كم أكره محاولات القضاة الأمريكيين تطبيق الشريعة الإسلامية القاسية. ألا تعلم أنها تحكم بأشياء مروعة مثل الجلد والرجم وقطع الرأس؟ ماذا تقول؟ أتقول إن ذلك لا يحدث، وتتساءل من أين أتتنى تلك الفكرة المجنونة؟ لقد قال لى نيوت جينجريتش ذلك. (زعيم من زعماء الحزب الجمهورى المحرر). فى يوم السبت، أطلق جينجريتش أثناء خطابه فى «قمة ناخبى القيم» دعوة مدوية للتحرك فى مواجهة تهديد وشيك لا يوجد سوى فى خياله المحموم أو ربما فى مكائده السياسية. حين أعلن أمام جمهور استقبل كلامه بحفاوة بالغة أنه «يجب أن يكون لدينا قانون فيدرالى ينص على أن الشريعة الإسلامية لن يُعتَرف بها من جانب أية محكمة فى الولاياتالمتحدة». حسنا، لكن هل يشمل ذلك «القاضية جودى»؟ فقد كنت أشك دوما أنها عندما تصاب بالغضب الشديد وتهاجم كلا من المدعى والدفاع، ربما تكون آنذاك تضخ قليلا من الشريعة فى اللاوعى الأمريكى أى إعداد أمة مطمئنة لمواجهة الواقع. نيوت يقول بجدية إننا يجب أن نوقف زحف الشريعة الغادر، وإن علينا القيام بذلك هنا والآن. وفى يوليو الماضى، عندما تكلم جينجريتش فى معهد أمريكان إنتربرايز (أحد أهم مراكز البحث اليمينية المتطرفة المحرر)، مضى طويلا فى الحديث عن التهديد المفترض للشريعة، الذى يراه جزءا من حملة خفية لفرض الإسلام علينا جميعا. يومها قال جينجريتش إن «الجهاديين المستترين يستخدمون أدوات سياسية واجتماعية ودينية وفكرية؛ وجهاديو العنف يستخدمون العنف. لكن كليهما فى واقع الأمر منخرط فى الجهاد، وكليهما يريد فرض الشروط الضرورية لتحقيق الهدف نفسه، وهو استبدال الحضارة الغربية بالتطبيق المتطرف للشريعة». وألقى بجملة عابرة لإبراء الذمة هى أن «هناك اختلافا بين هؤلاء المسلمين الذين يعيشون فى العالم المتمدن وأولئك المسلمين الذى يريدون تغيير العالم المتمدن». ثم مضى قدما فى خطاب يصور فى جوهره الإسلام باعتباره التهديد الأحمر الجديد. ذلك أننى افترض أن «الجهاديين المستترين» مثلهم مثل «الشيوعيين المعروفين» الذين أدرجهم السناتور جوزيف مكارثى على قائمته. ومضى جينجريتش طوال خطابه مصورا الليبراليين باعتبارهم حزمة من الهواة. فقال «كيف لا يوجد لدينا فى هذا البلد حركة ما على اليسار تدرك أن الشريعة تمثل تهديدا قاتلا لقيم اليسار كافة؟ هذا السؤال من أكثر الأسئلة التاريخية المحيرة». من أين أبدأ؟ أولا: اعتقد أنه لابد من الإشارة إلى البديهية التالية: لا توجد حركة يسار وسط تكرس نفسها لمحاربة تسلل الشريعة الخفى والمتواصل إلى النظام القانونى الأمريكى، لأن شيئا من ذلك لا يحدث. لقد اخترع جينجريتش العدو ثم تساءل بعد ذلك لماذا لا ينقض عليه الآخرون كى يذبحونه. وقد وجد جينجريتش ومن يعانون من الإسلاموفوبيا حالة وحيدة لتدعم نظرية «الشريعة أتت» التى يطرحونها. ففى يونيو 2009، رفض قاضى فى إحدى محاكم الأسرة فى هادسون كاونتى فى نيوجيرسى إصدار أمر قضائى بعدم التعرض لامرأة شهدت بأن زوجها، وهو مسلم، أجبرها على ممارسة الجنس من دون رضاها. وقال القاضى جوزيف تشارلز إنه لا يعتقد أن الرجل «كانت لديه رغبة إجرامية تجاه زوجته، أو أنه كان يهدف إلى إيذائها»، لأنه كان يتصرف وفقا للطريقة التى يرى أنها «تتسق وممارساته». لقد أخطأ القاضى بالطبع، وقامت محكمة الاستئناف بالولاية باتخاذ قرار معاكس لقراره. وحكمت المحكمة بأن معتقدات الرجل لا تعفيه من الالتزام بقوانين الولاية، وهو ما وضع نهاية للحدث الوحيد الذى يمكن أن يعثر عليه المرء فيما يخص الشريعة المستترة. وقد أشار أندرو سيلو كارول، رئيس تحرير نيوجيرسى جوويش نيوز إلى هذه القضية فى عمود كتبه الشهر الماضى مهاجما «فوبيا الشريعة» لدى جينجريتش. وأشار كارول إلى أمرين: الأول أن النظام قد انتصر فى النهاية فقد أصدر القاضى حكما غبيّا ثم جرى إلغائه. وثانيا، يسمح نظامنا بتسوية بعض الأمور المدنية بخلاف الجرائم عبر وسائل أخرى للتحكيم. وأضاف كارول أن «من بين هذه الآليات البديلة محكمة قانون الحاخامات، حيث يذهب اليهود يوميّا إلى هذه المحكمة من أجل تحكيم صفقات العقارات وحالات الطلاق البغيضة ونزاعات المعاملات التجارية». لو كان نيوت واعيّا بذلك، هل كان سيتصرف بمثل هذه الحدة؟ أشك فى ذلك. إذ يبدو أن اعتراضه كان نابعا من إيمانه بما يقول. ويبدو أن غرضه كان سياسيّا. وإذا تصاعد الهجوم ضد المسلمين وواضح أن هذا يحدث حاليا فإن نيوت لن يُهزم.