مئات من الأسر يعيشون فى قرية «أبو سنة» التابعة لمحافظة القليوبية محاصرىن بمياه الصرف الصحى، التى أغرقت منازلهم وأصبحت عملية الخروج والدخول إلى القرية أشبه بألعاب «الأكروبات». وفى غياب كامل من سيارات النظافة يعيش الأهالى وسط أكوام القمامة المنتشرة فى أنحاء القرية، حتى يخيل لكل عابر أنها مستنقع تعيش عليه أسراب الناموس والبعوض والفئران والثعابين التى تتخذ منه مأوى.. «الشروق» استمعت لنداءات الأهالى بالنظر لهم باعتبارهم بشرا يستحقون حياة كريمة، ومطالبهم بتغيير مسار الصرف من الأراضى الزراعية إلى شبكة صرف صحى تنشئها الحكومة. بداية الدخول إلى القرية كانت بزغرودة مدوية أطلقتها سيدة مسنة، فتجمع الناس حولنا بعدما شاهدوا «فلاشات» الكاميرا وعرفوا أننا «بتوع الصحافة». أطلقتها السيدة مديحة إسماعيل قائلة: «يا بيه دى حلاوة ما حد جيه يسأل فينا ويشوف إحنا عايشين من شهور إزاى». تحدثت عن غرق القرية كلها فى مستنقع من المجارى «الطافحة»، ما يضطرهم لجمع الأموال من أجل جلب سيارات الكسح على نفقتهم، على أمل أن تحدث كارثة إنسانية كتهدم أحد المنازل بسبب غرقه بالمجارى أو وفاة طفل على يد لدغة ثعبان حتى يتحرك المسئولون كالعادة، لكن هذه الأشياء جميعها حدثت ولم يتحرك أحد على حد قولها. وتابع جلال عثمان: بعد أن ملأت مياه الصرف القرية، أصبح الأهالى يحولون مسارها إلى الترعة يوميا، والتى تروى مئات الأفدنة، مما يتسبب فى كارثة، لتصبح المحاصيل الزراعية مليئة بالأمراض نتيجة ريها بالصرف، خصوصا أن مساحة الأراضى الزراعية بالقرية كبيرة، وتعتبر من أكبر المساحات الزراعية بين قرى القليوبية، ويبيع الأهالى تلك المحاصيل فى الأسواق المختلفة بالعديد من المحافظات الأخرى. وتدخل إبراهيم إمام: منذ سنوات ونحن نطالب أعضاء مجلسى الشعب والشورى عن دائرتنا بتوصيل الصرف الصحى للقرية، ووعدونا كثيرا بذلك ولكنها كانت وعودا زائفة، وتوجهنا كثيرا إلى مسئولى المجلس المحلى لمدينة قليوب وللمحافظة التى أكد مسئولوها عدم وجود ميزانية لتوصيل الصرف الصحى، فقمنا بتوصيل شبكة الصرف على نفقة الأهالى بعد أن جمعنا من كل منزل مبلغا، وبعد الانتهاء من توصيل الشبكة طالبنا بندب لجنة من مجلس المدينة أو المحافظة لمعاينة الشبكة التى طالبونا بإنشائها على نفقتنا وتسلمها من المقاول، حيث إننا لا نعرف الشروط القياسية للشبكة، لكنه لم يتحرك، فقمنا بتشغيل الشبكة على أحد المصارف الواقعة على أطراف القرية لعدم قدرتنا على إنشاء محطة للصرف، وكانت الشبكة دائمة الانفجار بشكل مستمر، إلا أنها كانت أعطالا بسيطة يتم إزالتها بجرارات الكسح على نفقتنا طبعا، إلى أن انفجرت الشبكة بالكامل فى جميع شوارع القرية، فأغرقت مياه مخلفاتنا جميع البيوت، وفشلت محاولاتنا فى كسحها، بعد أن استغل عمال الكسح الفرصة ورفعوا أسعار النقل، ولجأنا إلى الوحدة المحلية ومجلس المدينة لإنقاذنا، ولكن كالعادة لم يتحرك أحد. وقالت نجاه جودة: بعد أن تراكمت المياه لوقت طويل، تجمعت عليها أسراب البعوض والناموس التى هاجمتنا وامتلأت المنازل بها، مما دفع الأهالى لشراء مبيدات حشرية واستئجار أحد مواتير رش الأراضى الزراعية، لرش الشوارع دون نتيجة، وهذا ما يعرضنا نحن وأطفالنا للأمراض والأوبئة التى تحملها الحشرات من مياه الصرف وأكوام القمامة. وتابع أحمد عابدين: كنت أسكن فى منزل قديم بالطوب الأخضر، وبعت قطعة أرض كنت أملكها وأقمت منزلا حديثا لأسكن فيه مع أسرتى، وقبل الانتهاء من البناء أغرقت مياه الصرف المنزل وتوقفت أعمال البناء فيه. وأصبح معرضا للسقوط بعد أن امتلأت الأساسات بالمياه.. والآن صرنا نعيش عند أخى بلا منزل ولا أرض. وقال نعمان جعفر: يوميا يسقط الأطفال أثناء ذهابهم أو عودتهم من المدارس فى مياه الصرف، ومنذ أيام سقط طفل عمرة 4 أعوام فى حفرة مليئة بمياه الصرف وكاد يموت غرقا، لولا أن أنقذه أحد الجيران. وقال عبدالعزيز هاشم: بعد انفجار شبكة الصرف، اختلطت مياهها بمياه الطلمبات الحبشية المنتشرة فى القرية، والتى نشرب منها بعد تسربها إليها، وأصبحت مياه الطلمبات لها مذاق ورائحة كريهتان، ومع ذلك يستخدمها الكثيرون فى الشرب. هذه هى حالة آلاف من أبناء القليوبية، الذين يسكنون قرية «أبو سنة» التعيسة، والذين لا يزالون يكتبون الشكاوى ويذهبون يوميا للمحافظة ومجلس المدينة لعل أحدا يسمعهم قبل أن تتآكل أساسات المنازل وتنهار فوق رءوسهم.