فى مقال سابق لى تحت عنوان «محاولة للخروج من المأزق الراهن» خاطبت السيد رئيس الجمهورية قائلا له « سيدى الرئيس: إن رفضنا للتوريث ليس لخصومة شخصية، ولكن لأننا نريد أن نمارس حقوقنا كشعب يحق له أن يختار قياداته بنفسه ودون وصاية من أحد ليحق له أن يحاسبها إذا قصرت، وأن يقومها إذا أعوجت، وأن يستبدلها بغيرها متى رأى أن اختياره لم يحقق آماله المرجوة، ولتتعامل قيادته معه وهى مدركة لملكيته لهذه الحقوق. وهذا الذى نريده لن يتأتى إلا من خلال عشرة مطالب: 1 تعديل المادة 76 من الدستور (بما يتيح للمجتمع حق ترشيح من يراه مناسبا دون قيود إلا ضمانات الجدية)، والمادة 77 (ليكون الحد الأقصى للتجديد للرئاسة مرتين فيتوقف التمديد والتأبيد)، والمادة 88 (بما يحقق الإشراف القضائى الحقيقى على الانتخابات العامة). 2 شفافية ونزاهة الانتخابات العامة (الرئاسية والنيابية والمحلية) من خلال الضمانات المتعارف عليها دوليا (جداول الناخبين الإلكترونية التصويت بالرقم القومى الإشراف القضائى والرقابة المجتمعية والدولية حرية اللقاء بالناخبين وتكافؤ فرص الظهور فى الإعلام الحكومى بين المرشحين حياد الجهاز الأمنى والهيكل الإدارى للدولة وعدم تدخله بأى شكل من الأشكال فى العملية الانتخابية احترام وتنفيذ أحكام القضاء وإلغاء مبدأ أن المجلس سيد قراره.... إلخ). 3 استقلال حقيقى للسلطة القضائية (بعيدا عن تبعية السلطة التنفيذية ووصاية الأجهزة الأمنية)، ووقف إهدار أحكام القضاء. 4 وقف العمل بقانون الطوارئ ووقف إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية والاستثنائية. 5 إطلاق الحريات العامة من قيودها المتعسفة ( حرية التعبير حرية التظاهر حرية التجمع والتنظيم المدنى حرية تأسيس الأحزاب حرية إصدار الصحف ونشر الفكر). 6 إطلاق الحريات النقابية المهنية والطلابية والعمالية، وحرية العمل الأهلى، وعدم التدخل الأمنى فى جميع أنشطة المجتمع المدنى. 7 الشفافية فى اختيار المواقع القيادية فى أى من مواقع الهيكل الإدارى للدولة؛ ليكون الاختيار بناء على معايير الكفاءة والتخصص وليس الولاء والثقة. 8 وقف جميع أشكال الوصاية والهيمنة الأمنية على مؤسسات الدولة (سواء فى ذلك السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ) أو مؤسسات المجتمع المدنى (نقابات اتحادات تعاونيات جمعيات نوادى منظمات أهلية). 9 الفصل التام بين الهيكل الإدارى للدولة (والمؤسسات التابعة له) وبين الحزب الحاكم (ومصالحه الحزبية التنافسية ضد خصومه السياسيين). 10 الفصل التام بين مؤسسة الرئاسة و مؤسسة الحزب الحاكم، فيبقى رئيس الدولة رئيسا لكل المصريين، ويتوقف الخلط بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية. وناشدت السيد الرئيس أن يقوم هو بإعلان مرحلة انتقالية لتحقيق هذه المطالب العشر، ليسترد الوطن عافيته وليأت بعد ذلك من يأت فى ظل أوضاع سياسية رشيدة وديمقراطية حقيقية ومجتمع مدنى قوى ومنظومة سلطات متوازنة تعود بها مصر إلى موقعها ومكانتها الرائدة التى تستحقها. ثم خاطبت السيد جمال مبارك وقلت له: ما موقفك من هذه المطالب العشر؟ وماذا إذا أصر الشعب عليها فهل تقف معه أو ضده؟ وبصرف النظر عما إذا كان تحقيق هذه المطالب العشرة يتوافق أو يتعارض مع مشروعك وآمالك وطموحك فنحن نريد أن نسمع موقفك من هذه المطالب، ثم ألا ترى معنا أن فترة انتقالية يسترد فيها الوطن عافيته (ثم يأتى بعد ذلك من يأتى بطريقة ديمقراطية حقيقية) هى محل فخر وشرف وأكبر مصدر قو ة لمن سيأتى به الشعب ويلتف حوله. وقلت له لا يزال فى الوقت متسع أمامك فى زمان آخر (بعيدا عن نفوذ والدك) لتعرض نفسك وخبراتك وحزبك على الشعب فى تنافسية حقيقية وديمقراطية حقيقية؟ ثم خاطبت الإخوان المسلمين قائلا لهم: ندرك جميعا أنه حين نطالب لمصرنا الحبيبة بديمقراطية حقيقية وبانتخابات حرة سليمة تعلو أصوات فى الداخل والخارج تخيف الجميع أن البديل القادم فورا إذا ما جرت ديمقراطية حقيقية فى مصر هو وصول الإخوان المسلمين للحكم. وفى ظل محاولات تشويه مستمرة ضد الإخوان المسلمين يتم التفزيع للداخل والخارج لصرف الجميع عن أولوية دعم تطور ديمقراطى حقيقى فى مصر، ومن ثم صار الإخوان من وجهة نظر البعض وكأنهم عقبة فى طريق التطور الديمقراطى (رغم أنهم أكثر المضارين بغياب الديمقراطية الحقيقية)، وعلت أصوات تطالب الإخوان بالتوقف عن العمل السياسى أو تجميد المشاركة السياسية. وحيث إن مشروع الإخوان المسلمين يتجه بالأساس إلى الإصلاح القاعدى، وحيث إن إصلاح الحكم هو أثر ونتيجة حتمية مصاحبة لصلاح وعافية المجتمع ككل، وحيث إن مشروع الإخوان المسلمين القائم على فكرة شمول الإسلام لجميع مناحى الحياة بما فيها العمل السياسى يمتنع معه توقف أو تراجع الإخوان عن المشاركة السياسية (التى يحتاجها المجتمع أيضا)، وحيث إنه ينبغى على الإخوان فى كل وقت إعادة عرض فكرتهم بأنفسهم على الجميع بشفافية وصراحة بما يمتنع معه على خصومهم حشد التفزيع منهم والتخويف لهم، فإنى أرى ضرورة المحاولة لنزع فتيل التخويف والتفزيع من الإخوان وليكن ذلك مثلا من خلال المقترحات الآتية: 1 إعلان الإخوان المسلمين التزامهم أنهم لن يتقدموا بمرشح لانتخابات رئاسية من بينهم ولن يدعموا للرئاسة أحدا محسوبا عليهم لدورتين كاملتين ( 12سنة بعد السنتين المقبلتين)، كما أنهم سيلتزمون مشاركة برلمانية لا تسعى للحصول على أغلبية ولا تزيد بأى حال عن عشرين فى المائة لمدة دورتين كاملتين (عشر سنوات بعد السنة الباقية)، وأنهم يهدفون حقيقة من وراء هذه الفترة الانتقالية قوة وعافية المجتمع ككل بما فيه من أحزاب وقوى سياسية ومجتمع مدنى وشخصيات عامة، ليقوى الجميع فى مناخ صحى بعيدا عن حالة الاحتقان والاستقطاب التى أضرت بالجميع. 2 إعلان الإخوان المسلمين استعدادهم (وطلبهم) للمشروعية السياسية من خلال حزب رسمى يسعون لتأسيسه وإعلان جميع بياناته وتشكيلاته وبرنامجه (طبعا سيستلزم هذا تغيير لجنة الأحزاب وقانون الأحزاب بما يسمح بحرية تكوين الأحزاب تحت الرقابة القضائية، وسيستلزم هذا أيضا تعديل الإخوان لبرنامجهم بما يؤكد على أن الشعب وحده هو صاحب الإرادة فى اختيار مسئولية دون وصاية من أحد). 3 إعلان الإخوان المسلمين استعدادهم وطلبهم للعمل (الدعوى والخيرى والاجتماعى والتربوى والرياضى) من خلال جمعية عامة يعلنون فيها جميع بياناتهم وتشكيلاتهم وتمويلاتهم، (على النحو الذى يحسم ويؤكد انتهاء مراحل تاريخية اقتضت وجود التنظيم الخاص أو الجماعة السرية)، (طبعا سيستلزم هذا أن تعمل هذه الجمعية القانونية كما ينبغى أن تعمل جميع الجمعيات ومؤسسات العمل المدنى تحت رقابة القضاء المستقل بعيدا عن التدخلات والوصاية الأمنية والحكومية). 4 إعلان الإخوان المسلمين وتأكيدهم على القبول الكامل بكل آليات العملية الديمقراطية والتسليم بنتائجها، وبجميع حقوق المواطنة لكل ألوان التعددية الدينية والسياسية والثقافية والفكرية دون إقصاء لأحد، وباحترام جميع الحقوق الدينية لغير المسلمين (فقط فى غير ابتزاز ولا تسييس داخلى أو خارجى لهذه الحقوق). 5 أخيرا إعلان الإخوان المسلمين وطلبهم لإجراء انتخابات التجديد لمجلس شورى الإخوان و لمكتب الإرشاد واختيار المرشد العام فى أجواء من (الحرية والعلانية والشفافية) باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن وقوة من قواه السياسية والمجتمعية، من حقها بل ومن واجبها أن تمارس العملية الديمقراطية على مرأى ومسمع من الجميع. وكانت هذه الأفكار منى فى محاولة تسعى كى يبرئ الإخوان المسلمون ساحتهم ويبطلوا الفزاعة (التى يستثمرها خصوم الوطن فى التخويف منهم ويتخذون منها شماعة لتبرير التعويق لخطوات الإصلاح السياسى)، أعترف أنى بهذه المبادرة حاولت الوصول لهدنة نعم ولكنها ليست لصالح النظام (الذى حاولت تعليق الجرس فى رقبته ليتحمل وحده المسئولية عن حالة الانسداد الموجودة)، ولكنها لصالح المجتمع الذى يحرص الإخوان المسلمون على السعى لقوته وعافيته ونهضته.