يبدو أن مصير أتيليه القاهرة لا يتغير باختلاف إدارته، فحركة الانقلاب التى قادها أعضاء الجمعية لإنقاذ المكان من إدارته السابقة بعد اكتشاف تورطها فى مؤامرة لتسليم المكان لملاكه اليهود وطرد الأعضاء منه، لم تضع حدا للصراعات المستمرة داخله، وها هو مجلس الإدارة المنتخب برئاسة الفنان صلاح عنانى ينقلب على نفسه، ويتراشق أعضاؤه الاتهامات نفسها التى أكالوها للمجلس القديم، من فساد الذمة، والبلطجة، والتسلط والانفراد بالقرار، ما جعل صراع الجماعة الجديدة يسفر حتى الآن عن عزلين واستقالتين، ودعوة لسحب الثقة من مجلس الإدارة الحالى، وإعادة انتخاب مجلس جديد، مع سعى كل فريق لتأمين نفسه حتى بال«بودى جارد» وتغيير مفاتيح الغرف والقاعات على طريقة صراعات المطلقين. فبعد جملة مما وصفه أعضاء مجلس إدارة الاتيليه بالمخالفات المالية والإدارية الجسيمة، قام المجلس الذى اجتمع بتاريخ 8/3/ 2010، بعزل د. صلاح عنانى رئيس المجلس، ود. محمد حسين الصبان أمين الصندوق من منصبيهما، وانتخاب كل من الفنانين د. سيد القماش، ومحمد الجبيلى بدلا منهما، وهو القرار الذى أيدته إدارة غرب القاهرة للتضامن الاجتماعى، التى يتبعها أتيليه القاهرة بحسب قانون الجمعيات الأهلية، وبناء على ذلك تم استبعاد العضوين المعزولين من التصديق البنكى الذى كان يسمح لهما بالتصرف القانونى فى الموارد المالية للجمعية، واستبدالهما بالعضوين الجديدين، لكن الصراع لم ينته، والاتهامات لم تتوقف. وطبقا لتصريحات الناقد د. صلاح الراوى عضو مجلس الإدارة وأمين عام الأتيليه، ل«الشروق»، فإن المجلس يعتزم مقاضاة صلاح عنانى جنائيا ومدنيا لانفراده بالتصرف فى أموال الجمعية دون الرجوع لأى من أعضاء مجلس الإدارة وفى أنشطة غير متفق عليها، فضلا عن قيامه بأعمال من شأنها إهدار المال العام للجمعية. إهدار المال العام فقد اتهم الراوى رئيس مجلس الإدارة السابق بسحب مبلغ 31 ألف جنيه ربع مدخرات الأتيليه من حساب الجمعية «من وراء ظهر أعضاء المجلس»، والتصرف فيه دون ضوابط، وفى أنشطة ضد إرادة مجلس الإدارة. وأضاف أن عنانى قام بدون وجه حق بصرف مبلغ 10 آلاف جنيه باسم أمين الصندوق السابق محمد الصبان، وفى شكل أموال سائلة، وهو ما يجرمه قانون الذى يقتضى صرف هذه الأموال بشيكات. كما اتهم الراوى عنانى بإهدار المال العام لقيامه بتحويل غرفة مجلس الإدارة إلى قاعة عرض، بعدما قام بنزع الخشب المستخدم فى تجليد الغرفة، والذى تبلغ قيمته بحسب الراوى 10 آلاف جنيه، وإعادة طلاء الغرفة وتجهيزها بمبالغ إضافية دون مراجعة أى من أعضاء مجلس الإدارة الذى قام بانتخابه. وشدد الأمين العام على ضرورة محاسبة رئيس مجلس الإدارة جنائيا ومدنيا، مشيرا إلى أنهم فى طريقهم لتقديم بلاغ لنيابة الأموال العامة ضد ما ذكره من مخالفات، بالتزامن مع بلاغ آخر فى الشق المدنى لتعويض الجمعية عما وصفه بالخسائر التى تكبدتها الجمعية على يد رئيس مجلس الإدارة السابق. الاتهامات نفسها أكدها د. مدحت طه نائب رئيس الجمعية الذى قال إن عنانى كان منفردا طوال الوقت بكل القرارات التى تخص الجمعية، مع إصرار غير المبرر على عدم عقد اجتماعات لمجلس الإدارة أو مشاورته، خصوصا فيما يتعلق بأوجه الإنفاق على أنشطة الجمعية. مفاتيح جديدة وبودى جارد وأدان طه استيلاء عنانى على الغرفة المخصصة لمجلس الإدارة، ومنع أعضاء المجلس من الاقتراب منها، بعدما قام بتغيير المفاتيح الخاصة بكل غرف وقاعات الجمعية واستدعاء اثنين من ال«البودى جارد» لتمكينه من ذلك. كما انتقد طه المسئول عن النشاط الثقافى بالجمعية انحياز رئيس مجلس الإدارة السابق للفنانين التشكيليين على حساب الأدباء من أعضاء الجمعية، موضحا أنه لا يرى مطالب للأدباء سوى «الكراسة والقلم»، على حد تعبير نسبه إلى عنانى. من جهته نفى صلاح عنانى مجمل الاتهامات السابقة، واصفا المجلس القديم بأنه لا يقل خطورة وضررا عن المجلس المعزول بسبب تواطئه مع ملاك العقار اليهود. وقال عنانى إن سر الهجوم عليه من قبل أعضاء مجلس الحالى هو قيامه بتجديدات شملت 4 قاعات تشكيلية وصالة تصلح للعرض السينمائى، تدر للأتيليه دخلا بنحو 4 آلاف جنيه ونصف شهريا، وهو ما يحول دون تلقيهم لمنح أجنبية، وصفها عنانى أنها خطر على الأمن القومى. سبوبة المعونات وربط عنانى بين اتهاماته تلك وما وصفه بالهجوم على عقارات وسط البلد لبيعها للأجانب، مشبها ذلك بنشاط الوكالة اليهودية فى فلسطين فيما مضى. وأضاف قائلا: «معنديش ما يثبت تورطهم فى ذلك سوى المماطلة، لكن ما معنى اتهاماتهم المضحكة لى بعمل تجديدات؟!، أعتقد أنهم كانوا نازلين يعملوا سبوبة ويجمعوا تبرعات ومعونات مشبوهة». وتابع أن قرارات التجديد وعمل الورش الفنية، قد نوقشت فى أول اجتماعات المجلس الجديد، وتمت الموافقة عليها بالإجماع بقرار رقم 252، أما الجلاد الخشبى الذى تضرر المجلس من نزعه فقال عنانى إنه ينوى الاستفادة منه فى مكان آخر، وأنه لم ير جدوى لاجتماعات مجلس الإدارة فى غرفة خاصة، فحولها إلى قاعة عرض لتدر دخلا، لكنهم قاموا بطرد الفنانين، وإخراج لوحاتهم من القاعة. وردا على اتهامه بالتصرف فى مبلغ 31 ألف جنيه، قال عنانى إن المبلغ الذى أنفقه لم يتجاوز ال20 ألف جنيه من بينها 10 آلاف جنيه، تبرع بها صديقه رجل الأعمال «هانى عنان»، وأنها استخدمت فى التجديدات المذكورة، والإنفاق على الأتيليه، خلال الفترة السابقة لحصوله على التصديق البنكى بصحة التوقيعات، موضحا أن د. محمد الصبان قد صرف المبالغ المذكورة بصفته أمينا للصندوق. تشكيكات عنانى شملت أيضا إدارة التضامن الاجتماعى، التى وصفها بعدم النزاهة وأنها «مكان مشبوه يقول أى كلام، وأى حد ماشى يديلو ورقة»، مشيرا فى هذا السياق إلى تضارب قرارات الإدارة بشأن مجلس الإدارة الحالى، حيث لم تعترف به عند انتخابه، ثم عادت وصدقت على قراراته. سحب الثقة من ناحية أخرى، يجرى الآن بالأتيليه جمع توقيعات لسحب الثقة من مجلس الإدارة الحالى، وإعادة انعقاد الجمعية العمومية لاختيار مجلس جديد. وكانت الفترة الماضية قد شهدت استقالة عضوين من مجلس الإدارة الحالى هما د. صلاح الراوى، والشاعر إبراهيم عبدالفتاح، لكنهما ما لبثا أن تنازلا عن استقالتيهما. يذكر أن العام الماضى قد شهد جدلا واسعا حول جمعية أتيليه القاهرة، أسفر عن عزل مجلس الإدارة السابق برئاسة الفنان وجيه وهبة، على إثر اتهامات بفساد الذمة المالية، وتلقى تبرعات من جهات أجنبية بصورة غير قانونية، والتواطؤ لتسليم العقار لملاكه من اليهود مقابل رشاوى مادية، ما أدى لعزله، وتعيين الكاتبة سلوى بكر كمفوض عام وتكليفها بعقد جمعية عمومية وإجراء الانتخابات التى أسفرت عن مجلس الإدارة الحالى برئاسة الفنان صلاح عنانى، قبل أن يتم عزله وانتخاب الفنان التشكيلى سيد القماش.