السيسي يهنئ المصريين بذكرى انتصارات أكتوبر    حوكمة منظومة استيراد سيارات ذوي الهمم في مصر: إجراءات جديدة لضمان العدالة    الوكالة اللبنانية: أكثر من 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية الليلة الماضية    اشتباكات ضارية بين القوات الاسرائيلية ومسلحين فلسطينيين في المناطق الشرقية من جباليا شمالي قطاع غزة    قوات الاحتلال تقتحم حي رأس العامود في سلوان وأغلقت مدخل عابود برام الله    موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد أستون فيلا في البريميرليج والقنوات الناقلة    أحمد بدير : نصر أكتوبر كان نقطة تحول فى تاريخ مصر    منتخب مصر يدخل معسكرا مغلقا اليوم استعدادا لمباراتي موريتانيا يومي 11 و15 أكتوبر الجاري    تعرف علي دور الساحرة المستديرة فى الخداع الاستراتيجى بحرب أكتوبر المجيدة    من يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل لقاءات اليوم    اليوم.. طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31 درجة    الأجواء الخريفية وتأثيرها على الطقس والزراعة في مصر    أسعار الدولار اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    أسعار الذهب اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    نفتالي بينيت يدعو لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني وإسقاط النظام في طهران    مبادرة "بداية" تسعد أطفال جمعية التثقيف الفكري فى الإسماعيلية (صور)    مدحت شلبي يكشف مصير " زيزو" في نادي الزمالك    والد بلعيد: الأهلي لم يجبرنا على وكيل معين.. وأمير توفيق محترم    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 6 أكتوبر    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»..هل الدعم «النقدي» أفضل من «العيني»؟.. عالية المهدي تجيب.. اتحاد الدواجن يكشف سبب ارتفاع أسعار البيض    تبون يثني على العلاقات بين الجزائر وموسكو    الكشف موقف أحمد فتوح من المشاركة في السوبر الإماراتي    «Take My Breathe».. أفضل فيلم عربي طويل بمهرجان الإسكندرية السينمائي    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    برج الأسد.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: لا تكن أنانيا    بعد شائعات وفاته.. جورج قرداحي يوجه رساله شديدة اللهجة    «مفيش خروج من البيت».. محمد رمضان يفاجئ لاعبي الأهلي بقرارات جديدة نارية (تفاصيل)    أحمد السقا يمازح علاء مرسي ويبعده عن ابنته ليرقص معها (فيديو)    ستجني ثمار مجهودك اليوم.. توقعات برج الجوزاء في يوم الأحد 6 أكتوبر    رسميًا.. رابط منهج العلوم رابعة ابتدائي pdf والخريطة الزمنية للشرح    من دعاء النبي | اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    لتجنب التسمم الغذائي.. الخطوات الصحيحة لتنظيف وغسل «الفراخ»    شعبة الدواء تكشف عن سبب ظهور السوق السوداء    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الأحد 6 أكتوبر    مصرع وإصابة 3 أطفال في تصادم دراجة بخارية وسيارة ملاكي بقنا    «زي النهارده».. وفاة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد 6 أكتوبر 2012    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    الأمن العام يداهم بؤرة إجرامية.. ومصرع 3 عناصر شديدة الخطورة بقنا    يقي من الخرف والألزهايمر.. 5 فوائد صحية لتناول البيض    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    صافرات الإنذار تدوي في عدة مناطق بشمال إسرائيل    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    مصرع طفلة وشقيقها سقطا من الطابق السادس أثناء اللهو ب15 مايو    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    « عز يرتفع والاستثماري يتراجع».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن للجمال أن ينقذنا
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 08 - 2019

«الجمال سينقذ العالم» قالها دوستويفسكى وكتبها عنه أستاذى العزيز متعه الله بالصحة وانتهى بالرد عليه أنه صحيح أن الجمال لم ينقذ البشرية من ويلات الحروب ولكنه ارتقى بالإنسان ومنحه ما يستطيع به تحمل قسوة الحياة وفى ذلك بالتأكيد ما يستحق، ولمدة سنوات لم أكن متأكدا مما قاله الاثنين وتحول إعجابى الأول إلى حيرة، وما زاد حيرتى ما كان يقوله صديقى العزيز المعمارى الإيطالى ريتزى وهو الحائز على الجائزة الثالثة فى مسابقة تصميم المتحف المصرى الكبير وكنت دائما أرى أن تصميمه كان الأجدر بالاختيار والبناء لأنه كان الأكثر فهما لعمارة وعمران مصر وفلسفتها الجمالية وعلاقتها بالمكان وهناك كلام كثير ولكن فات وقته كان يقول إن الجمال فى مصر قائم على فكرة الكمال وهذا بالطبع ما يمكن أن نراه فى الانتظام المذهل لعمارة الأهرام أو تأمل بعضا من التماثيل المصرية القديمة أو أغطية النواويس الجرانيتية ذات النقوش التى تضاهى فى دقتها وكمالها بل وقد تتفوق بما فيها من روح على أجهزة التقطيع بالليزر المتوافرة حاليا مع فارق زمنى بسيط لا يتعدى بضعة آلاف من السنين.
ساعدنى فى الخروج من الحيرة «المرزوقى» الفيلسوف التونسى المعاصر بفهمه للجمال على أنه «احتجاج على الظلم والقبح وعدم الاكتمال». رأيت فى فهم المرزوقى عن الجمال ما هو يتماشى مع ما نعيش فيه مما تكاد أن تكون بحور للقبح والظلم أينما وليت. وربما تحمل بعض مفاهيم الجمال المعاصرة خاصة التى بلورتها بعض النخبة أو الطليعة فى الغرب إمكانية أخرى خاصة فى تأكيدها على تلاشى القواعد الكلاسيكية وتأكيدها على التجريب والاستكشاف.
السؤال عن ماهية الجمال وكيف نراه ونفهمه فى مصر الآن سؤال له علاقة وثيقة بحياتنا ومنتجاتنا المادية وغير المادية وتحتاج بحثا ونقاشا وقبل ذلك تأملا لأن تأمل الشىء بالنسبة «لكانط» هو ما يجعله موضوعا للجمال. ويتساءل المرء وهو يرى هذه الحملات من الدهان ذى اللونين العجيبين على بيوت المهمشين الذين شاء حظهم العاثر أن تقع فى مرأى من بعض الشوارع الرئيسية فى القاهرة أيهما أكثر ظلما لحواسنا قبل أم بعد؟ ما أراه رائعا فيما قاله المرزوقى أنه يحول الفهم الشائع المبسط عن الجمال من كونه حالة مرتبطة ببعض حواسنا إلى حالة مرتبطة بوضعنا الإنسانى وقبولنا أو رفضنا واحتجاجنا عليه. فكيف يمكن أن نرى هذين الشريطين الملونين المتكررين على تلك المبانى جميلا وهو لم يساعد هؤلاء الساكنين بداخله فى تحسين حياتهم والتى ولا شك تعانى من الكثير من النواقص.. هل لو أنفقت تلك الأموال فى مساعدة بعضهم على زراعة بعض ما يحتاج لأكله فى صندوق معلق فى شباكه. أو زراعة أشجار فى المناطق التى قد تسمح بذلك فى شوارعهم أو مساعدتهم فى تدوير بعض نفاياتهم فوق سطح منازلهم (البقايا الخضراء للطعام مثلا وتحويلها إلى تربة). هل يمكن لنتيجة مثل هذا العمل أن تكون أجمل وأكثر حقيقة. وقس على ذلك الكثير مما يمكن عمله. كيف ترى وجه إنسان عاطل وكيف يبتسم وجهه بعد أن يوفر له عمل أليس هذا هو الجمال؟ يتعلق الجمال كما أفهمه إذا بالمضمون والذى ما يلبث أن يتخذ شكلا.
ارتباط الجمال أساسا بالمضمون يسمح لنا بالتساؤل عن المبنى الذى قد يراد له مثلا أن يكون بيتا للزكاة وهل يراد له أن يكون مثلا مبنى عاما يفخم من مكان رئيسه أو شيخه لا أن يكون مبنى يتأمل فى ماهية الزكاة وكيف يمكن أن تكون أحد محركات التنمية المستدامة ويتم تدويرها بدلا من أن تلقى للمحتاجين على عجالة كل فترة زمنية ثم تختفى. وفى تحولها هذا ترغب أن تستقر فى مبنى أقرب للناس وأكثر تواضعا لا أكثر حجما وفخامة. لحظة ولكن أليست هذه مخاطرة بأن يتحول عملك واقتراحك إلى ما لا يرغبه أصحاب العمل ومموله وعندها تخسر عملك؟
ما قاله المرزوقى منذ نحو خمسة عشرة عاما يأبى أن يغادرنى سواء كنت أعمل على دراسة واحدة من المناطق التى ننشغل بدراسة كيفية تنميتها فى مدينة القصير أو برج رشيد أو ميت رهينة وسؤال الجمال لا يستطيع أن يتنحى جانبا فى جوار الأسئلة الأخرى حول تحديات التنمية إذ كيف يمكن أن تمكن عملية مستدامة للتنمية بدون أن تستهدف هذه العملية الجميع ولا تستبعد أحدا وكيف تمكن للناس أن يحصلوا على الحد المقبول الذى يحفظ لهم إنسانيتهم ويدرأ عنهم ظلما متعددا ومركبا. هل يمكن أن نقوم بذلك دون مخاطرة وأن نقوم بذلك ونحن نتبع منشور التعليمات الآمن الموجود فى عدة كتب أو مراجع أو جهات ونكتفى بأننا قمنا بما نقدر عليه فى ظل الظروف المركبة التى نمر بها.. لست متأكدا من الإجابة كما أننى لست متأكدا من محدودية القدرات والطاقات التى نملكها أو المتاحة لنا.
ولكن ألا يستحق استهداف واقع أكثر عدلا واحتراما للإنسان ويحتج على الظلم والقبح المخاطرة بتجريب ما لا نعرف دقة نتائجه وأن نصبر على التحديات المتعددة والمتنوعة التى لا تطرق أبوابنا فقط ولكنها تشكل محيطنا وتقض مضاجعنا وإن تطلب سنوات من العمل الجاد وبناء المعارف والبحث عن الجدة والابتكار ونقاش مع الآخرين لأننا لا نخاطر بحياة الإنسان ولكن من أجلها.
أستاذ العمارة بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.