أطلق المركز الوطنى لحقوق الإنسان (NCHR)، بالتنسيق والتعاون مع المعهد الوطنى الديمقراطى للشئون الدولية (NDI) حملة وطنية للإصلاح الانتخابى فى الأردن: «التحالف الوطنى الأردنى لإصلاح الإطار القانونى الناظم للعملية الانتخابية». بدأت الحملة بتنظيم سلسلة من الندوات وورش العمل فى العاصمة ومعظم المدن الأردنية الرئيسة، وبحثت فى أهم التعديلات الواجب إدخالها على قانون الانتخابات لضمان إجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة تنسجم مع المعايير الدولية للانتخابات، وتلبى تطلع الأردنيين إلى برلمان ممثل لإرادتهم وقادر على القيام بدوريه الرقابى والتشريعى. مبادرة المركز ليست الأولى من نوعها، إذ سبق لمنظمات أهلية ومؤسسات مجتمع مدنى ومراكز أبحاث أن أطلقت مبادرات شبيهة فى سنوات سابقة، شاركت فى إنجازها قوى سياسية وحزبية ومؤسسات مدنية ومنظمات نسائية أردنية عديدة. كانت المبادرة مهمة لجهة توقيتها قبيل إقدام العاهل الأردنى على حل مجلس النواب الخامس عشر قبل أن يتم ولايته الدستورية، ودعوته الحكومة إلى إجراء انتخابات مبكرة وفقا لقانون انتخابى جديد. وبعد سلسلة واسعة من النقاشات والحوارات، انتهى المركز الوطنى لحقوق الإنسان و«التحالف الوطنى الأردنى لإصلاح الإطار القانونى الناظم للعملية الانتخابية» الذى شكله المركز وقاده إلى جملة من التوصيات والمقترحات التى تشكل بمجملها إطارا شاملا لإصلاح التشريعات الانتخابية وتكفل (فى حال الأخذ بها) إجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة. وقد توزعت هذه المقترحات والتوصيات على محاور عدة، بعضها استهدف جوهر النظام الانتخابى وبعضها الآخر ركز على الجوانب العملية والإجرائية للعملية الانتخابية. فى مضمون النظام الانتخابى، نصت التوصيات على تعديل قانون الصوت الواحد غير المتحول المعتمد فى الأردن منذ العام 1993، واستبداله بنظام انتخابى مختلط يقوم على إعطاء الناخب الأردنى صوتين، واحد لمرشح الدائرة الصغيرة والثانى للقائمة الحزبية النسبية الوطنية. ودعت التوصيات إلى إعادة توزيع المقاعد وتصغير الدوائر الانتخابية وإعادة رسمها بصور تتوخى المساواة النسبية، وتأخذ بعين الاعتبار عوامل الديموغرافيا والجغرافيا والتفاوت التنموى فى ما بينها. كما دعت إلى زيادة الكوتا النسائية وتخصيص مقعد واحد على الأقل للنساء فى كل محافظة. وتضمنت التعديلات المقترحة توصية بإنشاء مفوضية وطنية مستقلة تدير الانتخابات وتشرف عليها، بدلا من ترك الأمر لوزارة الداخلية كما هو معمول به حاليا، وحثت على تجريم النقل الجماعى للأصوات وبيعها وشرائها، وقننت استخدام ما بات يعرف فى الأردن ب«المال السياسى» ووضعت ضوابط للإنفاق على الحملات الانتخابية. علاوة على ذلك، دعت التوصيات إلى خفض سن الناخب وتمكين المغتربين الأردنيين من ممارسة حقهم الانتخابى، وتوفير تغطية إعلامية متوازنة للانتخابات، وتمكين المجتمع المدنى الأردنى من ممارسة الرقابة على الانتخابات، فضلا عن العديد من التوصيات الإجرائية والعملية المستلهمة من دروس الانتخابات الأردنية السابقة ومن الخبرات الدولية الأفضل. لقد أثارت التوصيات التى انتهى إليها المركز والائتلاف الوطنيان، جدلا فى الأوساط السياسية والاجتماعية الأردنية، فقد قابلتها العديد من القوى الإصلاحية من أحزاب سياسية ومنظمات نسائية ومؤسسات مجتمع مدنى بكثير من الارتياح، وانضمت إلى «التحالف الوطنى الأردنى لإصلاح الإطار القانونى الناظم للعملية الانتخابية» العشرات من هذه المنظمات فى مختلف المناطق الأردنية، وبدأت نشاطا ميدانيا وعلى شبكة الانترنت من أجل الترويج لهذه التعديلات وحشد الدعم والتأييد لها. لكن فى المقابل، أبدت قوى سياسية واجتماعية أردنية تقليدية، تحفظات ملموسة على التعديلات والتوصيات التى صدرت عن المركز والتحالف، وجددت تمسكها بقانون الصوت الواحد كما هو معمول به حاليا ومن دون تعديل. كما رفضت إدخال التمثيل النسبى أو إجراء تعديلات جوهرية على توزيع المقاعد والدوائر الانتخابية. الحكومة، من جهتها، التزمت الصمت حيال الأفكار والمقترحات التى تقدم بها المركز الوطنى لحقوق الانسان، وهى وإن وعدت بدراستها والتعامل بجدية معها، إلا إنها لم تقطع على نفسها أى التزام من أى نوع بالأخذ بهذه التوصيات، خصوصا تلك التى تتعلق بجوهر النظام الانتخابى وتوزيع المقاعد وإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية، واكتفت الحكومة بالترحيب بالتوصيات المتعلقة بزيادة عدد مقاعد الكوتة النسائية فى المجلس المقبل، وتغيير طريقة احتساب الفائزات فى الانتخابات بصورة تراعى تمثيل مختلف المحافظات الأردنية. كما تعهدت بإجراء جملة من التعديلات الإجرائية واللوجستية على القانون الانتخابى، بحيث تجرى العملية الانتخابية فى أجواء أكثر شفافية ونزاهة. والحقيقة أن معظم المراقبين للحراك الانتخابى والمتتبعين للجدل الوطنى حول الانتخابات المقبلة، لا يبدون تفاؤلا فى إمكانية حدوث «اختراق» فى عملية الإصلاح الانتخابى، ويستند هؤلاء إلى ما يرشح من معلومات وتسريبات من أوساط حكومية بأن تعديلات طفيفة فقط ستطرأ على القانون الانتخابى، وأنها ستقتصر فى معظمها على «الجوانب الإجرائية واللوجستية» فضلا عن تطوير نظام الكوتا النسائية. ويعزو كثيرون سبب تشاؤمهم هذا، إلى غياب «قوى الضغط المحلية» الكفيلة بوضع قضية الاصلاح الانتخابى الحقيقى فى صدارة جدول أعمال الحكومة، فلا المركز الوطنى لحقوق الإنسان، ولا التحالف الوطنى الذى أطلقه، بل ولا المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، يمتلكون القدرة والأدوات القادرة على إحداث تقدم ملموس على هذا الطريق. والواقع أن تطوير الجوانب اللوجستية والإجرائية لتيسير العملية الانتخابية أمر بالغ الأهمية لجهة تشجيع المواطنين على المشاركة فى الانتخابات وضمان نزاهتها وشفافيتها وتعزيز الثقة بنتائجها، إذ أظهرت دراسة استطلاعية أعدها مركز القدس للدراسات السياسية بالتعاون مع المعهد الوطنى الديمقراطى للشئون الدولية (NDI) العام 2009، أن 24 بالمائة من الذين لم يدلوا بأصواتهم فى انتخابات 2007 إنما فعلوا ذلك لأسباب إجرائية ولوجستية تتعلق بمشكلات فى بطاقات هويتهم أو كشوف الناخبين المسجلين وغيرها، وهؤلاء شكلوا فى حينه ما يقرب من 10 بالمائة من إجمالى الناخبين. والواقع أيضا أن تطوير الكوتة النسائية فى البرلمان المقبل أمر بالغ الأهمية كذلك. فنسبة النساء فى البرلمان الأردنى لا تزيد على 6.4 بالمائة فقط، فى حين بلغ المعدل العام للنساء فى البرلمانات العربية ما لا يقل عن 9.2 بالمائة، وبلغت النسبة دوليا ما يقرب من العشرين بالمائة، وهى النسبة نفسها التى تطالب بها نساء الأردن. ومع ذلك، هذه التعديلات على أهميتها لا تكفى، فى حال الأخذ بها، لتحقيق الإصلاح الانتخابى الذى ترنو إليه غالبية الأردنيين، بل إنها لا تدفع إلى الاعتقاد بأن البرلمان المقبل سيكون مختلفا نوعيا عن البرلمان المنحل، الذى قيل أن لا سبب سياسيا وراء حله، بل السبب الرئيس (الوحيد) لحله هو ضعف أدائه الرقابى والتشريعى، وانصراف غالبية أعضائه إلى تقديم الخدمات الشخصية المنهكة لكاهل الحكومة والخزينة لأقربائهم ومؤيديهم، فضلا عن تغليب بعضهم لمصالحه الشخصية على حساب دوره الوطنى العام. ويخشى العديد من الخبراء والمختصين بأن تأتى انتخابات 2010 بمجلس شبيه بالمجلس المنحل، طالما أنها ستجرى وفقا للقانون نفسه والآليات نفسها تقريبا. وقد بلغ التشاؤم ببعضهم حد التكهن بأننا سنكون أمام «تمديد» للمجلس القديم، حتى وإن تغيرت بعض الأسماء وتبدلت بعض الوجوه.