«هل تعلم أن هناك عرضا من البنك على الفيزا الخاصة بك، لتحصل على قرض تتراوح قيمته ما بين 2000 و7000 جنيه بدون أى ضمانات، وذلك مقابل التزامك فى سداد الفيزا. لا نريد سوى صورة بطاقتك»، هكذا تحدث أحد موظفى المبيعات فى بنك خاص فى مكالمة هاتفية، هى الرابعة من نوعها فى يوم واحد، لشريف جاب الله، المهندس فى أحد شركات التأمين الخاصة. ويقول جاب الله إن الاتصالات المتكررة من قبل البنك جعلته يفكر فى العرض، مع تسهيل الإجراءات التى يعتبرها العقبة الأساسية التى تمنعه من التعامل مع البنوك، خاصة أنه كان فى حاجة إلى مبلغ 4 آلاف جنيه لسداد قسط مدرسة ابنته، «كنا لسه راجعين من المصيف والمصاريف كانت كتيرة، وكنت بأفكر أعمل جمعية للحصول على المبلغ، ولكنى انشغلت ولم أستطع أن أجد واحدة أقبض خلالها فى الشهر الذى أريده، فحين وجدت هذا العرض، بدأت أفكر». ويعدد جاب الله المزايا، وهى وفقا لما ذكره له مندوب المبيعات «مغرية»، بحسب تعبيره، فقد أكد له العميل أنه لن يضطر إلى الذهاب إلى البنك، أو تقديم أى أوراق إضافية، فكل ما يحتاجه منه هو ملء الاستمارة الخاصة بالحصول على القرض وصورة، وسيذهب هو إليه للحصول عليهم، «فالأمر لن يستغرق أكثر من خمس دقائق، وإجراءات القرض كلها ستنتهى فى 5 أيام عمل»، وفقا للمندوب. تبعا لذلك، قرر جاب الله الموافقة على الحصول على هذا القرض، «خاصة أنه لصغر المبلغ، فإن الفوائد ليست كبيرة»، كما يقول مشيرا إلى أنه فى حالة الحصول على ال4000 لن أدفع سوى 600 جنيه، «فقررت أن أشترى نفسى وأضحى بالفوائد فى سبيل عدم الدخول فى تفاصيل». سرعان ما يبدأ الصداع ولكن سرعان ما بدأ «الصداع»، يقول جاب الله، فبدلا من زيارة واحدة، أصبحت ثلاث زيارات، ولم يتوقف جرس التليفون المحمول الخاص بى عن الرن، ففجأة، اكتشف المندوب أن التزامى فى سداد الفيزا ليس كافيا، وأنه يجب أن يحصل على صورة من مفردات راتبى، أو صورة من ثلاثة كشف حساب متتالية للفيزا الخاصة بى من أجل التأكد من التزامى بالسداد، «وكأن الأمر سهل جدا، ولا يحتاج إلى الدخول فى متاهات شئون العاملين والبحث عن أوراق قديمة ليس من المفترض أن تحتفظ بها، ولكن المضطر لابد له أن يتحمل هذه الصعاب»، وبعد أن أحضرت له الأوراق جاء وحصل على صورة منها وقال كعادته «لا تقلق ثلاثة أيام وسينتهى الأمر كله وسيكون المبلغ بين يديك». ومرت الثلاثة أيام، ومرت خمسة أخرى، وطالت المدة إلى أسبوعين، «مما دفعنى»، كما يروى جاب الله للاتصال به مرة ثانية، لمعرفة التطورات خاصة «إنى لا طلت سماء ولا أرض، فلم أبحث عن الجمعية، وفى نفس الوقت لم أتمكن من الحصول على قرض»، وحين رد على التليفون بعد أكثر من ستة مرات، كان رده بسيطا «آسف، كان هناك بعض المشاكل والبنك رفض الورق الخاص بك». شريف جاب الله ليس حالة خاصة نتيجة لعدم اكتمال أوراقه بل هذه المشقة يعانيها المئات من أفراد الطبقة الوسطى، حين يريدون الحصول على قرض ولو بسيطا لسداد التزاماتهم. مشوار طويل مع البنوك تروى هناء كامل، موظفة بوزارة الزراعة، أنها بعد مشوار طويل مع البنوك، قررت اقتراض المبلغ الذى كانت تريده من جارتها لكى ترحم نفسها من متاهات البنك، «رضينا بالهم والهم مش راضى بنا»، تقول كامل مشيرة إلى أنه برغم الفوائد الكبيرة التى يحصلها البنك، والضمانات المتعددة التى يحصل عليها من قبل العمل أو العميل نفسه، يعد الحصول على قرض «حلم بعيد المنال، لماذا لا أعرف؟ أليست الطبقة المتوسطة فى الوقت الحالى هى الكارت الرابح للبنك؟ هل يفعل البنك ذلك مع أحد عملائه الكبار بالرغم من عدم سداد هؤلاء دائما، العملية إذن محسوبيات ومصالح»، بحسب كامل. وكانت البنوك الخاصة والعامة، بالفعل فى السنوات الأخيرة، تبارت فى تقديم خدمات متنوعة للنجاح فى اجتذاب شريحة الطبقة المتوسطة، وهى الشريحة الأكبر من المجتمع، وذلك لما تمثله، بحسب ياسر صادق، مدير إدارة مساعد فى خدمة العملاء، من «عائد مضمون». ولكن، كما يقول باحث بنكى، إن البنوك لاتزال تفضل فى تعاملاتها العميل الأغنى، فبالرغم من أن العميل المنتمى إلى الطبقة الوسطى يعتبر عميلا مضمونا، إلا أنه لايزال لا يمثل سوى 20% من إجمالى المتعاملين مع البنوك، وذلك لأن «إغراءات الربح الأكبر مع العميل الأغنى صاحب المشروعات الأكبر، يزغلل أعين البنوك»، بحسب قوله. ووفقا لتقرير البنك المركزى الصادر فى أكتوبر الماضى، تراجعت قيمة القروض للقطاع العائلى من 3.39 مليار دولار فى يوليو إلى 3.396 مليار فى أغسطس الماضى، «لماذا يدوشنا البنك إذا كان سيقوم فى النهاية بتعقيد الأمور؟» تتساءل كامل مشيرة إلى أنه بدلا من الإسراع بالاتصال بالعملاء عليهم أن يتأكدوا فى الأصل من إمكاناتهم المالية، وإذا وجدوا أن وضع العميل المالى يسمح يتصلوا به. ويبدو إذن أن البنوك المصرية مازالت تجهل قيمة عميل الطبقة الوسطى، فوفقا لدراسة مصرفية، فإن عميل الطبقة الوسطى يمثل «الرهان الرابح للبنك»، كما تقول الدراسة، لأن هذه الطبقة استهلاكية بطبعها وتطمح دائما إلى الارتقاء بمستوى معيشتها حتى لو كان ذلك يحملها عبئا إضافيا على فاتورة مصاريفها. ومن الطبيعى، أن تلبى هذه الطبقة هذا العبء عن طريق الاقتراض من البنوك، كما يشير البحث مضيفا لذلك أن عميل الطبقة الوسطى، كونه فى غالب الوقت، ينتمى إلى كادر الموظفين، فهو مضمون السداد.