يا عيد يا لك من هم وإيراق ومر طيف على الأهوال طراق يمشى على الأين والحيات محتفيا نفسى فداؤك من سار على ساق ولا أقول إذا ما خلة صرمت يا ويح نفسى من شوق وإشفاق لكنما عولى إن كنت ذا عول على بصير بكسب الحمد سباق سباق غايات مجد فى عشيرته مرجع الصوت هدا بين أرفاق عارى الضنابيب ممتد نواشره مدلاج أدهم واهى الماء غساق حمال ألوية شهاد أندية قوال محكمة جواب آفاق ● تلك الأبيات لشاعر يلقب تأبط شرا وهو ثابت بن جابر الفهمى (توفى عام 530 م) وهو أحد شعراء الجاهلية ويقال إن أمه ولدت خمسة أبناء هم: تأبط شرا، وريش بلغب، وريش نسر، وكعب جدر، ولا بواكى. وتلك بعض أبيات من أفضل قصائده، اختارها طه حسين ضمن أفضل مائة قصيدة فى الشعر العربى. تذكرت تأبط شرا، وأنا أتابع معارك وزير التربية والتعليم أحمد زكى بدر ضد التسيب، والإهمال فى الإدارات المدرسية، وضد أعداء تطوير المناهج، وضد الكتب المدرسية الخارجية التى تسمى بالتعليم الموازى مثل الدروس الخصوصية.. تذكرت تأبط شرا لأنه يمثل لى عقدة نفسية عانيت منها فى يوم من الأيام حين طلب منى ابنى الأصغر حين كان فى السنة الثالثة ابتدائى أن أشرح له أبيات شعر، فأصابتنى حمرة الخجل، لصعوبة فهمها، حتى إننى فكرت فى الاستعانة بالأصدقاء أبوالطيب المتنبى وأبوالعتاهية، وتوبة بن الحمير. ● لم أكن أدرك الحال التى وصلت إليها المناهج المدرسية، حيث إننى تخرجت فى مدرسة شرشر، ولم ألحق بتأبط شرا.. وغيره من شعراء الجاهلية.. ومن أسف أن الوزير أحمد زكى بدر يخوض معاركه الضارية وحده، مع أنها يجب أن تكون معركتنا جميعا، ومعركة الدولة كلها. فالتعليم هو أساس النهضة. أدرك ذلك مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا فخاض المعركة 20 عاما حتى نهضت بلاده. ونحن نتحدث عن تطوير التعليم منذ 20 عاما ولم نتقدم خطوة ولم نكمل فى التطوير سطرا.. علما بأن بعض الصحف الأمريكية نشرت مؤخرا تقارير تفيد خطورة بعض المناهج التى تدرس فى مدارسهم، بجانب تفاهة وسطحية تلك المناهج.. مع أن بعضنا يتفاخر بالتعليم الأمريكى وبأساليبه. ● عندما بدأت أخوض مراحل التعليم مرة أخرى مع أبنائى، كانت السنوات تمضى وتجرى وأرى أمامى المشاكل والشكاوى نفسها، وقد كنت عضوا فى مجالس الآباء المتعددة. فالحقيبة المدرسية ثقيلة على الطلبة الصغار، وتصيبهم بآلام فى الظهر. والجداول غير واضحة، والواجبات المدرسية طويلة ومرهقة، والأنشطة الاجتماعية والرياضية لم يعد لها وجود حقيقى، ولا وقت عند المدرس أو عند المدرسة لتنمية موهبة التلميذ فى الفن أو الموسيقى أو غيرهما، وطفولة التلاميذ تصادر، والدروس الخصوصية تبدأ من سنة أولى ابتدائى، والمناهج صعبة وبها مواد لا تواكب العصر ولا تصلح لأى عصر. ● المعركة طويلة وعميقة، بعد أن انتشر التسيب والإهمال، وبعد أن أصبحت الدروس الخصوصية مرضا عضالا يصعب الشفاء منه، فكيف يضحى مدرس بآلاف الجنيهات شهريا مقابل ما يسمى بالكادر وجنيهاته التى لا تزيد على بضع مئات.. نحن للأسف أمام تعليم شكلى ومجانى تمارسه الدولة، وتعليم مواز يرهق الأسرة المصرية ويكلفها مليارات سنويا.. وأحدث المعارك التى يخوضها وزير التعليم هى معركته فى مواجهة الكتب الخارجية الموازية للكتب المدرسية. وهى ظاهرة لا أظن أنها موجودة فى إطار أى عملية تعليمية فى أى دولة.. وهى معركة شرسة، لأنها تتعلق بمصالح مالية ضخمة.. ونحن مع الإصلاح، وفى تاريخ البشرية لا يوجد إصلاح بلا ضحايا.. لكن المشكلة فى حل مشاكلنا أنها تعالج بقرارات فورية، وصادمة، وكان يجب أن يمنح الوزير أصحاب المصلحة فى الكتب الخارجية فترة زمنية لتوفيق الأوضاع، وفى النهاية ستكون القضية والمعركة الحقيقية أن تمنع الدولة تلك الكتب، ولا تكتفى بالحصول على ما يسمى بحقوق الملكية الفكرية، لكن لماذا يلجأ التلاميذ إلى تلك الكتب الخارجية؟ الإجابة معروفة: الكتاب المدرسى ثقيل الظل، وطباعته سيئة، وغير جذاب وغير كامل، وينقصه مزيد من الشرح ومزيد من التفسير، ومزيد من التدريبات والتمارين ومزيد من الامتحانات النموذجية. فيدهشك أن الكتاب الخارجى يعنى بهذا كله بينما لا يعنى به كتاب الوزارة.. ثم يجب أن تغرس الثقة فى نفوس التلاميذ وأولياء أمورهم بأن كل نص لامتحان سيكون من نصوص كتب الوزارة ولو بصورة غير مباشرة، بامتحانات طرحت بالكتاب المدرسى لعل الثقة تعود فى هذا الكتاب.. ● تلك ليست معركة وزير التعليم وحده.. إنها معركتنا جميعا معركة أولياء الأمور، ومعركة الدولة، ومن أسف أن نرى من يدافعون عن الإهمال والتسيب فى الإدارات المدرسية، ومن يدافعون عن نظار ومدرسين لا يقومون بأبسط واجباتهم بدعوى قسوة الوزير، بينما لا يمكن أن يستوى حال أمة بدون قوة وقسوة وقانون يساوى ويعدل بين الجميع، خاصة حين يسود الإهمال والفوضى فى تلك الأمة.. ومن أسف أيضا أن نرى من يدافعون عن الدروس الخصوصية وعن الكتاب الخارجى، وعن المدارس الأجنبية. ● معركة الوزير أحمد زكى بدر مع المناهج الصعبة، وغير المطابقة للفكر الجديد أو للعصر، مثل معركتى مع تأبط شرا وأعوانه وأمثاله من الشعراء الذين ينقضون على عقول التلاميذ الصغار ما هى إلا واحدة من معاركه المتعددة والطويلة من أجل الأجيال القادمة، ولابد من مساندة الدولة والجميع، خاصة أننا نرى الالتواء والاعوجاج ونشكو منه، ولا نحاربه ولا نقاومه.. لا تتركوا الوزير وحده وإلا سيقع فى «حيص بيص».. وقبل أن يستنكر من يقرأ، ويغضب من لا يعرف، نلفت النظر إلى أن حيص بيص، هو شاعر عربى مشهور، اسمه أبوالفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفى.. ولعل شعره غير مقرر فى مناهج المدارس الابتدائية.. الصبر يارب.