فى انعكاس لحالة الذعر داخل دوائر الحكم فى إسرائيل من اتساع دائرة حملات المقاطعة المتنوعة وكذلك الملاحقة القضائية للمسئولين الإسرائيليين فى الخارج، بتهمة ارتكاب جرائم حرب بحق الشعب الفلسطينى اقترحت وزارة الخارجية الإسرائيلية «عدة تحولات جذرية» فى السياسة الخارجية، أبرزها اعتبار أنشطة المقاطعة والملاحقة القضائية «أشكالا جديدة من العداء للسامية». فبناء على طلب وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان، وضع موظفون فى مكتبه خلال الأسابيع القليلة الماضية، وثيقة سرية من خمس صفحات تتمحور حول تنفيذ ما وصف بإنه «المبادئ التوجيهية للسياسية الخارجية الجديدة»، بحسب نسخة من الوثيقة قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إنها حصلت عليها. هذه الوثيقة تقترح «ثلاثة تحولات رئيسية فى السياسة الخارجية»، أولها، توسيع الروابط مع مناطق أخرى من العالم «أهملتها» الحكومات الإسرائيلية السابقة، وعدم الاكتفاء بعلاقة التحالف الوثيقة مع الولاياتالمتحدة. وثانيها، خفض سقف التوقعات الدولية بإمكانية حدوث اختراق فى مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وأخيرا عدم التسامح مطلقا مع أى شكل من أشكال معاداة السامية فى أى مكان بالعالم. وبشكل أو بآخر يمكن القول إن «التحولات الثلاثة المقترحة» تستهدف معالجة وضع إسرائيل الحالى على الساحة الدولية، إذ تواجه حملات مقاطعة سياسية واقتصادية ورياضية وأكاديمية فى أرجاء عدة من العالم رصدتها مجلة «لوموند دبلوماتيك» فى عدد سبتمبر الماضى، فضلا عن الدعاوى القضائية التى تشهدها أوروبا من آن إلى آخر لمحاكمة مسئولين عسكريين إسرائيليين؛ بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وأحدثها الدعوى التى رفضها القضاء البريطانى لتوقيف وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك؛ بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الأخير على قطاع غزة ما بين السابع والعشرين من ديسمبر والثامن عشر من يناير الماضيين. ولكون الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين هى المحرك الأساسى، وربما الوحيد، لحملات المقاطعة والملاحقة القضائية، تقترح الوثيقة أن تعمل وزارة الخارجية على تخفيض مستوى التوقعات الدولية بتحقق انفراجة فى المفاوضات مع الفلسطينيين. ويسعى الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى استئناف هذه المفاوضات، إلا أنه يصطدم حتى الآن برفض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وقف الاستيطان فى الضفة الغربيةالمحتلة، بما فيها مدينة القدسالشرقية. ولنفس الغرض، وهو إنهاء حالة عزلة إسرائيل على المستويات الشعبية فى العديد من الدول، خاصة فى الغرب، تنتقد الوثيقة بشدة تركيز إسرائيل شبه الكامل على علاقاتها الوثيقة مع الولاياتالمتحدة كمدخل لعلاقاتها مع بقية دول العالم. وبحسب الوثيقة فإنه «لعقود من الزمان، أهملت إسرائيل مناطق وقارات بأكملها، هى: أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية ودول البلقان ووسط وجنوب آسيا»، مشددة على أن ثمن هذا الإهمال اتضح جليا فى الأممالمتحدة وبقية المنتديات الدولية. وترى أنه «بإمكان إسرائيل فقط من خلال استثمارات طويلة المدى مع هذه الدول التى أهملتها طويلا، أن تحسن قدرتها على التعاطى مع التحديات المقبلة»، مقترحة زيادة الاجتماعات مع المسئولين رفيعى المستوى فى تلك الدول، وتقوية الروابط الاقتصادية والتجارية معها؛ بغية إيجاد وضع دولى جديد لا تجد إسرائيل نفسها معزولة فيه. أما ثالث وأخطر «التحولات المقترحة»، فهو فتح مجالات جديدة أمام ما تراه إسرائيل معاداة للسامية، إذ تعتبر الوثيقة أنه «بالإضافة إلى الأشكال التقليدية (لمعاداة السامية)»، فإن مقاطعة المؤسسات الأكاديمية والبضائع الإسرائيلية، وكذلك الدعاوى القضائية الخارجية ضد المسئولين الإسرائيليين، تعد أشكالا جديدة من «معاداة السامية». ودأبت إسرائيل على استخدام هذه التهمة (معاداة السامية) فى المحافل الدولية لإسكات العديد من الأصوات المنتقدة لانتهاكاتها بحق الفلسطينيين. وتدعى الوثيقة بأن لدى إسرائيل «كل العناصر المطلوبة لتقديم نفسها كمركز للحضارة الإنسانية، ومن ثم تحسين وضعها وصورتها فى العالم».