تفاصيل زيارة النائب البابوي لقبرص للسفارة المصرية في نيقوسيا |صور    ختام فعاليات مهرجان اللياقة البدنية للجامعات المصرية بملاعب تربية رياضية الزقازيق    البورصات الأوروبية تغلق منخفضة مع ترقب تحركات الفائدة    حملات ميدانية على محطات الوقود والمواقف ومستودعات الغاز والمخابز بدمياط    الشعب الجمهوري يكشف مكاسب مشاركة الرئيس السيسي في قمة بريكس ال 16    حابس الشروف: مقتل قائد اللواء 401 أثر في نفسية جنود الاحتلال الإسرائيلي    من يدير المعارك في غزة بعد استشهاد يحيى السنوار؟ قيادي بحركة حماس يكشف    ماسك يقدم مليون دولار لدعم حرية التعبير وحمل السلاح خلال لقاءات مع المحافظين    أهلي 2009 يخسر أمام زد في بطولة الجمهورية    تحديد جلسة استئناف المتهمين على حكم حبسهم بفبركة سحر مؤمن زكريا    لياو يقود تشكيل ميلان ضد كلوب بروج في دوري أبطال أوروبا    عقوبة قاسية على حارس الأهلي السابق لهذا السبب    الموقف القانوني للاعب الزمالك أحمد فتوح.. ينتظره حبس 3 سنين    فيلم "المستريحة" ينهي 90% من مشاهد التصوير    نتنياهو: بحثت مع بلينكن ضرورة وحدة الصف فى مواجهة التهديد الإيرانى    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الصبر أهم مفاتيح تربية الأبناء والتخلص من القلق    بلاغ للنائب العام.. أول رد من الصحة على مروجي فيديو فساد التطعيمات    قطار صحافة الدقهلية وصل إدارة الجمالية التعليمية لتقييم مسابقتى البرنامج والحديث الإذاعى    زينة تحتفل بعيد ميلاد شقيقتها ياسمين وتعلق: «بنتي الأولى» (فيديو)    إعادة تنظيم ضوابط توريق الحقوق المالية الناشئة عن مزاولة التمويل غير المصرفي    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة في الأبناء    مراسلة القاهرة الإخبارية: اعتداءات بالجملة على المزارعين الفلسطينيين    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    صفة ملابس الإحرام للرجل والمرأة.. تعرف عليها    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    هبة عوف: خراب بيوت كثيرة بسبب فهم خاطئ لأحكام الشرع    صور من كواليس مسلسل "وتر حساس" قبل عرضه على شاشة "ON"    مساعد وزير الصحة: تنفيذ شراكات ناجحة مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المحافظات    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    ظل كلوب يخيم على مواجهة ليفربول ولايبزيج    بعد تصريحات السيسي.. الحكومة تطلب من "صندوق النقد" مد أجل تنفيذ إصلاحات البرنامج الاقتصادي    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    «القومي للطفولة والأمومة»: السجن 10 سنوات عقوبة المشاركة في جريمة ختان الإناث    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    الدوري السعودي يُغري روديجر مدافع ريال مدريد    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    كوريا الشمالية تنفي إرسال قوات لروسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    إصابة 3 أشخاص بحادث انقلاب سيارة طريق بنى سويف الفيوم    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإضراب القادم .. يوم 6 أبريل
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 03 - 2009

فى الصيف الماضى كنت أزور السويد ودعيت إلى العشاء مع بعض المثقفين والكتاب، وجلست بجوارى على المائدة كاتبة سويدية تتحدث العربية بطلاقة، وسألتنى عن أخبار مصر ثم فوجئت بها تسألنى:
ما أخبار حركة 6 أبريل..؟
وكان طبيعيا أن أسألها: ماذا تعرف عن الحركة؟ فحكت لى القصة الآتية:
بعد إضراب 6 أبريل الذى نجح فى مصر كلها عام 2008. كلفتنى جريدة سويدية أن أجرى مقابلة مطولة مع واحد من قادة العمال الذين اشتركوا فى الإضراب، وذهبت إلى أحد المصانع وتعرفت إلى عامل قيادى فى الإضراب وطلبت منه أن أقضى فى بيته يوما كاملا أتعرف فيه على حياته اليومية مع أسرته، وقد وافق فورا واصطحبنى إلى بيته.
وماذا وجدت هناك..؟
لم أكن أتخيل وجود ناس فقراء إلى هذا الحد.. هذا العامل يعيش مع زوجته وأمه وأولاده الأربعة فى شقة ضيقة جدا، والمرتب الذى يتقاضاه شهريا لا يمكن أن يكفى شخصا واحدا ليعيش حياة كريمة.
هذه حالة ملايين المصريين.. للأسف..
المدهش أن هذا العامل الفقير وأسرته، بالرغم من ظروفهم الصعبة، استقبلونى بحفاوة وكرم بالغ ودعونى إلى الغداء معهم، وأحسست أنهم كانوا فعلا فرحين بوجودى معهم.. وفى النهاية حدثت واقعة غريبة.
ماذا حدث..؟
فى نهاية اليوم ودعت العامل وأسرته وكنت متأثرة من فقرهم، وفكرت أيضا أننى استعملت وقتهم بدون مقابل بينما سوف أتقاضى أجرا كبيرا عن المقال الذى سأكتبه عنهم.. فأخرجت من محفظتى ورقة بمائة يورو ووضعتها خلسة تحت طفاية السجائر.. ثم ودعتهم وانصرفت.. هل تعلم ماذا حدث بعد ذلك..؟
ماذا حدث..؟
مشيت فى الشارع وبعد دقائق، قبل أن أصل إلى الميدان لأبحث عن تاكسى.. وجدت ابنة العامل الصغيرة (اسمها مروة وعمرها عشر سنوات) تركض خلفى حتى أدركتنى ثم مدت يدها بالمائة يورو وقالت وهى تلهث:
أبويا بيشكرك وبيقولك هو مش محتاج الفلوس دى.. لأنه عامل مش شحات..
ساد الصمت بيننا ثم قالت وعيناها تلمعان بانفعال:
لقد علمنى هذا العامل المصرى درسا لن أنساه.. لقد فكرت طويلا فيما فعله ووصلت إلى قناعة.. «عندما يعانى الإنسان من كل هذا الفقر والقمع والظلم.. ويظل قادرا على الاحتفاظ بشجاعته وكرامته.. فإنه، حتما، سوف ينتصر..»
تذكرت هذا الحوار وأنا أتابع الاستجابة الواسعة لدعوة الإضراب العام يوم 6 أبريل المقبل.. فالنقابات والمهنيون والطلبة وأساتذة الجامعة وكثير من الحركات السياسية أعلنوا بوضوح انضمامهم للإضراب، بل إن المصريين فى الخارج أعلنوا تضامنهم مع الإضراب وسوف ينظمون مظاهرات أمام السفارات المصرية فى واشنطن ولندن وباريس وعواصم أخرى عديدة. وقد استفادت حركة 6 أبريل من نجاح الإضراب فى العام الماضى فأعلنوا أن الإضراب هذا العام يحمل مطالب أربعة:
أولا: رفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ 1200جنيه بما يضمن أن يحيا المواطن بكرامة ويشعر بالأمان على مستقبله ومستقبل أبنائه.
ثانيا: ربط الأجور بالأسعار.
ثالثا: انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يضمن الحريات السياسية والنقابية ويحدد فترة الرئاسة بمدتين على الأكثر.
رابعا: وقف تصدير الغاز «لإسرائيل».
وهذه المطالب الوطنية كفيلة لو تحققت بإنهاء معاناة المصريين جميعا. والحق أن نجاح الإضراب فى العام الماضى وظهور حركة 6 أبريل كقوة وطنية مؤثرة وهذه الاستجابة الواسعة للإضراب يوم 6 أبريل القادم بل وعشرات الاعتصامات والاحتجاجات التى تحدث يوميا فى مصر.. كل هذا يحمل دلالتين فى غاية الأهمية:
الأولى أن تدهور أحوال المعيشة فى مصر يشكل حالة غير مسبوقة حتى أصبحت الحياة مستحيلة بمعنى الكلمة على ملايين المصريين.. لقد أصبح فشل النظام واضحا وعجزه كاملا عن إدارة البلاد بطريقة صحيحة.. والمؤسف أن التذمر الاجتماعى الذى تبدو مظاهره كل يوم فى الشارع المصرى لا يستوقف انتباه النظام ولا يدفعه إلى مجرد التفكير فى تغيير سياساته.. النظام ببساطة لم يعد يعبأ باحتجاج المصريين لأنه مطمئن إلى قدرته على قمعهم والتنكيل بهم فى أى لحظة..
والنظام بأكمله مشغول الآن بدفع الأخ جمال مبارك لكى يرث مصر عن أبيه (وكأنها مزرعة دواجن) والصحف الحكومية جميعا مشغولة بتغطية زيارات جمال مبارك المسرحية إلى بعض القرى التى يتم إخلاؤها من سكانها واختيار بعض الفلاحين ليقوموا بأدوارهم المعدة سلفا أمام جمال مبارك..
فنقرأ كلاما غريبا عن فلاحة طلبت جاموسة من جمال مبارك وكيف أنه شرح لبعض الطلاب أهمية الكمبيوتر فى حياتهم ( هل يحتاج هذا الأمر إلى شرح..؟). على أن الطريف أن كتبة الحكومة المنافقين يتفننون فى إبراز كيف تأثرت مشاعر السيد جمال مبارك للغاية عندما رأى معاناة الفلاحين الفقراء..
ولا أحد يسأل هنا: ما الذى أوصل هؤلاء الفلاحين إلى هذا الوضع المزرى؟.. أليست هى سياسات الرئيس مبارك الذى حكم مصر منفردا لمدة ربع قرن..؟ أنا أقترح على الأخ جمال مبارك أن يحاول إقناع والده بتطبيق إصلاح ديمقراطى حقيقى ليرفع البؤس عن ملايين المصريين.. وسوف يكون هذا أجدى بكثير من إهداء الفلاحين جاموسة أو قطعة قماش أمام الكاميرات..
الدلالة الثانية أن مصر تغيرت فعلا.. فمن كان يصدق أن شبابا فى العشرينيات من أعمارهم يدعون للإضراب على الفيس بوك فتستجيب لهم مصر من أقصاها إلى أقصاها؟.. لقد التقيت ببعض هؤلاء الشبان فأعجبت بهم حقا ورأيت فيهم مصر العظيمة ووجدتنى أتساءل من أين يستمد هؤلاء الأولاد والبنات شجاعتهم الأسطورية؟!.. انهم ينزلون إلى الشوارع ليواجهوا الأمن المركزى (جيش الاحتلال المصرى) فيضربون بقسوة ويسحلون على الأرض ويعتقلون ويعذبون فى أمن الدولة ثم يخرجون من كل ذلك أكثر إصرارا على تغيير بلادهم؟.. كيف ومتى تعلم هؤلاء الأبناء حب مصر؟.. لقد ولدوا فى عصر كامب دافيد والفساد الشامل والتعليم الفاسد والإعلام التافه، عصر احتقار القضايا الوطنية والسخرية من فكرة الكرامة، لكنهم بالرغم من كل ذلك استطاعوا أن يحتفظوا بوعيهم الوطنى وصلابة أخلاقية تفوق أعمارهم بكثير.. إن شباب 6 أبريل أصبحوا الآن يشكلون رمزا لإرادة المصريين جميعا فى العدل والحرية.
إن الإضراب العام الذى سيشترك فيه المصريون يوم 6 أبريل المقبل، قد نجح قبل أن يبدأ.. فيكفى أن تجتمع إرادة المصريين جميعا على رفض الظلم والمطالبة بحقوقهم المشروعة..
رسالة المصريين صارت واضحة :.. لايمكن أن تستمر بلادنا على هذه الحال.. إن النظام السياسى المسئول عن محنة مصر والمصريين آن له أن يتغير..آن له أن يفتح الباب لإصلاح ديمقراطى حقيقى يعطى الفرصة للكفاءات الحقيقية لكى تتولى المسئولية فتصلح ما أفسده الفاشلون والفاسدون..
إن مطالب حركة 6 أبريل الأربعة تشكل المطالب الوطنية للمصريين جميعا.. ومهما استعمل النظام القمع ضد المشاركين فى الإضراب.. مهما دفع بعشرات الألوف من جنود الأمن المركزى ليضربوا الناس ويسحلوهم.. مهما قبض على الوطنيين ولفق لهم القضايا.. مهما فعل النظام فإن قدرته على القمع ستخذله فى يوم قريب.. لأن مباحث أمن الدولة مهما توحشت لا يمكن أن تعذب المصريين جميعا، والمعتقلات مهما كثر عددها واتسعت لا يمكن أن تسع المصريين جميعا..
الإضراب العام يوم 6 أبريل القادم.. يجعلنى متفائلا بمستقبل مصر وكما قالت الكاتبة السويدية:
«عندما يعانى الإنسان من كل هذا الفقر والقمع والظلم.. ويظل قادرا على الاحتفاظ بشجاعته وكرامته.. فإنه، حتما، سوف ينتصر..».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.