فى يوم الجمعة الموافق 13 من هذا الشهر، بداية شهر رمضان، ترأس أوباما مأدبة الإفطار التى يقيمها البيت الأبيض سنويا، وأدلى ببعض الملاحظات حول الحرية الدينية. يأتى ذلك بالطبع فى سياق الجدل الراهن حول إقامة مسجد فى مانهاتن السفلى، وهى قضية لا تتعلق بالحرية الدينية كما يصر أوباما بل بالتسامح الدينى. وقد قال أوباما، مراجعا تعليقات الليلة السابقة، ومعمما لها، ومجردا إياها من مضمونها «لم أكن أعلق على ما إذا كان من الحكمة إقامة مسجد هناك، ولن أعلق على ذلك». فقد كان بالكاد يعلق على حرية العقيدة، وقد تبين أنه مؤيد لها. لقد شوش الرئيس رسالته. ألا يدرك أن التساؤل عن الحكمة فيما يتعلق بمكان المسجد يستند إلى الاعتقاد بأن الحادى عشر من سبتمبر كان جريمة مسلمة؟ ألا يفهم أن القضية تتعلق بالظلم على أساس الدين، لا بتقسيم العمران؟ الإجابة هى بالطبع نعم، إنه يدرك ذلك، لكنه على عكس هنرى كلاى، يفضل صفة الرئيس على صفة من يقف مع الحق. فقد نجح الجدل الكريه بشأن المركز الإسلامى المقترح الذى ليس فى موقع مركز التجارة، ولا على مرمى البصر منه، هل من معترض فى تحويل البعض من شديدى الذكاء إلى حمقى وأوغاد. وعكف البعض من هؤلاء على اصطياد التجارب المثيلة. وكان الرابح، كما يمكنك أن تتصور، هو الملاك الشرير نيوت جينجريتش الذى كان فى السابق موجودا فى جامعة جورجيا، والآن أصبحنا نجده فى أى قاعة اجتماعات الأضواء مسلطة عليها. وقد قال إن الموافقة على بناء المسجد «يشبه وضع علامة النازية إلى جانب متحف للكهولوكوست». لايزال جينجريتش يواصل المحاولة. ففى وقت سابق، طرح أنه نظرا لعدم وجود كنائس ولا معابد يهودية فى السعودية، «لا يجب أن يوجد مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة». لكن المسجد لا ينتمى إلى السعودية، بل إلى الإسلام، وهو تمييز لا يصعب على الإطلاق أن نضعه فى أذهاننا. كما أن مقارنة بناء المسجد بوضع علامة النازية بجانب متحف للهولوكوست تعتبر مقارنة زائفة. فقد كان جميع النازيين مخلصين لفكرة اضطهاد أو قتل جميع اليهود، أو الأمران معا. لكن هذا ليس الوضع مع الإسلام ومركز التجارة العالمى. فقد شن هذا الهجوم حفنة من المتعصبين، لا الديانة بأكملها. وقد انضم آخرون إلى المجادلات التى تطرح هذه المماثلة الزائفة. وكان أكثر ما أثار دهشتى هو تشارلز كراوثامر، زميلى لوقت طويل فى تحرير صفحة الرأى فى الواشنطن بوست. ففى عملية مماثلة مطولة، قال إنه بالرغم من أن أحدا لن يعترض على إقامة المراكز الثقافية اليابانية، فإن فكرة إقامة واحد منها عند بيرل هاربر ستكون فكرة عدوانية. «نعم، هذا صحيح، لكن اليابان بأكملها هاجمت بيرل هاربر، وأعلنت الحرب على الولاياتالمتحدة. ولم يكن الهجوم عملا مارقا ارتكبه 20 من الساموراى المجانين، لكنه كان هجوما شنته الدولة بكاملها. ويمكنك العودة إلى القراءة عن هذا الحدث التاريخى. لكن كراوثامر لم يتوقف عند ذلك. فقد قارن بناء المسجد بإقامة «برج تجارى فوق جيتسبرج»، ثم بمحاولة بناء دير للراهبات عند أوشفيتز، ثم بالطبع بإقامة «مركز ثقافى ألمانى بالقرب من تريبلنكا مثلا». وفى هذا ما يكفى. فسوف نعيش أياما سيئة. إن ما يشوب هذا الجدل ليس المقارنات الزائفة، بل النزعة الشعبوية الزائفة. فالناس يعترضون على بناء المسجد. وقد قال زعيم الأقلية فى مجلس النواب جون بوينر ذلك، وكذلك قاله الجمهوريون. فمن الواضح أن بيتر كينج، ثرثار لونج أيلاند، يستعد للمنافسة على منصب ما. إنهم على حق، لكن ماذا بعد؟ هل كانوا سيودون لو يمتثل لينكولن للمشاعر التى كانت تسود جنوبالولاياتالمتحدة فيما يخص الرق؟ هل كانوا سيقبلون أن يتم استطلاع رأى الجيش بشأن إلغاء التمييز العنصرى؟ إن حقوق الأقليات راسخة فى دستورنا. ومع ذلك، فإن الاعتقاد بأنه لا يوجد لدينا ما يكفى منها هو الذى جعل الولاياتالمتحدة تسعى إلى إجراء بعض التعديلات الفورية على الدستور، وهى ما نطلق عليه الآن «وثيقة الحقوق». ويظهر كينج وبوينر وغوغاء الحزب الجمهورى الآخرين، رغبة جريئة فى دغدغة مشاعر الظلم والتحامل السائدة بين أغلبية الأمريكيين. وشن نيوت حملة صليبية ضد الإسلام المتشدد لن يبقى مسلم فى مأمن منها. دائما ما يؤدى النزوع إلى الانتقال من الخاص إلى العام عبر لوم شعب بأكمله على تصرفات عدد قليل من أبنائه إلى تغذية المذابح وأعمال الشغب العنصرية. ويشير التاريخ إلى أن هذا التوجه يعتبر طبيعيا، وأنه سوف يتحول إلى أعمال شغب بالمعنى الحرفى للكلمة إذا لم يتم السيطرة عليه. ويقع على عاتق القادة المنتخبين التزامٌ أصيل بكبح هذا التوجه إذا كانوا يريدون أن يصبحوا قادة أخلاقيين إلى جانب كونهم قادة سياسيين. وقد مضى أوباما بالفعل فى ذلك، لكنه تراجع. نعم، إنه لم يستطع المواصلة.