نشر مركز The International Crisis Group تقريرا وهو جزء من مبادرة مشتركة بين المركز ومشروع الولاياتالمتحدة / الشرق الأوسط (USMEP) للمساعدة فى حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، نص التقرير على ثلاث ركائز يمكن لإدارة بايدن انتهاجها كنقطة انطلاق لتسوية الصراع... نعرض منه ما يلى. من غير المرجح أن يكون الصراع الفلسطينى الإسرائيلى أولوية للإدارة الأمريكية الجديدة، لكن مسار الصراع وتداعياته على المصالح الأمريكية يجب أن يثير قلق صانعى السياسة الأمريكيين. لذلك، يجب أن تتعلم الإدارة الجديدة دروس الماضى: يجب أن تكون طموحة بشأن السعى لتغيير شروط التفاوض ومتواضعة فيما يتعلق بإمكانية إنهاء الصراع. على مر السنين، كان لسياسات الولاياتالمتحدة تأثير مؤسف غير مقصود فى بعض الأحيان لتسهيل ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين خاصة فى ظل إدارة ترامب، التى شجعت بناء المستوطنات وأصدرت «خطة السلام من أجل الازدهار» التى مالت بشكل حاسم لصالح استمرار الاحتلال الإسرائيلى. لذلك لابد أن تهدف المشاركة الأمريكية على الأقل إلى تخفيف عدم التكافؤ فى القوة بين إسرائيل والفلسطينيين. ما نحتاجه اليوم ليس التوصل إلى اتفاق سلام نهائى، بل بالأحرى وضع لبنات البناء المطلوبة لتوجيه الأجيال القادمة من الإسرائيليين والفلسطينيين نحو مستقبل أكثر سلاما وعدلا. وتشمل لبنات البناء هذه: أولا الجمهور الإسرائيلى الذى يتفهم عواقب الاحتلال الدائم وأن الطريقة الوحيدة لتجنب تلك العواقب هى إشراك الفلسطينيين كأفراد على قدم المساواة وكجماعة لديها تطلعات لتقرير المصير الوطنى؛ ثانيا نظام حكم فلسطينى متماسك مع قيادة يمكنها رسم طريق فعال للأمام وتحدى الوضع الراهن بوسائل غير عنيفة وبطرق تتفق مع القانون الدولى؛ وأخيرا انعكاس الاتجاهات القانونية والسياسية على الأرض لضمان حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين. يكاد يكون من المؤكد أن الإدارة القادمة ستوضح أن حل الدولتين هو إطارها السياسى المفضل، على غرار الإجماع الدولى الذى انعكس فى خطاب وزير الخارجية جون كيرى فى 28 ديسمبر 2016. فى هذا السياق، يجب على الولاياتالمتحدة أيضا أن توضح أنه فى حالة استمرار إسرائيل فى عرقلة إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة وصالحة للحياة، فإن أى بديل يجب أن يحترم الحق فى المساواة الكاملة وضمان حرية التصويت لجميع أولئك الموجودين فى أى مكان تسيطر عليه إسرائيل. *** إن نقطة الانطلاق لسياسة فلسطينية إسرائيلية جديدة يجب أن تستند على الركائز الثلاث التالية: أولا التخفيف من الأضرار التى أحدثها ترامب واستبدال التركيز على إدامة عملية السلام بأخرى تتمحور حول حماية حقوق الفلسطينيين على الأرض. فقرارات إدارة ترامب بما فى ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، إغلاق القنصلية الأمريكية فى القدس وبعثة منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن؛ والتأييد الفعلى لشرعية النشاط الاستيطانى الإسرائيلى أضر بشكل خطير بآفاق حل عادل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى واستنزف مصداقية الولاياتالمتحدة. لذلك، يجب أن يكون التراجع عن سياسات ترامب أولوية، لكن لا يشترط أن يكون بمثابة العودة إلى الوضع السابق. كما يجب على الولاياتالمتحدة إعطاء الأولوية لوقف الضم الزاحف وحماية الفلسطينيين فى الضفة الغربية، بما فى ذلك القدسالشرقية، وغزة، حيث تسبب الحصار فى حدوث حالة طوارئ إنسانية ويهدد بالتصعيد فى أى لحظة. بعبارة أخرى، يجب على الإدارة الجديدة: 1 التنصل بشكل لا لبس فيه من خطة ترامب فى يناير 2020، وإصدار بيان واضح بأن الخطة لا تمثل سياسة الولاياتالمتحدة. 2 التركيز على السياسات الهادفة إلى حماية حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين. فتاريخيا، سعت الولاياتالمتحدة إلى حماية حقوق الإسرائيليين فى العيش بأمان، بينما كانت أقل اهتماما بحقوق الفلسطينيين (حمايتهم من العنف والقيود المفروضة على حرية التنقل وهدم المنازل والاعتقال الإدارى ونزع الملكية). 3 إعادة التأكيد على أن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وأن الولاياتالمتحدة لن تعترف بضم إسرائيل لأى جزء من الأراضى المحتلة، بما فى ذلك القدسالشرقية. 4 إعادة تأكيد الفرق بين إسرائيل والأراضى المحتلة فى جميع التعاملات الأمريكية، بما فى ذلك إعادة فرض الفصل الجغرافى على مؤسسة البحث والتطوير الصناعى، ومؤسسة العلوم الثنائية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، والصندوق الأمريكي الإسرائيلى للبحوث الزراعية والتنمية، وبالتالى لا تمنح الولاياتالمتحدة التمويل لمشاريع البحث والتطوير الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة. 5 توضيح أنه فى معارضة حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تجاه إسرائيل، فإن الولاياتالمتحدة لا تعتبر المقاطعة، للوهلة الأولى، معاداة للسامية وأنها ستضمن حقوق حرية التعبير. 6 إعادة التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية بإعادة فتح مكتبها فى واشنطن. 7 إنشاء قنصلية أمريكية فى القدسالشرقية بشكل منفصل عن سفارة الولاياتالمتحدة فى إسرائيل، ودعم إعادة فتح المؤسسات الفلسطينية فى القدسالشرقية، والتأكيد على نية الولاياتالمتحدة فتح سفارة فى فلسطين فى القدسالشرقية. 8 تركيز الجهود على إنهاء الحصار المفروض على غزة وتحقيق الأمن لأولئك الذين يعيشون فى جنوب إسرائيل وغزة من خلال تعزيز ترتيبات وقف إطلاق النار الدائم بين الفصائل المسلحة من جانب والحكومة الإسرائيلية من جانب آخر. 9 الضغط على إسرائيل لعدم تهديد المجتمعات الفلسطينية فى المنطقة (ج) بمزيد من التهجير ومصادرة الأراضى والقيود على الحركة وتطوير البنية التحتية والبناء. 10 العمل على إزالة العوائق الإسرائيلية أمام تنمية القطاع الخاص الفلسطينى. وإعادة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهى التى تعتنى باللاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم الوفاء بحقوقهم. *** ثانيا، التخلى عن الإجراءات التى تعزز السياسات الإسرائيلية والتى تسعى بدورها إلى منع أى اتفاق سلام أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بما فى ذلك الامتناع عن تشجيع الفاعلين السياسيين الذين يتطلعون إلى وجود دولة يهودية واحدة بين الأردن والبحر الأبيض المتوسط. يجب كذلك أن تعمل الولاياتالمتحدة على تشجيع ظروف تغيير السياسة الإسرائيلية نحو السعى لتحقيق سلام قابل للتطبيق ومنهى للاحتلال. بهذه الروح، يجب على الإدارة الجديدة: 1 الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأن ذلك سيقوض القانون الدولى. 2 العمل مع الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فيه والأطراف الأخرى، بما فى ذلك المنتديات الدولية، لتحقيق جميع الأهداف المذكورة أعلاه. يجب أيضا أن تتوقف الولاياتالمتحدة عن عرقلة الجهود التى تبذلها الهيئات المتعددة الأطراف لتأكيد الفرق بين إسرائيل والأراضى المحتلة. 3 تجنب الدخول فى مفاوضات مع إسرائيل حول ما يسمى بالتوسع الاستيطانى المقبول!!. 4 ضمان قدر أكبر من الشفافية وضمان المساءلة فيما يتعلق بالمساعدة الأمنية لإسرائيل، بحيث يمكن إخضاع إسرائيل لمعايير حقوق الإنسان والمعايير الأخرى لمتلقى المساعدات. *** ثالثا، تسهيل وتشجيع الفلسطينيين على القيام بالتجديد السياسى الخاص بهم، واعتناق سياسات ديمقراطية وخاضعة للمساءلة، ودفع المصالحة الداخلية، وإعطاء مساحة لاستراتيجيات اللاعنف لتحقيق أهدافها. فالأجهزة الأمنية تسىء معاملة شعبها، والأجهزة الوطنية ليست ممثلة أو مسئولة أمام جمهورها. وفقا لذلك، يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة: 1 العمل مع الشركاء الدوليين لتشجيع وتسهيل التجديد السياسى الفلسطينى، بما فى ذلك انتخابات المجلس التشريعى الفلسطينى والانتخابات الرئاسية وانتخاب المجلس الوطنى الفلسطينى، وإزالة العقبات الإسرائيلية أمام مشاركة الفلسطينيين المقيمين فى القدسالشرقية فى مثل هذه الانتخابات. 2 دعم وتعزيز المصالحة السياسية الفلسطينية الداخلية، واشتراط مشاركة الولاياتالمتحدة حكومة الوحدة الفلسطينية إذا تخلت عن العنف. 3 العمل مع أطراف ثالثة لدفع إصلاح الحكم الفلسطينى للأمام، وضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة فى الشؤون المالية. كما ينبغى أن يتم العمل على إصلاح المساعدة المالية التى تقدمها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية، بحيث أن يتم مراعاة مستوى ضائقتهم المالية أو مستوى عائلاتهم. *** اختتم الكاتب مقاله قائلا إن الرئيس المنتخب بايدن رحب بصفقات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية ويمكن توقع أن تواصل إدارته المزيد. لكن عند القيام بذلك، يجب أن تضمن أن مثل هذه الصفقات تساهم فى رفاهية الفلسطينيين وحل النزاع، بدلا من الانتقاص منها، وأن تعزز على نطاق أوسع وقف التصعيد الإقليمى والسلام. بالإضافة إلى ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تتبنى نهجا متعدد الأطراف لإنهاء الصراع، بالتنسيق مع أوروبا. لكن إدارة بايدن قد تميل إلى الحد من مشاركتها لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى وذلك للتخفيف من ضرر إدارة ترامب. سيكون ذلك مفهوما ولكنه غير فعال. والنتيجة المحتملة لمثل هذا النهج هى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية، وزيادة التشرذم الفلسطينى، وزيادة الإحباط واليأس. لذلك، سيكون من الأفضل لإدارة بايدن اتباع سياسة مخلصة لالتزامها المعلن بالمعايير الدولية واحترام حقوق الإنسان والتعددية والدبلوماسية. إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد النص الأصلى:من هنا