سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 25-9-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 25 سبتمبر 2024    تفاصيل إنشاء محطات جديدة لتحلية مياه البحر    حملة ترامب: تلقينا إفادة استخباراتية عن تهديدات إيرانية لاغتياله    طيران الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسة غارات فوق سماء بيروت    صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب ومحيطها ووسط إسرائيل    مسعود بيزشكيان: نريد السلام للجميع ولا نسعى إلى الحرب    أمير قطر: منح العضوية الكاملة لفلسطين لا يؤسس سيادتها ولا ينهي الاحتلال    بأسلوب كسر الباب.. سقوط لصوص المنازل بحلوان    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة ب صحراوي سوهاج    خلال تبادل إطلاق نار.. مصرع متهم هارب من أحكام قصائية في قنا    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء 25-9-2024    بحضور نجوم الفن.. أبطال فيلم "عنب" يحتفلون بالعرض الخاص في مصر    هل هناك نسخ بالقرآن الكريم؟ أزهري يحسم الأمر    مواعيد مباريات الدوري الأوروبي اليوم الأربعاء 25-9-2024 والقنوات الناقلة    نجم الزمالك السابق: «قلقان من أفشة.. ومحمد هاني لما بيسيب مركزه بيغرق»    تعرف على موعد عرض مسلسل أزمة منتصف العمر    أنقرة: الصراع الأوكراني يهدد بمواجهة عالمية طويلة الأمد    برنامج تدريبي لأعضاء هيئة التدريس عن التنمية المستدامة بجامعة سوهاج    لا أساس لها من الصحة.. شركات المياه بالمحافظات تكشف حقيقة التلوث وتنفي الشائعات المنتشرة على الجروبات    برامج جديدة للدراسة بكلية التجارة بجامعة المنوفية    وفري في الميزانية، واتعلمي طريقة عمل مربى التين في البيت    أحمد موسى: مصر لها جيش يحمي حدودها وشعبها ومقدراته    وزير خارجية لبنان: حوالي نصف مليون نازح بسبب العدوان الإسرائيلي    تحرك عاجل من كاف قبل 72 ساعة من مباراة الأهلي والزمالك بسبب «الشلماني»    بريطانيا تدعو مواطنيها لمغادرة لبنان "فورا"    بعد ظهورها في أسوان.. تعرف على طرق الوقاية من بكتيريا الإيكولاي    جولة مرور لوكيل «صحة المنوفية» لمتابعة الخدمات الصحية بالباجور    محافظ أسوان يطمئن المصريين: ننتظر خروج كل المصابين نهاية الأسبوع.. والحالات في تناقص    بشرى للموظفين.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للقطاع العام والخاص والبنوك (هتأجز 9 أيام)    عمارة ل«البوابة نيوز»: جامعة الأقصر شريك أساسي لتنمية المحافظة وبيننا تعاون مستمر    ريم البارودي تعود في قرار الاعتذار عن مسلسل «جوما»: استعد لبدء التصوير    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء في الدوري الإسباني وكأس كاراباو بإنجلترا    خطر على القلب.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول الموز على معدة غارفة    حمادة طلبة: الزمالك قادر على تحقيق لقب السوبر الأفريقي.. والتدعيمات الجديدة ستضيف الكثير أمام الأهلي    زيادة جديدة في أسعار سيارات جي إيه سي إمباو    وزير الاتصالات: التعاون مع الصين امتد ليشمل إنشاء مصانع لكابلات الألياف الضوئية والهواتف المحمولة    "حزن وخوف وترقب".. كندة علوش تعلق على الأوضاع في لبنان    قطع المياه اليوم 4 ساعات عن 11 قرية بالمنوفية    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    وفاة إعلامي بماسبيرو.. و"الوطنية للإعلام" تتقدم بالعزاء لأسرته    فريق عمل السفارة الأمريكية يؤكد الحرص على دفع التعاون مع مصر    حال خسارة السوبر.. ناقد رياضي: مؤمن سليمان مرشح لخلافة جوميز    بعد اختفائه 25 يوما، العثور على رفات جثة شاب داخل بالوعة صرف صحي بالأقصر    خلال لقائه مدير عام اليونسكو.. عبد العاطي يدعو لتسريع الخطوات التنفيذية لمبادرة التكيف المائي    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج القوس    حدث بالفن| وفاة شقيق فنان ورسالة تركي آل الشيخ قبل السوبر الأفريقي واعتذار حسام حبيب    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بمدينة 6 أكتوبر    رياضة ½ الليل| الزمالك وقمصان يصلان السعودية.. «أمريكي» في الأهلي.. ومبابي يتألق في الخماسية    هل الصلاة بالتاتو أو الوشم باطلة؟ داعية يحسم الجدل (فيديو)    محافظ شمال سيناء يلتقي مشايخ وعواقل نخل بوسط سيناء    الكيلو ب7 جنيهات.. شعبة الخضروات تكشف مفاجأة سارة بشأن سعر الطماطم    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الحمل    هل هناك جائحة جديدة من كورونا؟.. رئيس الرابطة الطبية الأوروبية يوضح    رسائل نور للعالمين.. «الأوقاف» تطلق المطوية الثانية بمبادرة خلق عظيم    خالد الجندي يوجه رسالة للمتشككين: "لا تَقْفُ ما ليس لكم به علم"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهبد اليوم.. الهذيان.. بين سعد ونافعة!
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 12 - 10 - 2009

تتسع صفحات المصري اليوم لكاتبين من الطراز الثقيل، ينتمي كلاهما إلي فصيلة العلماء الاستراتيجيين الذين يتربعون فوق القمة لإصدار الأحكام النهائية، وتلقين الدروس البليغة التي لا نقاش فيها ولا جدال.
لكل منهما تاريخه المعروف للجميع، فالدكتور سعد الدين إبراهيم يناضل بدأب وإصرار في جميع أرجاء المعمورة، ويدافع عن الأقليات والمضطهدين في كل مكان وزمان. أما الدكتور حسن نافعة فمن علماء السياسة الذين لا يشق لهم غبار، ومفكر عميق يحيط بكل صغيرة وكبيرة علي الساحة السياسية، فحتي ما يدور في الغرف المغلقة لا يخفي عليه، أو يستعصي الوصول إليه.
ما الذي يكتبه هذان الفارسان علي صفحات المصري اليوم، وما أهم المرتكزات التي يمكن استخلاصها من تتبع بعض ما يفيضان به علي القارئ المسكين الذي لا يفهم كثيرًا أو قليلاً في شئون الأقليات وفي دهاليز النظريات؟!
تدمير الإخوان
يوم السبت الأول من أغسطس، ينشر الدكتور سعد الدين إبراهيم مقاله مركز ابن خلدون والمصالحة الوطنية، ومن المبرر بالطبع أن يشيد الكاتب بالمركز ويبالغ في الحديث عن دوره الخطير، لكن المثير للدهشة بحق أن القارئ سوف ينفق من وقته ما يستطيع، ويعيد القراءة مرات ومرات، فلا يجد شرحا واضحًا مشبعا لمفهوم المصالحة الوطنية: بين من ومن؟ وكيف؟ وما الآليات التي تحكم والمعايير التي تتحكم في هذه المصالحة غير المحددة؟!.
يؤمن الدكتور سعد أن مصر تخلو من القوي السياسية الفاعلة المؤثرة، وتغيب عنه حقيقة أنه يناقض نفسه عندما يرصد ما يسميه حالات العصيان المدني، فكيف تتزايد هذه الاحتجاجات التي يسعد بها في ظل الموات السياسي؟. لا يفتح الله عليه إلا بإشادة مقحمة يبدي فيها الإعجاب غير المحدود بالإخوان المسلمين، فكل الأحزاب تشكو من الضعف وغياب المصداقية باستثناء الإخوان المسلمين!، وهذه المقولة الموجزة العابرة تتضمن خطأين فادحين لا يليق بأستاذ علم الاجتماع السياسي أن يقع فيهما: الخطأ الأول أن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا، والخطأ الثاني أن الجماعة منذ نشأتها تفتقد المصداقية وتدمن ألعاب المراوغة الانتهازية، وفضلا عن ذلك فإن الإخوان أنفسهم يتعالون بوضوح وصراحة علي فكرة الوطنية ويعتبرونها كفرا صريحا، وإذا لم يصدق الدكتور فليس عليه إلا أن يعود إلي كتابات حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من أقطاب الجماعة الإرهابية.
في الأسبوع التالي، الثامن من أغسطس، يكتب الدكتور عن ابن خلدون والمصالحة والأقباط والإخوان، وفي مقاله هذا يستمر الغياب الكامل لتحديد مفهوم المصالحة الوطنية، أما الجديد المثير فهو سعيه إلي الدفاع عن الإخوان المسلمين بفشل منقطع النظير، فهو يري أن النظام المصري يستخدم الجماعة كفزاعة يخيف بها الأقباط، ثم يؤكد في يقين أن الأمر ليس كذلك، وصولا إلي القول: ورغم أن هواجس الأقباط والطبقة الوسطي والغرب من وصول الإخوان للسلطة، قد يكون لها ما يبررها، ثم تنقطع الجملة ويخيب الدفاع، ذلك أنه يلتفت إلي البابا شنودة ويندد بأحد تصريحاته منقطعة الصلة بالموضوع!
هل يدافع الدكتور الاستراتيجي الأكاديمي عن الإخوان، أم يسعي إلي تدميرهم، عندما يطالبهم بتقديم رسائل طمأنينة لمن يتخوفون من أفكارهم: وذلك بإقرار احترامهم لمبدأ المواطنة الكاملة المتساوية لكل المصريين، بمن فيهم النساء والأقباط وأبناء الديانات الأخري قاطبة، بل وغير المؤمنين ماداموا من بني الإنسان، الذين ولدوا علي تراب مصر وأرضها، وعليهم أن يقروا أيضًا بحق كل مواطن مهما كان دينه أو نوعه في شغل أي منصب بالانتخاب الحر، بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية!.
لو أن الإخوان المسلمين قد استمعوا إلي نصائحه الثمينة، واستجابوا لمطالبه هذه، ما بقي من خطابهم الفكري وبرنامجهم السياسي شيء يذكر، ولفقدوا إخوانيتهم ووجب عليهم البحث عن اسم آخر. كيف يقرون بمبدأ المواطنة وهم دعاة الدولة الدينية الاستبدادية؟!.
كيف يوافقون علي مبدأ المساواة بين المسلم وغير المسلم، وبين الرجل والمرأة، وهم الذين يزدحم خطابهم المتهرئ بتحقير المرأة والتأكيد علي دونية الأقباط ووجوب معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية؟!. كيف لمن يطالبون بدولة الخلافة أن يجعلوا علي رأس الدولة واحدا من غير المسلمين، أليس أنهم لا يجدون حرجا أن تتحول مصر إلي ولاية تابعة، وأن يحكمنا ماليزي أو تايلاندي؟!
احتمالان لا ثالث لهما: إما أن العالم السياسي الكبير لا يعرف حقيقة أفكار الإخوان الذين يغازلهم ويمدحهم أو أنه يعرف ويتغافل لأسباب تشينه وتدينه، ففي أي مصلحة يبحث؟، وعن أي مصالحة يتحدث؟!
النرجسي المتواضع
لن نتوقف أمام مقال الخامس عشر من أغسطس، الذي يتضمن ردًا علي الدكتور مصطفي الفقي، فقد يستهلك التوقف مساحة لا متسع لها هنا، لكن المقال المنشور في الثاني والعشرين من الشهر نفسه يقدم أنموذجا لمنهج الدكتور سعد، فالعنوان: مبارك وائتلاف المنظمات المصرية في المهجر نموذجا للداخل المصري، وهو عنوان يوحي ظاهره المباشر بالأهمية والرصانة والعمق والبحث العلمي الجاد، أما تفاصيل المتن فلا شيء فيها يستحق الاهتمام، فالمسألة عنده بالغة الوضوح والتحديد: كل من يؤيد النظام مخطئ وصاحب دور مرسوم، وكل من يعارض في الداخل والخارج جدير بالاحترم والتقدير، ويستحق التهليل والتصفيق، دون نظر إلي ما يترتب علي هذه المعارضة من محصول وجدوي.
ولقد بشر الدكتور سعد، في مطلع المقال المنشور في التاسع والعشرين من أغسطس، بأنه يفضل أن تكون كتاباته في شهر رمضان الكريم أخف علي قراء هذا المقال الأسبوعي، مؤثرًا أن يتواصل مع القراء والأصدقاء!. ويكشف الدكتور سعد الدين عن نرجسيته المتطرفة عندما يعلق علي رأي سلبي يبديه الدكتور إكرام يوسف، حول المقال السابق لسعد: فهو لم يعجبه لا المقال، ولا فكرة أن يقوم المصريون في الخارج بأي نشاط يخص الداخل المصري، وأخيرًا فقد استخف بكاتب المقال أي أنا سعد الدين إبراهيم وحقر من شأني تحقيرا شديدًا، وهذا شيء نادر، حيث إن معظم القراء ينوهون ويمدحون!
الأغلبية العظمي من القراء يمدحون وينوهون، وكم يبدو الليبرالي سعد الدين منزعجا من الاختلاف الذي يجاهر به الصديق القديم، لكن العالم الاستراتيجي لا يفكر في الرد والمناقشة، ويتمسك بالتواضع الذي يتجلي في قوله: ولا أدري لماذا لم أشعر بغضب مقابل، وليس هناك من تفسير لهذا التسامح من جانبي غير استعادة المأثور الشعبي الذي يقول إن ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب، وضاعف من تسامحي تعاطف إنساني لزميل فقد شريكة عمره، وهجره ابنه الوحيد!
هل يتخيل بهذه الكلمات أنه من القديسين؟، أم يتوهم أنه رجل متواضع سمح لا يقابل الإساءة بمثلها؟! أما عن المثل الشعبي الذي يستشهد به فهو يأتي في غير موضعه، ذلك أن الاختلاف الفكري والسياسي مع الدكتور سعد ليس فعلا عنيفا كالضرب، ولعل الدكتور إكرام نفسه ينتظر ردا موضوعيا، أما محاضرة التسامح النبيل هذه فلا موضع لها ولا معني!
الحرية والفوضي
يدعو الدكتور سعد الدين إلي المصالحة الوطنية، وعلي الرغم من ضبابية مفهوم المصالحة، فإن المعني العام يشير بالضرورة إلي الحرص علي الانسجام وتجنب الصراعات والمواجهات غير المجدية، فكيف إذن نستوعب مقاله لماذا يفزع المسلمون إذا غير أحدهم دينه؟، وجانب كبير من هذا المقال، المنشور في الثاني عشر من سبتمبر، يتوقف عند قصة المحامية نجلاء، التي غيرت ديانتها من الإسلام إلي المسيحية؟!
لا شك أن العقيدة الدينية مسألة شخصية، ومن حق السيدة نجلاء وغيرها أن يعتنقوا ما شاءوا من ديانات، لكن المقياس الموضوعي للتقييم هو الاقتناع الصادق بالدين البديل، والابتعاد عن المصالح الشخصية بالمعني الواسع لكلمة المصلحة، لاتمثل المحامية نجلاء ظاهرة تستحق الاهتمام، بل إنها تجسد توجها سلبيا من حيث الاتجار بالدين واستثمار التحول خارج النطاق الذاتي، لن يضير الإسلام أن تتنصر السيدة نجلاء، ولن تتأثر المسيحية بإسلام غيرها، لكن ما يقوله الدكتور سعد يبدو أقرب إلي العبث الفوضوي الذي يتناقض مع أحاديثه الوردية عن المصالحة الوطنية: ادعي بعض من هاجموا المحامية نجلاء كاترين الإمام أنها أعلنت عن تغيير دينها من أجل الفرقعة الإعلامية والشهرة، وحتي إذا كان ذلك صحيحا، فإن تفويت الفرصة عليها يكون بتجاهلها، وتركها وشأنها، وادعي آخرون أنها فعلت ما فعلت لكي تهاجر وتطلب اللجوء السياسي بادعاء أنها مضطهدة دينيا أو أن حياتها وأطفالها في خطر طبعا، الله وحده يعلم ما في قلب نجلاء، فهو وحده يعلم ما تخبئه الصدور، ولكن حتي بافتراض صحة هذا الادعاء فهي حرة، ومن حقها أن تخطط لحياتها ولأطفالها كيفما تريد!
أي عبث هذا؟! الدكتور ينصح بالتجاهل ولا يعمل بالنصيحة التي يوجهها للآخرين، ويتعامل مع الفرقعة الإعلامية والبحث عن الشهرة كأن الأمر سلوك شخصي لايضير أحداً، متجاهلا أن العقائد الدينية أسمي وأخطر من أن تكون مجالا للتجارب، أما القول بأنها حرة في التخطيط لحياتها كيفما تريد، حتي لو كان ذلك بادعاء الاضطهاد واللعب بالأوراق الطائفية البغيضة، فكارثة مدمرة وإساءة للحرية التي لم يقل أحد من قبل إنها مرادف للفوضي التي تشمل المجتمع المصري، وتؤجل المصالحة إلي أجل غير مسمي!
القضية هنا ليست في التحول الديني والانتقال من الإسلام إلي المسيحية أو العكس، لكنها في الاتجار بالأديان كأنها سبوبة يلجأ إليها كل من يبحث عن الشهرة والثراء، أو يريد الهجرة إلي أرض الأحلام تحت راية ادعاء الاضطهاد، المريب بحق أن يعود الدكتور سعد في مقاله التالي، التاسع عشر من سبتمبر، ليحكي ذكرياته في السجن مع شاب تحول من الإسلام إلي المسيحية، وطالبه بأن يقابل البابا شنودة ليرسل له محاميا، وكان رد البابا تعبيرا عن الاحساس بالمسئولية، لكن هذا الأسلوب العاقل لايروق للدكتور سعد، وكأنه يريد أن يشعلها ناراً، فياله من مصلح عظيم وداعية للمصالحة الوطنية!
يؤكد الدكتور في مقاله أن بعض أعضاء الجماعات الدينية المتطرفة، الذين سطوا علي محلات الأقباط في الإسكندرية، كانوا متعاطفين مع المسلم الذي تحول إلي المسيحية! مطلوب أن نصدق هذه الأعجوبة فهؤلاء الذين يكفرون المسلمين أنفسهم بلا سبب، يبدون الشهامة مع الذي تحول من الإسلام إلي المسيحية! ما الذي يريده هذا الرجل؟!
النزاهة العلمية
الدكتور حسن نافعة، لمن لا يعرفه، أستاذ جامعي ومن عتاة المفكرين الاستراتيجيين، قد يأخذ عليه بعض خصومه أنه متهم بالسرقة العلمية والسطو علي كتب الدكتورة حورية مجاهد، لكن هذا الاتهام لا يعني شيئًا، من ناحية لأن عدة سنوات قد مرت علي توجيه التهمة ولم تصدر عقوبة رسمية بعد، ومن ناحية أخري لأن المقالات التي يكتبها الدكتور في المصري اليوم تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه متفرد لا يسطو ولا يقتبس، وعنده من التجليات ما يغنيه!
من الثوابت الراسخة التي يؤمن بها الدكتور أن الفساد في مصر يتجاوز الأفراد إلي نظام الحكم، وفي سبيل ذلك يتوقف أمام قضايا بعينها ويتغاضي عن مسارها ونتائجها، فالعقوبات التي تطول الفاسدين لا تشغله، والهدف الذي يسعي إليه هو الإعلان عن اليأس التام في الإصلاح يتجلي ذلك الحكم اليقيني القاطع في مقاله المنشور في الثاني من أغسطس، حيث يختتمه بالقول: ولأنه ليس من المتوقع أن تحاسب الحكومة الفاسدة نفسها فلم يعد هناك بد من أن يتقدم الشعب لمحاسبتها، الكرة إذن في ملعب الشعب، أي في ملعبنا جميعًا.. ويومًا ما سوف ندفع فاتورة تقاعسنا غاليا!
يكتفي الدكتور بإحالة الأمر إلي الشعب ولا تتسع مساحة المقال لتحديد المطلوب من الشعب خاصة أن الدكتور في الفقرة السابقة قد شوه كل المؤسسات ووضعها في خانة الفساد المزمن.
يجد حسن نافعة في قضية سياج كنزًا يستدعي أن يكتب عنه عدة مقالات متتالية، ولا تكمن المشكلة بطبيعة الحال في عدد المقالات، أو في أهمية القضية موضوع الكتابة، لكنها في الولع بالتكرار الذي لا يضيف جديدًا وفي ترديد العبارات سابقة التجهيز التي تشبه الكليشيهات، ويبدو أن الدكتور يكرر نفسه بحثا عن الوصول إلي المشهد الأفضل، فهو يراود الإبداع السينمائي، وينعكس ذلك علي عنوان مقاله الساذج والقبيح والشرس في مسلسل نهب مصر، الأغلب الأعم من تحليلاته واتهاماته في هذا المقال يعتمد علي الخيال والتخمين والاحتمال والتوقع، فكأنه بصدد البحث عن سيناريو يجد فيه ضالته، وقد وجد ما يبحث عنه في سلسلة المقالات التي أتحف بها القراء عن التوريث، وهي سلسلة تشبه المسلسلات الرديئة التي تعتمد علي السطو والتطويل، علي الرغم من أن فكرتها لا تستوعب إلا حلقة واحدة.
مسلسل التوريث
تحمل الحلقة الأولي من المسلسل الممل عنوانًا مريبًا: هل ترضخ المؤسسة العسكرية لمخطط التوريث؟ الدكتور وحده يملك الحقيقة المطلقة، ويتجلي ذلك في الفترة التي يقول فيها: فظاهر أقوال الرئيس مبارك يوحي بإنكار وجود مشروع لتوريث السلطة في مصر، أما مضمونها فيؤكد ليس فقط وجود مشروع لتوريث السلطة في مصر وإنما أيضا اصرار الداعين إليه والمروجين له علي تمريره مهما كانت العواقب.
الدلائل التي يقدمها السيد نافعة، ليبرهن من خلالها أن مضمون تصريحات الرئيس مبارك يؤكد خيالاته، ينتقل بالمسلسل إلي خانة الاعمال الكوميدية الركيكة، فهو يقول بكل ثقة: أما قول الرئيس بأن الشعب هو الذي يختار رئيسه فهو كلام ينطوي في رأي الكثيرين علي كثير من البلاغة وقليل من الفائدة!
ليس مطلوبًا من الرئيس مبارك أن يوكل أمر الاختيار إلي الشعب، وعندما يفعل ذلك يتخذ السيد نافعة من تصريح الرئيس دليلاً علي وجود مخطط للتوريث!. ما البديل الذي يطرحه الدكتور الاستراتيجي لإرادة الشعب؟! المسألة عنده خالف تُعرف، فعندما يؤكد مبارك أن مصر ستبقي آمنة بعده، يستخلص العلامة الجهبذ من هذه المقولة دليلاً علي نجاح مشروع التوريث!
كلمات أقرب إلي هذيان المحمومين منها إلي التحليل السياسي، وإذا كان من حق نافعة أن يهذي كما يشاء، فإن السؤال الذي يتجاوزه وأمثاله من مدمني الشطحات غير المفهومة: ما المبرر للاقتراب من دائرة اللعب بالنار واقحام المؤسسة العسكرية في تحليلاته السياسية الساذجة؟!، يقول فريد عصره وأوانه: يعتقد كثيرون أنه لن يكون بوسع المؤسسة العسكرية، وهي مؤسسة وطنية تدين بالولاء للوطن وليس للأشخاص، أن تقف مكتوفة الأيدي أمام وضع كهذا! أهو تحليل عشوائي أم تحريض غير مسئول؟! ما الذي يعنيه الاستراتيجي ذو الخيال عندما يقول إن المؤسسة العسكرية لن تقف مكتوفة الأيدي؟! باسم من يتحدث هذا الدكتور البريء من تهمة السرقة العلمية؟ هل يتقمص شخصية حسن نصرالله ويصدر أوامره وتعليماته إلي الجيش، متوهمًا أن أحدا يمكن أن يستمع إلي تخريفاته وخزعبلاته؟! لابد له أن يعي خطورة العبث المراهق، ولا حجر هنا علي حريته الكاملة في المعارضة والاختلاف، لكن للتخبط حدوده التي لا ينبغي تجاوزها، فلماذا لا ينصرف عن المؤسسة العسكرية ويجرب ألعابه الصبيانية هذه في ساحة أخري؟!
منهجية الخيال
اعتباراً من العدد السادس من سبتمبر، يبدأ الدكتور نافعة سلسلة مقالاته اللوذعية عن مستقبل نظام الحكم في مصر، مثل هذه القضية الخطيرة تتطلب عالمًا سياسيا لا شبهة في كفاءته العلمية، ولا خلاف حول امتلاكه لمنهج غير مسبوق في التحليل، يعتمد علي الخيال وحده دون غيره من أدوات البحث التقليدية، ويحدد السيد نافعة الإطار العام لهذا المنهج في قوله: يدرك القاصي والداني أن نظام الحكم في مصر لا يحتوي علي أي قدر في الشفافية يسمح بمعرفة ما يجري في داخله، لذا ليس أمامنا كمحللين سوي استنتاج ما يدور داخل الغرفة المغلقة، وفي حدود المعلومات المتاحة حاليا يبدو أنه صراع حاد، لكنه مازال مكتوما!.
محللو مباريات كرة القدم لا يتبعون مثل هذا المنهج الغرائبي، ولا يعتمدون في تحليلهم علي ما يتخيلون حدوثه في الغرف المغلقة، السيد نافعة، منذ البدء، يعلن أنه سيحلل من وحي الخيال وحده، فلا مشكلة إذن في أن يقول ما يشاء، دون أدلة أو براهين، فهل يحاسب الحالمون علي أحلام النوم أو اليقظة؟! ليس أمام المخالفين إلا أن يلجأوا بدورهم إلي الخيال، ويردون علي أوهامه باختلاقات وهمية، وبذلك يتحول علم السياسة إلي نوع من الدجل يشبه فتح المندل وقراءة الكف.
أهذه هي مناهج البحث العلمي التي يدرسها السيد نافعة لطلابه في الجامعة؟! ثم هل يقول لهم في محاضرته الطليعية إن خفة الدم من لوازم البحث العلمي الجاد، ويضرب لهم المثل علي ذلك بسطور من مقاله الثاني عن مستقبل النظام السياسي، حيث يقول لا فض فوه: من المعروف أن السلطة لا تورث إلا في النظم الملكية، ولأن دستور جمهورية مصر العربية مازال، حتي إشعار آخر، يعتبر نظامها السياسي جمهوريا، وبالتالي يحق للشعب أن يختار رئيسه بنفسه.
ما أبدع خفة الدم والسخرية اللاذعة، فهو يوشك بكلماته السابقة أن يتفوق علي بلال فضل نفسه، ولعلي في حاجة إلي ممثل من طراز محمد سعد ليكون مساعدا له في عمله الجامعي، وقد كان واجبًا علي الصحيفة الليبرالية أن تنشر تنويهًا ببنط بارز، ينبه القارئ إلي ضرورة أن يضحك عندما يطالع السطور الفكاهية السابقة، أم أن القارئ المختلف الذي تخاطبه الصحيفة قد تعود علي هذه المآزق والمفاجآت، ولم يعد في حاجة إلي من ينصحه؟!
يوشك الدكتور نافعة أن يقسم بأغلظ الأيمان أن مشروع التوريث حقيقة لا خيال، ولأنه لا يملك دليلا أو بينة، ولأن أدواته في التحليل الخيالي لا تسعفه أو تعينه، فإنه يعتمد علي الثقة المتبادلة بينه وبين القراء، فهم يعرفون أنه لا يكذب ولا يتجمل، لا مهرب إذن من تصديقه والتهليل له، ولا بأس أيضا من العمل بنصائحه التي يقدمها لإجهاض مشروع التوريث، والبند الأهم هو اتفاق القوي الوطنية علي ترشيح شخصية يتم الالتفاف حولها، شريطة أن يحظي هذا المرشح الخيالي بتأييد النخبة!
ولأن متابعة مقالات نافعة تغذي الخيال وتنميه، فلا ضير في اقتراح أن يكون الدكتور حسن نافعة هو مرشح القوي الوطنية للانتخابات الرئاسية، فهو يمتلك كل المؤهلات المطلوبة، فضلاً عن نزاهته العلمية التي يضرب بها المثل، ومن يدري، فقد تندلع المظاهرات الشعبية قريبا في جميع أرجاء مصر، تهتف: حسن نافعة يابلاش.. نخبوي تاني ما يلزمناش.. وعند الله العفو والمغفرة.
وللحديث بقية
الحلقة التالية يوم الجمعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.