن بخسا لهذا الجهل، فقد تكون أغشيتهن من النوع المطاطى الذى قد لا يتسبب فضه فى نزول دم البكارة، على حد تعبير الدكتورة منى عدلى، استشارية طب النساء والتوليد. رغم عدم وجود دراسات عن حجم هذه الظاهرة إلا أن الأستاذة نهاد أبوالقمصان تؤكد أن هذه الظاهرة ترتبط ارتباطا طرديا بالمستوى الاقتصادى والتعليمى، فالمجتمعات التقليدية التى تضطر للزج ببناتها فى سوق العمل نظرا لتدنى مواردها الاقتصادية تبتكر وسائل لتثبت للجميع أن بناتها رغم خروجهن من المنزل ما زلن «صاغا سليما». تقول أبو القمصان: «أعتقد أن هذه الظاهرة تستمد جذورها من ريف الوجه البحرى خاصة فى القرى التى يعمل بناتها فى جنى محصول الذرة. فعيدان هذه الغلال عادة ما تكون طويلة وتخفى عن الأنظار ما يحدث داخلها لذا تكون مرتعا خصبا للقيل والقال. وإن كانت هذه العادة قد انتقلت إلى الوجه القبلى، لكنها فى صعيد مصر قد لا تلاقى القبول نفسه لأن مفهوم الشرف هناك يقتضى أنه لا يجوز المساس بالشرف أصلا. فمن يتجرأ ويخوض فى عرض امرأة قد يتسبب فى قتلها لكنه سيقتل بدوره معها». عادة من بحرى استطاعت هذه العادة أن تعبر حواجز المكان والزمان لتنتقل العدوى إلى أحياء القاهرة الفقيرة بسبب الهجرة العشوائية و«تريف» العاصمة، إذ تدس الجماعة بأنفها فى حياة الفرد ظنا منها أنها تحمى أعرافا وتقاليد أقوى من الظروف الاقتصادية ذاتها. فرغم أن عزة، (20 سنة) وحاصلة على دبلوم تجارة، قد نشأت فى القاهرة بعد أن هاجر والدها للعمل كحارس عقار، إلا أنها عندما تزوجت اضطرت أن تخضع لنواميس قريتها بمحافظة الغربية. «كانت حياتى فى القاهرة تمثل نوعا من الاتهام فى عيون مجتمع الريف الذى تزوجت منه، فضلا عن أننى كنت أعيش مع أسرتى فى عمارة يتردد عليها الكثير من البشر من كل حدب وجدب. كان على إذن أن أثبت أننى رغم كل هذه الحياة المنفتحة صنت شرفى وحافظت عليه. ورغم رفضى هذه المهانة كإنسانة متعلمة ومتدينة، لكننى لا يمكن أن أقف ضد التيار بمفردى لأن سطوة العادات خاصة فيما يمس الشرف تكون أقوى فى مجتمعنا الريفى من تأثير الدين». ثم تضيف: «لو رفضت الرضوخ لهذا لن أسلم من اتهامات من سأعيش معهم تحت سقف واحد ألا وهم أسرة زوجى». الكرة إذن فى ملعب الرجل، فهو الطرف الأقوى فى هذه الحلقة. لكن المشكلة أن هذا القرار الذى يمس أخص خصوصياته قد لا يكون له الحق فى اتخاذه بمفرده. فعندما أراد سامح أن يجنب زوجته تحمل آثار هذه المهزلة على حد قوله كاد أبو العروس أن ينهى مشروع الزواج لأن الموضوع لا يتعلق فقط بالمباهاة بالشرف والكرامة، لكنه أيضا تأمينا للسمعة ابنته فى حال ما كان العريس يعانى عجزا جنسيا أو كان «مربوطا بعمل»، على حد تعبير شعبان بائع الخضراوات وحما سامح. تؤكد الدكتور هبة قطب استشارية الطب الجنسى والعلاقات الأسرية، أن هذه المشكلة كارثية بكل معنى الكلمة لأن من يتولى فض بكارة الفتاة بهذه الطريقة الهمجية لم يدرس شيئا من علم التشريح، وبالتالى قد يسبب لها مشكلات صحية كثيرة كالجروح الغائرة فى القناة المهبلية والنسور المهبلى والشرجى وغيرها، فضلا عن أن هذه المنطقة من الجسد ثرية بالأعصاب الجارسيمبثاوية وبالتالى قد يحدث هبوطا فى الدورة الدموية أو يسبب توقف القلب تحت تأثير الخوف. ومن الناحية أخرى فالشعور بالعجز والقهر قد يلازمان الفتاة طوال العمر لكونها مكتوفة الأيدى وعاجزة عن الدفاع عن نفسها. توضح الدكتورة هبة قطب: «هناك اعتقاد راسخ لكنه خاطئ لدى الكثير من الأسر أن فض غشاء البكارة بهذه الطريقة سوف يسهل فيما بعد عملية الجماع، لكن فى الواقع قد تسبب هذه التجربة تصلب عضلة المهبل وبالتالى تعرقل إقامة العلاقة بشكل طبيعى». تتفق إحدى الإخصائيات النفسيات مع قطب فى الرأى وتضيف أنه قد يحدث ما يسمى بالارتباط الشرطى لدى البنت، فتتكون لديها فكرة سلبية عن العلاقة وتعانى من الفتور الجنسى. ثم تروى هبة قطب كيف أنها تلقت إحدى المريضات فى عيادتها التى تشكو من فتور واضح لأنها غير قادرة على نسيان مشهد ليلة الدخلة، وتضيف: «السيدة لم تدخل بيت أمها وعمتها وحماتها اللاتى اشتركن فى فض غشائها منذ نحو عام». فمن أجل سمعة البنت، قد تتقطع أواصر المودة والرحمة بل قد يضرب بسلامتها عرض الحائط. فليلى (22 سنة) تقطن منطقة الزاوية الحمراء بعد أن نزحت من مسقط رأسها بالمنوفية. تعمل ليلى بمحل لبيع العطور ومستحضرات التجميل، الأمر الذى كان يتطلب منها العناية بمظهرها، لكن هيئتها المختلفة عن بنات المنطقة أثارت حولها الشبهات، خاصة بعد أن فشل مشروع زواجها الأول. أصرت ليلى على إخراس الألسنة بواسطة الدخلة البلدى رغم أنها مريضة بالقلب، أصيبت بنزيف حاد واستدعى الأمر نقلها للمستشفى، بل كادت تفارق الحياة إرضاء للناس. بالأرقام أصدر مركز الأرض لحقوق الإنسان تقريرا عام 2007 حول العنف الموجه ضد النساء المصريات. من خلال رصد وتحليل مضمون الصحف المصرية. وتبين من خلال التقرير أن جملة حوادث الانتهاكات والعنف ضد المرأة بلغت (412) حالة خلال العام الواحد. شكلت حوادث الخطف والاعتداءات الجنسية على النساء سواء داخل الأسرة أو من المجتمع (96) حالة ، كما بلغت حوادث قتل النساء (41) حالة. وقد أدى العنف إلى وفاة وقتل العديد من النساء فى هذا الرصد، فمن جملة 412 حالة عنف قتلت (220) امرأة، جاء بعضها بسبب العنف الأسرى (46) حالة، أو بسبب قتل النساء المتعمد (42) حالة، أو الخلافات الزوجية (56) حالة، أو بسبب الإهمال فى الرعاية الصحية (19) حالة، وانتحار النساء (26) حالة، وأخيرا بسبب الحوادث المتنوعة (31) حالة. وأفاد بحث آخر ميدانى أجرى على 100 رجل و500 امرأة قامت به جمعيات «النديم» و»المرأة الجديدة» و»نهضة مصر الطيبة» أن 64% من النساء و68% من الرجال قد سمعوا عن حالات اغتصاب محارم، ولم تصل بلاغات بذلك إلى الشرطة. كما أشارت الأرقام المستقاة من دراسة أجراها المجلس القومى للسكان أن (35%) من المصريات المتزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن على الأقل مرة واحدة منذ زواجهن وأن الحمل لا يحمى المرأة من هذا العنف وأن (69.1%) من الزوجات يتعرضن للضرب فى حالة رفضهن لمعاشرة أزواجهن أو فى حالة الرد عليهم بلهجة لم تعجبهم. وقد اعتمد هذا البحث على سبعة آلاف زوجة فى الريف والحضر، وتبين من البحث أيضا أن المرأة الريفية تتعرض للضرب أكثر من المرأة الحضرية. من ناحية أخرى لا تبدو الصورة فى الشارع مشرقة، فقد أورد المركز الحقوقى «أمان» أن ما بين 83% و 90% من النساء يتعرضن للتحرش، الغالبية العظمى من هذه النسبة تكون فى الشارع بنسبة 91% تليها وسائل المواصلات. وقد لفت المركز الانتباه إلى أن نسبة التبليغ فى قضايا التحرش لا تتعدى 5.4.