ترك المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين صاحب المدرسة السينمائية الأهم في العالم العربي الذي توفي في عام 2008 عن عمر يناهز 82 عاما أعمالا ملتزمة سياسيا واجتماعيا اتخذت من مصر خلفية عامة لها. ولد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الإسكندرية ، وهو أصلا من عائلة لبنانية انتقلت للعيش في مصر في نهاية القرن التاسع عشر ، وبعد دراسته الابتدائية والثانوية في الإسكندرية ، انتقل إلى كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة ، حيث درس صناعة الأفلام والفنون المسرحية. عاد شاهين إلى مصر - منارة السينما العربية – بعد ذلك ليعمل مساعدا للمصور السينمائي ألفيز أورفانالي الذي مهد لفرصته الأولى في الإخراج مع فيلمه الأول "بابا أمين" الذي بدأ تصويره عام 1949 ، وعرض في العام التالي 1950 ولم يكن شاهين قد تجاوز وقتها الثالثة والعشرين. وبعد عام على ذلك ، استطاع شاهين أن يشارك بفيلمه الثاني "إبن النيل" في مهرجان كان للسينما ، وهو ما أطلق شهرته كمخرج يفارق اللغة السينمائية المصرية المعروفة في حينها ، وعندها بدأت انطلاقته التجريبية التي لم تتوقف طوال حياته الفنية التي امتدت ما يقرب من 60 عاما. ويرى نقاد أن استمرار تجربة يوسف شاهين السينمائية لم تتوقف بسبب مواقفه الاجتماعية والسياسية الواضحة التي عبرت عنها أفلامه. ويقول الناقد السينمائي كمال رمزي : "استطاع شاهين من خلال ذلك أن يشكل أهم وأوسع مدرسة سينمائية في مصر .. كانت مدرسة تعليمية حقيقية أثرت في عدد كبير من المخرجين الذين عملوا معه في أفلامه واستفادوا منه كل بطريقته". وتتلمذ على يديه العديد من المخرجين مثل يسري نصر الله والراحل رضوان الكاشف وعلي بدرخان وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي أحمد علي وعماد البهات. ويعتبر المخرج داود عبد السيد الذي عمل مع شاهين مساعد مخرج في فيلم "الأرض" - وهو من العلامات المميزة في السينما المصرية - أن "أهمية شاهين تنبع من أنه شكل مدرسة حقيقية مباشرة وله تلامذته الذين تعلموا منه" ، موضحا أنه "شكل أهم مدرسة إنتاجية ، حيث خرج أهم المنتجين في السينما المصرية". وكذلك قدم شاهين وجوها هامة في السينما المصرية أهمها الفنان الذي وصل إلى العالمية عمر الشريف عندما اختاره للمرة الأولى للوقوف أمام فاتن حمامة في فيلم "صراع في الوادي" ، كما قدم عدد كبير من نجوم السينما المصرية أفضل إبداعاتهم في أفلامه ، وأصبح عدد منهم من أبطال الأفلام التي اختيرت من ضمن أهم مائة فيلم مصري خلال مائة عام ، ومن أبرزهم الفنان محمود المليجي الذي قدم أفضل أدواره في السينما المصرية في فيلم "الأرض" ، وكذلك فاتن حمامة التي قدمت أفضل أدوارها معه في فيلم "صراع في الوادي" ، ويسرا في فيلم "المهاجر" و"حدوتة مصرية" والراحل أحمد زكي في فيلم "إسكندرية ليه" ، إلى جانب نور الشريف في "المصير" وهشام سليم في "عودة الإبن الضال". .. هذه المسيرة والرحلة الطويلة التي أمضاها في السينما المصرية قرابة ستين عاما ، استطاع شاهين من خلالها أن يفرض ثقله الفني والإبداعي بشكل لا لبس فيه ، فلا يمكن لأحد محليا أو عالميا أن يتطرق للسينما العربية من دون أن تكون تجربة شاهين في مقدمتها ، وظهر ذلك بشكل واضح عندما اختار النقاد السينمائيون المصريون عشرة من أفلامه من بين أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها ، وهو أيضا أحد السينمائيين القلائل الذين اعتمدوا على أنفسهم في تمويل أفلامهم ، خصوصا بعد توقف دعم الدولة له إثر فيلمه "العصفور" الذي هاجم فيه الدولة متهما إياها بالتسبب في هزيمة يوينو 1967 ، فأسس شركته ، وعمل على الإنتاج المشترك لتمويل أفلامه خصوصا مع منتجين فرنسيين. وحصل شاهين خلال رحلته الفنية على العديد من الجوائز من أهمها ذهبية مهرجان قرطاج السينمائي التونسي عام 1970 وجائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه "إسكندرية ليه" عام 1978 ، وهذا الفيلم هو أول أفلام سيرته الذاتية التي قدمها في أربعة أفلام ، وكان إلى جانبه "حدوتة مصرية" و"إسكندرية كمان وكمان" و"إسكندرية - نيويورك". وتوج شاهين عمله بفوزه بجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان للسينما في عام 1997 عن مجمل أعماله ، ومنحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة فارس عام 2006 ، وكرمته الدولة المصرية أكثر من مرة.