العلة الكبرى فى السودان الآن تعود لحدث كبير هو استيلاء حزب أقلية ينادى بأيديولوجية إسلاموية على السلطة فى بلاد متعددة الأديان والثقافات ومحاولة فرض رؤاه بالقوة.. هذا التوجه خلق حتما استقطابا حادا من داخل الجسم الإسلامى نفسه بين أهل القبلة والإسلامويين (الذين اتخذوا من الشعار الإسلامى أيديولوجية للسلطة) واستقطابا حادا داخل الوطن بين أصحاب السلطة الإسلاموية وسائر المواطنين من علمانيين وأتباع أديان أخرى. هذه الاستقطابات الحادة أدت إلى سياسة قمعية ضد المخالفين لهذا النهج من المسلمين الذين صنفوا بغاة، وضد أتباع الأديان الأخرى الذين صنفوا كفارا وهدفا للجهاد. كانت حركة الجنوب المسلحة أشبه بحركة مطلبية لثلاثة مطالب: نيل نصيب فى السلطة، والثروة، واستثناء الجنوب من أى أحكام إسلامية.. ولكن نتيجة لأيديولوجية النظام الانقلابى الجديد تحولت لحركة تحرير تطالب بتقرير المصير. نتيجة لهده المواجهات واجه النظام الانقلابى السودانى تحالفا معارضا عريضا داخليا، وجد دعما إقليميا من دول الجوار ودعما دوليا. هذا التحالف عزل النظام السودانى فتراجع من أطروحاته فأبرم اتفاقية «السلام الشامل» فى 2005. هذه الاتفاقية أقامت حكما ثنائيا بين المؤتمر الوطنى (الاسم المعدل للجبهة الإسلامية القومية) والحركة الشعبية لتحرير السودان. حكم مداه الزمنى 6 سنوات ثم يجرى استفتاء لتقرير مصير الجنوب فى 2011... كثير من الناس يستغربون لماذا تقرير المصير؟ فكرة تقرير المصير للجنوب لم تكن شائعة فى الثقافة السياسية السودانية إلا بعد انقلاب يونيو 1989، الذى أعلن برنامجا عروبيا إسلامويا جسده المؤتمر الشعبى العربى الإسلامى الذى كونه النظام الانقلابى فى 1992. قررت القوى السياسية الجنوبية بعد ذلك أن هذه الهوية عازلة لهم لأنهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين فأجمعوا على المطالبة بتقرير المصير فى نوفمبر 1993، وطالبوا به لدى إبرام اتفاقية السلام فى يناير2005. إلى جانب تقرير المصير للجنوب اشتملت اتفاقية السلام على برنامج تحول ديمقراطى عبر انتخابات عامة حرة تجرى فى عام 2007.. وكان المتوقع أن يحقق طرفا اتفاقية السلام (المؤتمر الوطنى، والحركة الشعبية) توافقا أثناء الفترة الانتقالية يجعل الوحدة جاذبة لدى تقرير المصير القادم.. وأن يحققا حكما توافقيا يوفر الحريات العامة وحقوق الإنسان ويمهد للانتخابات العامة الحرة.. ولكن أثناء الحكم المشترك تدهورت العلاقة بين طرفى الاتفاقية، فصارت حربا باردة مستمرة، وتقاعس مشروع التحول الديمقراطى، فلم تتوافر الحريات بالدرجة المطلوبة وتأخر إجراء الانتخابات العامة. هكذا حققت اتفاقية السلام عكس مقاصدها فلم تجعل الوحدة جاذبة، بل طاردة.. ولم تمهد للتحول الديمقراطى المنشود. ومنذ عام 2002، ونتيجة لإحساس كثير من عناصر دارفور سيما غير العربية نشأت فى دارفور ظاهرة الإثنية المسيسة (تكوين دارفور العرقى كسائر السودان فيه عرب وزنوج).. مما أدى لنشأة أحزاب مسلحة من بين بعض القبائل أكثرها من الفور والزغاوة والمساليت، باسم حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، رفعت سلاح المقاومة فى وجه الحكومة المركزية. حركة تحرير السودان وجدت دعما من الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة دعما من المؤتمر الشعبى. أما الحكومة المركزية فاتبعت خطة فى قمع هذه الحركات تحالفت عبرها مع قوى غير نظامية، ارتكبت معها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بصورة أجبرت ثلث سكان إقليم دارفور للفرار إلى معسكرات نازحين داخل البلاد ولاجئين خارج البلاد. هذه التجاوزات هى التى لفتت نظر العالم فأصدر مجلس الأمن 24 قرارا ضد الحكومة السودانية وأرسل قوات دولية أفريقية لحماية المدنيين، وقرر تقديم الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم (1593). النظام السودانى رفض هذا القرار واستعد لمواجهته ما أدخل السودان فى مواجهة مع النظام الدولى. والمشكلة الرابعة هى أن النظام السودانى ضخم الصرف الإدارى والصرف الأمنى أضعافا مضاعفة.. ساعده على ذلك منذ عام 1999 استغلال النفط بحجم تصدير 500 ألف برميل يوميا. تضخم الصرف الإدارى والأمنى كان مسرفا، إذ تضاعف الصرف الحكومى بسببهما عشرة أضعاف فى عشرة سنوات، ما أجبر الحكومة على تصفية دولة الرعاية الاجتماعية المعهودة فى السودان منذ استقلاله، وإهمال الصرف على الإنتاج الزراعى والصناعى، والمبالغة فى جباية الضرائب. هذه هى الأزمات الأربع التى أحاطت بالبلاد نتيجة لسياسات النظام الانقلابى. فالعلاقة بين شريكى الحكم وصلت قمة السوء فى نهاية 2007، وكذلك تحولت أزمة دارفور إلى مشكلة الأمن القومى السودانى الأولى وإلى مشكلة عالمية. ومنذ عام 2008 حاولنا محاولات ملحة لإيجاد مخرج وطنى ما أدى لإبرام اتفاق التراضى الوطنى فى مايو 2008.. ولكن عناصر متنفذة فى المؤتمر الوطنى الحزب الحاكم لم تشأ قبول أى إصلاحات حقيقة فى برنامجها السياسى فأجهضت التراضى الوطنى. وفى سبتمبر 2009 دعت الحركة الشعبية القوى السياسية لمؤتمر جامع فى عاصمة الجنوب (جوبا) وسعينا لتحويل المؤتمر لبوابة جنوبية للتراضى،ولكن نفس العناصر التى أجهضت التراضى عاكست المساعى، ما جعل مؤتمر جوبا نافذة لاستقطاب جديد بين أعضائه وبين المؤتمر الوطنى وحلفائه. من أهم أهداف التراضى الوطنى المذكورة إيجاد أرضية مشتركة للقوى السياسية تمهيدا لمناخ صحى لإجراء الانتخابات العامة المزمعة فى عام 2010، ولكن تلك المساعى باءت بالفشل لذلك عندما جاء رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامو مبيكى مبعوثا من الاتحاد الأفريقى إلى السودان فى 1 أبريل 2009، واستمع لممثلى القوى السياسية السودانية تأكد له أن أزمة دارفور لا يمكن حلها بمعزل عن بقية القضايا الوطنية، لذلك تبنى فكرة عقد ملتقى قمة سياسية سودانية لحل قضايا البلاد ومن بينها الاستعداد للانتخابات المقبلة.. هذه المساعى لعقد قمة سياسية أخفقت مما دفع الأمور نحو سوء التفاهم والاستقطاب. القوى السياسية التى تحالفت فى مؤتمر جوبا رأت أن هناك قضايا ينبغى حسمها قبل إجراء الانتخابات أهمها: الاختلاف حول الإحصاء السكانى الذى جرى عام 2008، وترسيم الحدود بين شمال السودان وجنوبه، وكفالة الحريات، وحل مشكلة دارفور.. لذلك طالبوا فى موكب قدم مذكرة لمفوضية الانتخابات فى 4/3/2010 بضرورة تأجيل الانتخابات حتى نوفمبر 2010 لإتاحة الفرصة لحل تلك المشكلات، دون جدوى. تقدم للترشح لرئاسة الجمهورية السودانية 12 شخصا.. قدم 11 منهم (أى كلهم ماعدا السيد عمر حسن أحمد البشير) مذكرة فى 18/3/2010، ذكروا فيها أن مفوضية الانتخابات ارتكبت مخالفات قانونية وإدارية، ومالية وطالبوا بمراجعة محايدة لأدائها قبل إجراء الانتخابات المزمعة.. ونتيجة لعدم الاستجابة للمطالب الإصلاحية هذه قرر عدد كبير من الأحزاب مقاطعة الانتخابات فى 1/4/2010. كان حزب الأمة القومى من أحرص الأحزاب على خوض الانتخابات: عقد مؤتمره العام السابع فى فبراير 2009 استعدادا للانتخابات، وخاض حملة التسجيل، ورشح 965 شخصا لجميع المقاعد الانتخابية وطرح برنامجا واضح المعالم نقدا للنظام القائم وبيانا للبديل.. ومع دنو مواعيد الاقتراع عقد الحزب اجتماعا لمكتبه السياسى فى 1 و2 أبريل 2010 لتحديد موقفه من الانتخابات بعد أن رفض مطلب تأجيل الانتخابات لنوفمبر لإجراء الإصلاحات المطلوبة.. فى ذلك الاجتماع انقسم رأى أعضاء الحزب على النحو التالى: 23% نادوا بمقاطعة الانتخابات لعدم نزاهتها. 26% نادوا بالمشاركة الكاملة فيها رغم عدم نزاهتها. 44% نادوا بمقاطعة انتخابات الرئاسة وخوض المستويات الأخرى. 7% رأى غامض. وبعد تداول الأمر اقترحت الرئاسة اقتراحا أجمع عليه الحاضرون، وهو تقديم ثمانية شروط مخففة لخوض الانتخابات فإن قبلت يخوضها الحزب.. أهم تلك الشروط: الالتزام بكفالة الحريات وعدم استخدام قانون الأمن القمعى ضد المرشحين ومناديبهم، إشراف الأحزاب المتنافسة على أجهزة الإعلام الرسمية لضمان إتاحة الفرصة لهم، وضع سقوف مالية لصرف المرشحين والأحزاب، دعم الحكومة للأحزاب، ترتيبات استثنائية لدارفور، وأخيرا تأجيل الانتخابات لمدة أربعة أسابيع لإعطاء فرصة للإصلاحات المذكورة لرفع مستوى نزاهة الانتخابات. فيما جرى من تفاهم مع المؤتمر الوطنى اتفق على معظم تلك المطالب ولكن رفض التأجيل. لذلك عندما اجتمع المكتب السياسى للحزب فى 6 و7/4/2010، وقرر مقاطعة الانتخابات فى كل المستويات. هنالك أسباب فنية لتأجيل الانتخابات، ولكن عناد وانفراد الحزب الحاكم بالقرار جعله يقفل الباب ما أدى لمقاطعة القوى المنافسة الأكبر، وبالتالى تنفيس العملية الانتخابية وتجريدها من كثير من معانيها. الحكمة فى إجراء الانتخابات قبل استفتاء تقرير المصير هى أن تأتى حكومة منتخبة يرجى أن تخلق ظروفا أفضل للاستفتاء فى فترة زمانية تتجاوز العامين.. أما أن تأتى الانتخابات شهورا قبل الاستفتاء وأن تجير لاستمرار الحكام وسياساتهم كما هى فضياع للحكمة وصرف لأموال طائلة لتفسير الماء بعد الجهد بالماء! وبصرف النظر عن هذه الأسباب، وما أدت إليه،من مقاطعة فإن القانون الذى ينظم هذه الانتخابات قد خرقت كثيرا من مواده، أهمها خمسة هى: خرق شروط التسجيل الملزمة: أن يكون الشخص مقيما فى الدائرة الجغرافية والسماح للقوى النظامية بالتسجيل فى مواقع عملهم.. المادة (22 2). خرق المادة (66) التى تنص على توزيع الفرص الإعلامية فى الإعلام الرسمى بالتساوى بين المتنافسين وهيمنة دعايات الحزب الحاكم عليها. خرق المادة(67 2 ج)تنص على مساهمات مالية تقدمها الحكومة للأحزاب. خرق المفوضية للمادة (67 3) التى توجب عليها وضع سقوف مالية لصرف الأحزاب والمرشحين.. وبعد أن أوشكت الفترة الانتخابية على الانتهاء أصدرت المفوضية بيانا بتلك السقوف فى31/3/2010.. وهى سقوف تجاوزها صرف مرشحى المؤتمر الوطنى بمراحل وبيانات هذا الإسراف موثقة. خرق المادة (69) التى تنص على حظر استعمال إمكانيات الدولة والموارد العامة لأغراض الحملة الانتخابية. وهنالك مواد تحظر الأساليب الفاسدة فى شراء الذمم (المادة 87) وفى منع العبارات النابية والجارحة والداعية للكراهية (المادة 65 3)، وقد حدث منها ما أزكم الأنوف. ومنذ بداية التصويت فى يوم11/4 ظهر عجز لوجستى فى إدارة الانتخابات ومخالفات أهمها: عدم توصيل أوراق الاقتراع لمواقعها فى الوقت المحدد مثلا منطقة النيل الأبيض. خلط رموز المرشحين مثلا فى مناطق تندلتى ونيالا والضعين والخرطوم. لدى انتهاء التسجيل وقفل بابه انتهى الكشف على أرقام معينة ولكن لدى بداية الاقتراع ظهرت زيادة كبير فى عدد المسجلين مثلا فى منطقة قلى. ضبط أعضاء المؤتمر الوطنى متلبسين بوضع أوراق اقتراع بصورة مخالفة لإجراءات الاقتراع مثلا فى منطقة ربك. وظهرت عيوب كثيرة فى دارفور نتيجة لاضطراب الحالة الأمنية هناك. واتضح بصورة مجربة سهولة إزالة صبغة الأصبع المتخذة لمنع تكرار التصويت. كانت إدارة الانتخابات فى الخارج أصلا معيبة لتبعيتها للسفارات لا للمفوضية.. مما سهل الأساليب الفاسدة فى كثير من السفارات مثلا فى القاهرة وفى جدة وغيرهما. نتيجة لهذه المخالفات المبطلة لنزاهة الانتخابات منذ بداية الاقتراع أعلن عدد آخر من مرشحى الرئاسة عدم نزاهتها وعدم اعترافهم بنتنائجها مثل عبدالله دينق، وحاتم السر، وكامل الطيب إدريس. وأعلن عدد من المرشحين المستقلين ذوى الأسماء المرموقة انسحابهم منها مثل عثمان ميرغنى صاحب صحيفة التيار، والهندى عز الدين رئيس تحرير صحيفة الأهرام اليوم. فى العهود الديمقراطية كانت الانتخابات فى السودان مضرب المثل فى النزاهة والانضباط. وكان متوقعا لهذه الانتخابات أن تكون نموذجا للتحول الديمقراطى، مما يشكل قدوة للمنطقة فى الاحتكام للشعب والتداول السلمى على السلطة.. ولكن هذه الانتخابات مع ما فيها من هامش للحرية تحولت فى الواقع إلى آلية للتمكين الأوتوقراطى. هذه الفرصة فاتت على البلاد ومن الخسائر التى سوف تجرها للبلاد: استقطاب جديد فى الجسم السياسى السودانى بين الذين يفرحون بنتائجها، والذين لا يعترفون بها. المناخ الاستقطابى فى الجسم السياسى السودانى سوف يخلق مناخا سيئا يجرى فيه استفتاء تقرير المصير للجنوب فى 2011، مما يجعل الوحدة طاردة ويؤدى لانفصال عدائى. أجمعت حركات دارفور المسلحة على رفض هذه الانتخابات مما يضع عائقا كبيرا أمام أى محادثات سلام مقبلة. ومهما كانت النتيجة فإن بقاء قادة المؤتمر الوطنى الذين تلاحقهم المحكمة الجنائية الدولية فى السلطة سوف يجعل ملاحقتهم مستمرة لا يحول دونها تقادم ولا حصانة. هذه الملاحقة سوف تشل حركتهم الدولية فى وقت يحتاج فيه السودان لتحركات دولية نشطة فى أكثر من مجال: تحرك لإعفاء الدين الخارجى البالغ 34 مليار دولار لاستحقاق السودان ضمن الدول الفقيرة المثقلة بالمديونية. تحرك فى إطار الشراكة التنموية العالمية التى حددتها أهداف الألفية الثمانية. استفادة السودان من دعم الاتحاد الأوروبى التنموى بموجب اتفاق كوتنو، والذى يوجب الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية. تحرك للاستفادة من العدالة البيئية التى قررها مؤتمر كوبنهاجن الأخير، الذى أوجب على الدول الغنية الملوثة للبيئة والاحتباس الحرارى تعويض الدول الفقيرة ضحايا هذا الاحتباس. واجب السودان باعتباره الدولة الجارة لجميع دول حوض النيل التحرك للحيلولة دون نذر المواجهات بين دول الحوض.. تحرك يحول دونه ملاحقة المسئولين السودانيين جنائيا. هكذا تتراكم على السودان أضرار كثيرة تزيدها الانتخابات الأخيرة حدة.. فما العمل؟ هنالك احتمالان الأول: أن يعتبر الفائزون بالانتخابات أنهم حصلوا على تأييد شعبى لسياساتهم، فيستمرون فيها بشراسة ويواجهون القوى السياسية المعتبرة التى لا تعترف بنتائج تلك الانتخابات، وتقع البلاد ضحية لاستقطاب حاد، مع وجود التحديات المذكورة يسرع بتدمير البلاد. الثانى: أن يدرك الحكام أن للقوى المعارضة وزنا كبيرا لا يمكن تجاهله ويسعون لوفاق وطنى يتصدى لتحسين فرص الوحدة فى استفتاء تقرير المصير، أو إبرام بروتوكول علاقة خاصة بين دولتى السودان فى حالة الانفصال.. وفاق يركز على إبرام سلام عادل فى دارفور ويضع أساسا لتعامل واقعى مع المجتمع الدولى.. وبعد تقرير المصير للجنوب وإبرام اتفاق سلام دارفور تجرى انتخابات عامة جديدة مبرأة من الأخطاء الحالية حرة ونزيهة. تجنب السيناريو الأول وإنجاح الثانى هو التحدى الذى يواجه الحركة السياسية السودانية. ولعبت الولاياتالمتحدة دورا كبيرا فى إبرام سلام نيفاشا يناير 2005، وأبوجا مايو 2006، ولكن الاتفاقيتين لم تحققا مقاصدهما. الموقف الأمريكى الحالى من انتخابات السودان منقسم بين رؤية سطحية غير معنية بجودة الانتخابات بل مجرد إجرائها لإفساح الطريق لاستفتاء تقرير المصير للجنوب العام المقبل.. أقول سطحية لأن الانتخابات المعيبة سوف تؤثر سلبا على مناخ نتائج الاستفتاء؛ ورؤية خبيثة يراها اليمين الأمريكى المطابق للرؤية الإسرائيلية.. هؤلاء يريدون استمرار سياسيات النظام السودانى بعد الانتخابات، لأنهم يرونها الطريق لانفصال عدائى فى الجنوب، ولاستمرار وزيادة حدة الانقسام فى الجسم السياسى فى شمال السودان، ولاستمرار أزمة دارفور، أى تفكيك البلاد. إن لأصدقاء وأشقاء السودان دورا فى مساعدة أهله بالنصح الأخوى الموضوعى لمواجهة التحديات المحدقة بالبلاد. نصح يقوم على تشخيص صحيح للحالة السودانية وفهم صحيح لروشتة الدواء مبرأ من العواطف والمجاملات المعتادة بين الدول العربية. النصح الموضوعى لا الانحياز العاطفى هو نداء أهل السودان لأشقائه كافة، ولجيرانه خاصة.. لاسيما مصر.