لم يخل مجتمع على مر العصور من وجود جهاز أو كيان ما، تكون مهمته الأولى هى الحفاظ على الأمن وحماية الأفراد والممتلكات وتنظيم شئون الحياة، وقد عرفت مصر الفرعونية منذ آلاف السنوات أقدم جهاز أمنى وأقدم مؤسسة شرطة فى العالم فى عهد الأسرة الأولى، ثم لم تلبث نظمها الإدارية والأمنية أن تبدلت وتقوضت، وتغيرت صورة الشرطة الوطنية الفرعونية، وحلت محلها أشكال ووظائف ومسميات مختلفة للأجهزة الأمنية طيلة فترات الاحتلال المتعاقبة. فى عهد الرومان كانت مهمة حفظ الأمن توكل لأشخاص من المتطوعين، الذين لا يأخذون أجرا لقاء عملهم، وفى فترات لاحقة مثلما فى عهد الخديو إسماعيل، كان هؤلاء يتقاضون الرواتب والماهيات التى يصرفها لهم أصحاب الأملاك بعيدا عن ميزانية الدولة، ثم لم تلبث مسئولية الحفاظ على الأمن أن أصبحت وظيفة حكومية مدفوعة الأجر مثلها مثل أى وظيفة أخرى فى الدولة، يتقاضى صاحبها مقدارا محددا من المال بطريق رسمى مقنن. ولكى يتعرف الناس عليهم ويتعاونوا معهم ويمتثلوا لأوامرهم، كان للأشخاص العاملين على حفظ الأمن ما يميز مظهرهم فى أغلب العصور، سواء كان ملبسا متشابها، أو علامة خاصة لا يستخدمها غيرهم، مثل الأشرطة أو القبعات، وقد تراوحت الأدوات التى حملها هؤلاء ما بين العصى والكرابيج ثم الأسلحة النارية فيما بعد. وقد اختلفت التسميات التى أطلقت عليهم باختلاف الحقبات وبتباين ثقافة وطبائع المحتلين فى فترات الاحتلال، وأحيانا ما اتبعت التسمية الطبع الغالب على الوظيفة والمفردات اللغوية السائدة فى العصر، ففى عهد زوسر حيث مثلت الأرض ونظم الرى والزراعة المحور الرئيسى للحياة، عُرِفَ رئيس الشرطة باسم «مرشد الأرض»، وفى العصر البيزنطى تذكر بعض الدراسات وظيفة «الحامى» باعتباره شخصا كانت وظيفته حماية الفقراء من جور أصحاب الأملاك من الأغنياء، وفى عهد الخليفة عمر بن الخطاب حيث الدولة الإسلامية المتطلعة لمد نفوذها هنا وهناك، ظهر «العسس» وكانت وظيفتهم الأساسية هى تعقب الفاسدين، وتشير كلمة عسس لغويا إلى هؤلاء الذين يطوفون بالمكان ليلا للكشف عن أهل الريبة، أما أثناء حكم الدولة العثمانية التى اشتهرت بكثرة المكائد والدسائس. فقد تم إنشاء جهاز أمنى سرى مرادف لما يُعرَف اليوم بجهاز مباحث أمن الدولة، وسُمِّىَ القائمون على حفظ الأمن فيه «البصاصون» فى إشارة واضحة للطبيعة التآمرية المستترة لعملهم، والتى غالبا ما كانت تستدعى بقاء أعينهم مفتوحة لتسجيل كل شاردة وواردة فى غفلة من الآخرين للإيقاع بهم، والكلمة لغويا اسم فاعل من الفعل بصّ، وبصبص الشىء أى ظهر أوله. أما كلمة «البوليس» فهى مفردة يونانية الأصل وتعنى بالعربية المدينة، بكل ما تحمله من تطور ومدنية وحضارة، وبكل ما تستلزمه من حفاظ على أمنها ونظامها الداخلى كأولوية أولى، وفى هذه الفترة ومع التلازم الذى نشأ بين المدينة واستتباب الأمن، أطلقت كلمة «البوليس» ليس على المدينة فقط، بل وعلى من اختيروا للقيام بحماية أمنها وسكينتها أيضا، واستخدمت الكلمة فى مصر فى بعض فترات الاحتلال الأوروبى خاصة أثناء الاحتلال البريطانى، ومازالت متداولة حتى اليوم. أما كلمة «الشرطة» فهى كلمة عتيقة، ظهرت إلى الوجود فى بدايات عهد الدولة الإسلامية. وكانت تشير إلى صورة بدائية بعض الشىء من النتظيمات الأمنية، ويقال إن أول من أسس جهازا منظما للشرطة برغم بساطة تكوينه هو الخليفة عثمان بن عفان أثناء الوجود العربى فى مصر، وقد اختفت كلمة «الشرطة» من قاموس المفردات اليومية فى عصر الدولة الأموية وحل محلها تعبير «صاحب الأحداث»، ثم عادت كلمة «الشرطة» لتصبح متداولة مع قيام الدولة العباسية، وفى عهد المماليك أصبحت كلمة «الشرطة» من المفردات التاريخية المندثرة، وحل محلها لقب «الوالى»، ثم لم تلبث مفردة «الشرطة» أن استعادت موقعها بعد فترة وأصبحت الكلمة الرسمية المستخدمة حتى يومنا هذا. ويعود الأصل اللغوى لكلمة شرطة إلى «شرط»، والشَّرَط تعنى العلامة ومنها جاء اسم الشُرَط وهو جمع يطلق على مجموعة من الأفراد لأنهم كما ذكر الأصمعىّ، جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، والمفرد من هذه الكلمة شُرطة وشُرطىّ بسكون الراء، وللكلمة مدلول آخر، فأشرَطَ فلان نفسه لأمر تعنى أحاطها علما به وأعدّها له، ويذكر أبوعبيد أنهم قد سموا شُرَطا لأنهم أُعِدّوا، خلاصة القول أن كلمة شرطة هى مفرد وجمعها شُرَط، ومعناها صاحب العلامة المميزة أو من أعد نفسه أو تم إعداده لأمر ما.