استهداف الفئات الأكثر احتياجا، ووصول الدعم لمستحقيه، لتقليل الفاقد منه، من أهم القضايا التى تتصدر دائما أولويات أجندة صانعى القرار فى الدول النامية، والتى زادت أهميتها حاليا مع انعكاس الآثار السلبية للأزمة على مستوى معيشة الفئات محدودة الدخل فى هذه الدول. وقد تبنت العديد من الدول النامية مجموعة مختلفة من برامج الدعم، سواء نقدى أو سلعى، خلال السنوات الماضية لمحاولة تحسين منظومة الدعم بها. تجربة الهند: تعد تجربة الهند من أبرز تجارب الدعم فى الدول الناشئة، خاصة أن هذه الدولة تتميز بارتفاع كثافتها السكانية، التى تتعدى المليار نسمة، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر بها، فقد وصل عدد سكانها الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 42% فى عام 2005، وتخلق تلك الظروف حاجة ماسة لبرنامج ضخم للدعم يوفر الغذاء المناسب للمواطنين. ولمواجهة هذه الظروف، تبنت الهند برنامجا ضخما للدعم السلعى، عُرف باسم «نظام التوزيع العام»، والذى تم تطويره فى عام 1997، ليفرق فى أحجام وأسعار السلع المدعومة. التى تحصل عليها الأسر الفقيرة، وفقا لمستواها ودرجة احتياجها. ويضم هذا البرنامج مجموعة متنوعة من السلع تغطى احتياجات الفقراء الأساسية، مثل السكر والدقيق والأرز وزيت الطعام والكيروسين والفحم والملابس، ويتم توزيعها من خلال شبكة من المحال المسجلة لدى الدولة. وفى عام 1997 أتاح البرنامج للأسر، التى تعيش تحت خط الفقر شراء الأرز أو الدقيق بكميات أكبر مما كان متاحا قبل هذا العام، وبسعر مدعم يصل إلى نصف السعر الذى تباع به هذه المنتجات فى السوق. وقد وجه بعض الخبراء انتقادات لهذا البرنامج فيما يتعلق بأسلوب تطبيقه، وعلى رأسهم بيتر كوربريدج، أستاذ دراسات التنمية بإنجلترا، الذى رصد حدوث تسرب لبعض السلع المتضمنة فى البرنامج أثناء عملية التوزيع، ويعتقد كوربريدج أن هذا البرنامج يحتاج إلى بعض الإصلاحات، التى من شأنها جعل عملية التوزيع أكثر كفاءة وتوجه للمستحقين الحقيقيين، على أن تبدأ الهند فى وقت لاحق فى دراسة تطبيق نظام بديل. تجربة إندونيسيا: أما إندونيسيا فكانت تطبق نظاما للدعم السلعى من خلال شركة عامة تحمل اسم «بولوج»، تتحكم فى أسعار الأرز من خلال وضعها الاحتكارى فى هذا القطاع، إلا أن إندونيسيا تراجعت عن هذه السياسة منذ عام 1998 واستبدلتها ببرنامج دعم للأرز موجه للفقراء، يعرف باسم «الأرز من أجل الأسر الفقيرة». ومع بداية تطبيق هذا النظام تم بيع الأرز المدعوم إلى 3.4 مليون أسرة بسعر يوازى 0.10 دولار للكيلو، مقارنة بسعر السوق البالغ 0.30 دولار للكيلو. ومنذ عام 2003 أصبح لكل أسرة تتوافر فيها الشروط التى وضعتها الدولة لمستحقى الدعم الحق فى الحصول على 10 كيلو جرامات من الأرز شهريا، والتى تمت زيادتها بعد ذلك إلى 20 كيلو جراما، وذلك من خلال «وكالة خطة الأسرة القومية التنسيقية». إلا أن أبرز مشكلات هذا النظام تمثلت فى أن بعض الأسر المحتاجة للأرز المدعوم لم تتمكن من الحصول عليه، لعدم امتلاكهم بطاقات إثبات الهوية، أو كونهم غير مسجلين فى قائمة المستحقين للدعم. تجربة المكسيك: فى مجال الدعم النقدى، فإن تجربة المكسيك تعد من أبرز التجارب، والتى طبقت برنامجها للدعم النقدى المشروط، تحت اسم «البروجريسا»، الذى يستهدف الفئات أشد احتياجا، ويهدف إلى تقليل معدلات الفقر الشديدة فى الريف، من خلال دعم قدرات الأسر الأكثر احتياجا، عن طريق تلقيها خدمات تعليمية وصحية، إلى جانب مبلغ الدعم المالى، والمكملات الغذائية لأطفالها، وكل هذه المساعدات كانت مشروطة بحضور أبناء الأسر لعدد محدد من ساعات الدراسة، بالإضافة إلى الالتزام بإجراء فحوصات طبية دورية لكل أفراد الأسرة. وإذا أخلت الأسرة بهذه الالتزامات، فإنها تستثنى من برنامج الدعم. وقد بدأ تطبيق هذا البرنامج فى عام 1997، ووصل عدد المنتفعين به إلى 2.5 مليون أسرة فى عام 1999. وفى عام 2002 تم توسيع البرنامج ليشمل المدن، ليصل عدد المستفيدين به حاليا إلى 12 مليون أسرة (44 مليون مواطن)، وقد تم رصد 6.1 مليار دولار للمشروع بمساهمة بنحو 572 مليون دولار من البنك الدولى. وتشير إحدى الدراسات المتابعة لنتائج نظام «البروجريسا»، إلى أنه ساهم فى خفض عدد الأفراد، الذين يعيشون تحت خط الفقر بنحو 10%. تجربة البرازيل: تطبق البرازيل أيضا برنامجا للدعم النقدى، تحت اسم «بولسا فاميليا»، الذى يقدم نوعين من الدعم، أولهما دعم أساسى، يستهدف الأسر التى تعيش فى فقر مدقع، بغض النظر عن تكوين الأسرة الديموجرافى. والنوع الثانى للدعم متغير، يعتمد على تكوين الأسرة ودخلها وعدد الأطفال الموجودين بها وما إذا كانت الأم حاملا أو تقوم بالرضاعة. وتشير الدراسات المقيمة لنتائج هذا النظام، إلى أنه بينما كانت البرازيل تصنف ضمن أعلى دول العالم تركيزا للثروة، فإن نسبة عدم المساواة فى الدخول انخفضت بها بنحو 4.6% فى الفترة ما بين 1995 و2004، تأثرا بالنتائج الإيجابية لهذا البرنامج.