جاء صدور تقرير اللجنة الدولية للنمو والتنمية فى مايو 2008 فى توقيت حرج، إذ جاء قبل نشوب الأزمة المالية العالمية بشهور، وهو ما دعا اللجنة التى تضم عشرين عضوا من المسئولين الحكوميين ضمنهم وزير الاستثمار المصرى، محمود محيى الدين، وصناع القرار وخبراء دوليون، لعقد ورشة عمل حول الأزمة وتبعاتها على الدول النامية، نتج عنها ملحق للتقرير تم إطلاق النسخة العربية منه نهاية الأسبوع الماضى. واعتبر التقرير أن الأزمة المالية مثلت «فشلا ذريعا للأنظمة المالية فى الدول المتقدمة»، وهو ما يضع الدول النامية فى موقف حرج. وكانت الدول المتقدمة سابقا تنصح النامية بأن تتبع نفس نظام الأولى المالى، وبعد نشوب أزمة دول جنوب شرق آسيا فى عامى 1997 1998، و الناتجة عن خروج الاستثمارات الأجنبية من البلاد، تغيرت هذه النصيحة إلى «عليكم أن تكونوا مثلنا فى نهاية المطاف» بمعنى التدرج فى تطبيق النموذج الغربى بما يناسب ظروف الدول النامية. غير أن الازمة عدلت هذا الاتجاه حيث أصبح نموذج التحرير يواجه «بعض الازدراء» بحسب التقرير، وهو ما جعل الوجهة التى على الدول النامية «أن تولى وجهها شطرها غير واضحة». ويرى التقرير أن كل الجدل الدائر حول دروس الأزمة «لابد أن ينتهى بولادة توليفة جديدة مختلفة عما بين أيدينا اليوم». وعن ملامح تلك التوليفة الجديدة، كما بدت فى أعين أعضاء لجنة النمو والتنمية، يوصى التقرير صناع القرار فى النظام المالى بالدول النامية أن يكونوا «أكثر محافظة» وأن يحتفظوا بملكية محلية كبيرة من مؤسسات الوساطة المالية «حتى لا تكون الحكومة فى مأزق وأن تجد دائما الشخص الذى تستطيع أن تتعامل معه عند مواجهة الأزمات». ويوضح التقرير عيوب الملكية الاجنبية فى القطاع المالى، مشيرا إلى أنه فى وقت وقوع الأزمات ينقسم ولاء الكيانات الأجنبية بحيث يكون بعضها مشغولا كلية بالأحداث الجارية فى بلدانهم «لذلك سيحتاج كل بلد لاعبين محليون يمكنهم المشاركة فى تنفيذ خطط مواجهة الأزمة». كما تعرض التقرير لمزايا الملكية الحكومية فى القطاع المالى، فبالرغم من أن البنوك المملوكة للدولة فى الدول النامية غالبا ما يكون أداؤها أقل من أداء البنوك الخاصة فى أوقات الازدهار «لكنها تحقق نجاحا خلال الأوقات العصيبة» مما يوفر درجة من الطمأنينة تشجع المزيد من القطاع الخاص على الدخول. إلا أن التقرير يحذر من أنه على الرغم من أن الملكية الحكومية فى القطاع المالى تضمن توافر الائتمان فى جميع الأوقات لكنها أيضا تميل إلى تقييد المنافسة والابتكار. ومن ناحية أخرى ينصح ملحق تقرير لجنة النمو والتنمية، المؤسسات المالية فى الدول النامية بألا تتعامل مع أدوات مالية لا تفهمها، وهو الخطأ الذى وقعت فيه نظيرتها فى الدول المتقدمة، مقررا ذلك بقوله: «من المفيد أن نتذكر أنه فى الأزمة المالية الحالية كانت بعض الأوراق المالية غير مفهومة بالقدر الكافى حتى من قبل البنوك الأكثر تطورا بالإضافة إلى فشل المنظمين فى رؤية المخاطر التى أوجدتها هذه المنتجات»، بينما تجنبت البنوك المحلية «المنتجات التى لا يثقون فيها أو لايفهمونها» وهو ما جنبها بعض تداعيات الأزمة. لم تقتصر النصائح فقط على نظم عمل القطاع المالى فى الدول النامية، حيث يؤكد التقرير أيضا أن الأزمات السابقة تثبت أن رأس المال الأجنبى يمكن أن يكون متقلبا يتدفق للخارج لاسباب خارجة عن إرادة الدول المستضيفة له وعليه يوصى التقرير الاقتصادات الناشئة بضرورة «الحفاظ على مستويات عالية من الادخار لتجنب البلاد مخاطر الانسحاب المفاجئ لرأس المال الأجنبى، حيث لا توجد هناك حالة لمسار استثمارى مستدام غير مدعوم بنسبة عالية من المدخرات المحلية». وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التى طرحها الملحق الراصد لآثار الأزمة المالية للسياسات المالية بالدول الغربية، فإنه نبه الى ضرورة ألا تقودنا تجربة الأزمة المالية الى انتقاد اقتصاد السوق نفسه، «فى سياق المد الجذرى لدور الحكومة فى الاقتصاد فإن ذلك قد يؤثر سلبا على ديناميكية القطاع الخاص التى ساهمت فى جميع أمثلة النمو الناجحة التى نعرفها، وإن حدث ذلك فسيكون خطأ كبيرا». وينبغى أن تبذل الحكومة المزيد من الجهد من أجل حماية المواطنين فى مواجهة الاضطراب الاقتصادى الشديد «فلا يمكن الاستغناء عن شبكات الأمان من أجل الحفاظ على ثقة المجتمع ودعمه لنتائج السوق». مضيفا الى قائمة الأفكار السلبية التى يجب تجنبها «تجاهل الحاجة إلى وجود توزيع أكثر عدلا للمكاسب والخسائر فى أوقات الرخاء والرفاهية وفى أوقات الأزمات.