بورصة الدواجن اليوم بعد الهبوط.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض الأحد 13 أكتوبر 2024    الطن يرتفع 3100 جنيه لأول مرة.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024    حزب الله: فجرنا عبوة ناسفة بجنود إسرائيليين وواستهدفنا مدرعة فى رامية    استشهاد 8 من عائلة واحدة فى قصف إسرائيلى للنصيرات    لا تصدقوا استطلاعات الرأى.. دائمًا    القبض على كروان مشاكل بحدائق القبة بتهمة سب وقذف مذيعة    رئيس هيئة السكك الحديدية: الدولة دعمتنا بإسقاط ديون بقيمة 58 مليار جنيه    جولة مسائية لمحافظ الدقهلية للتأكد من الالتزام بأسعار بيع الخضار والفاكهة    سكان فلوريدا يعيدون بناء حياتهم بعد ميلتون    خالد الغندور يكشف تفاصيل جلسة كولر مع جهازه الفني استعدادًا للسوبر المحلي    خالد الغندور يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي مع عدي الدباغ    اليوم.. انطلاق أسبوع القاهرة السابع للمياه برعاية الرئيس السيسي    مصرع شخص بسبب حقنة مجهولة المصدر في قرية طنامل بالدقهلية    جان رامز يرد على شائعات وفاته: «هتخذ إجراءات قانونية»    الزمالك يعلق على أزمة إيقاف القيد.. والسبب الحقيقي وراء عدم ضم إيجاريا    صفارات الإنذار تدوي شمالي إسرائيل.. مسكاف عام وكريات شمونة ومرجليوت تحت التهديد    نشأت الديهي: محطة بشتيل ليست موجودة إلا في برلين والصين    مأساة في الشرقية.. مصرع أب وزوجته وأبنائهم الثلاث اختناقا بالغاز    القاهرة الدولي يشارك ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات في تونس    مقتطفات من حفل سيارا وباستا وميسي أليوت بالسعودية (صور)    تامر عاشور يوجه رسالة لجمهوره بعد حفله في الإمارات    تعرف على موعد عرض مسلسل «6 شهور» ل خالد النبوي    اللهم آمين| من دعاء الصالحين ل «الفرج والرزق والشفاء»    قد تؤدي إلى التسمم.. 5 أطعمة ممنوع حفظها في باب الثلاجة    «المحاربين القدماء» تنظم مهرجانًا رياضيًا فى الذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر    «مروة وشرارة ووردة وبليغ» نجوم الليلة الثالثة بمهرجان الموسيقى العربية    إلهام شاهين: سعيدة جدًا بلقب نجمة العرب عن مجمل أعمالي (فيديو)    تعب جسدي نتيجة الضغط العاطفي.. توقعات برج الجدي اليوم 13 أكتوبر    الدبوماسي محمد غنيم يسلم أوراق اعتماده كسفيراً لمصر في فنلندا    القبض على "كروان مشاكل" لتنفيذ حكم في قضية سب وقذف مذيعة شهيرة    «الأزهر»: نسعى لإدخال الروبوتات الجراحية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ل«المستشفيات»    حريق هائل في الغردقة جراء تصادم سيارتين محملتين بالسولار والأسمنت| شاهد    تغير مفاجئ بالحرارة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار    موعد محاكمة المتهمين بسرقة أجهزة «تابلت التعليم» بمحكمة جنايات الجيزة    إنفوجراف.. حصاد جامعة أسيوط خلال أسبوع في الفترة من 4 حتى 10 أكتوبر 2024    وزيرة التضامن الاجتماعي تشارك في منتدي البرلمانيين العرب    استعدادًا لفصل الشتاء.. «المصري اليوم» ترصد مخرات السيول في القاهرة والجيزة    وكيل القندوسي: قرار الأهلي بعرضه للبيع لم يكن مفاجئًا.. والزمالك لم يتواصل معنا    أيمن الرمادي: سيراميكا الأقرب لشراء أحمد قندوسي من الأهلي    «يجيد الدفاع والهجوم».. أبوالدهب: حسام حسن كسب الرهان على هذا اللاعب    الفريق أسامة ربيع يتابع مستجدات استراتيجية تطوير المناطق الاقتصادية واللوجيستية بالسعودية    «الأزهر»: إنسانية الغرب قد «ماتت»    «البحوث الفلكية» يشارك في أسبوع الفضاء العالمي    الاحتلال الإسرائيلى يطلق مسيرات للتحليق فوق الأراضى اللبنانية    الصحة تكشف تفاصيل المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تصفيات أمم إفريقيا - المغرب يكتسح إفريقيا الوسطى بخماسية    بحضور وزير الأوقاف.. "القومي للمرأة" ينظم ورشة عمل "القادة الدينين وبداية جديدة لبناء الإنسان"    استثمر فلوسك.. كيف تحصل على عائد 13 ألف جنيه شهريًا من الشهادة البلاتينية؟ (تفاصيل)    أحمد موسى ينفعل على الهواء بسبب الشيكولاتة    وزير التعليم العالي يستقبل رئيس الهيئة القومية للتأمين الصحي الشامل -(تفاصيل)    برج الحوت اليوم.. تخلص من التراكمات القديمة وانطلق بخطوات مدروسة    مصرع شخص وإصابة 8 آخرين اثر انقلاب سيارة ربع نقل بالإسماعيلية    هشام حافظ: الاستمرار على القمة هدف سيدات مودرن سبورت.. ومواجهة الأهلي صعبة    تصل ل 9100 جنيه.. تفاصيل زيادة أسعار الانتقال بسيارات الإسعاف والفئات المعفاة منها    وزارة الأوقاف تطلق برنامج الورد اليومي للقرآن الكريم على منصاتها الإلكترونية    في 15 نقطة .. تعرف على أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    خبير أمن معلومات يكشف خبايا ألعاب المراهنات وخداع الأطفال    أهمية صلاة الاستخارة وكيفية تأديتها وأفضل توقيتاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأيديولوجيا حين تصطنع الهوية وتُفارق الحقيقة: الصهيونية كمثال دال

يمكن تعريف الأيديولوجيا السياسية بأنها منظومة من الاعتقادات المعبرة عن مجموعة من الرؤى والمصالح والمشاعر لجماعات اجتماعية معينة، مقابل جماعات أخرى، وتتسم بقدر معين من الثبات النسبى عبر الزمن، وبالتزام قوى من طرف معتنقيها.
بعبارة أخرى، إنها تمثل النظرية وقد انخرطت فى الممارسة أو الحركة السياسية، وأنها تبلور الصورة التى ترغب الجماعة فى أن تنظر إلى نفسها وإلى الأغيار من خلالها، كمقدمة للفاعلية الحركية. أى أنها تبلور ما يعرف بالهوية. وتتباين الأيديولوجيات من حيث القرب أو البعد عن تمثل الحقيقة الموضوعية للكون والمجتمع، فقد تقترب اقترابا شديدا من تلك الحقيقة لدرجة التطابق النسبي، وقد تبتعد عن الحقيقة ابتعادا تاما لدرجة صيرورتها نوعا من «الوهم». وهذا الأخير هو ما نجده منطبقا على الأيديولوجية الصهيونية، على سبيل المثال الدال، كما سوف نرى.
ونحن نرى أن الأيديولوجيا يمكن أن تكون (ثورية) كما قد تكون (رجعية)، وهى فى الحالين تطبع صورة الهوية القومية أو الطبقية أو «الجماعوية» على صفحة الفكر ذى الطابع الفلسفى، لتعبر عن رؤى ومصالح ومشاعر مندمجة فى كلٍ عقائدى ملتحم.
بهذا المعنى نرى أن الصهيونية هى أيديولوجية قبل أن تكون حقيقة تاريخية، وهى أيديولوجية رجعية بالتأكيد.
وتعتبر الأيديولوجيا الصهيونية الرجعية ردة فعل إزاء ما سمى بالمشكلة اليهودية فى أوروبا خلال العصور الوسطى والشطر الأكبر من العصر الحديث وخاصة خلال القرن التاسع عشر. ومنذ البداية شكلت مخرجا لكل من العنصرية الأوروبية شرقيها وغربيها، ونظيرتها العنصرية اليهودية المتعلقة بأذيال رأس المال المالى الأوربى والإقراض الربوى على المستويين العالمى والمحلى، وذلك عن طريق محاولة تحويل اليهود من أقلية مظلومة أو مسودة إلى أقلية سائدة أو ظالمة.
هكذا تخيلت الأيديولوجيا الصهيونية منذ بداياتها صورة الأقليات اليهودية فى أوروبا كشعب يبحث عن (سَكَن أو موطن قومى) National Homeland وفى هذا السياق تم التواصل بين قيادات منظمة «الاتحاد الصهيونى» والسلطات البريطانية المنتدبة استعماريا على فلسطين، من قبل «عصبة الأمم»، وذلك حتى تم صدور «تصريح بلفور» (الإجرامى) البريطانى عام 1917 الموجه من الوزير بلفور، عن طريق اللورد روتشيلد، إلى منظمة «الاتحاد الصهيونى» Zionist Federation. وكان ذلك لصالح إقامة (سكن وطنى أو موطن قومى) ل(الشعب اليهودى) فى فلسطين Establishment in Palestine of a National home for the Jewish People. وبعد ثلاثين عاما تحول «الموطن» المزعوم إلى «إقليم دوْلتى» عام 1948 وداخل فلسطين بالذات.
ومن ضم الإقليم المنتزع على امتداد ثلاثين عاما، إلى ساكنة فلسطين الغزاة الجدد من المهاجرين اليهود المستوطنين، وإلى الحكومة التى كونتها «ميليشيات» المستوطنين الغازين، تتكون (الدولة) بمفهومها السائد فى علم السياسة الغربى، ذات العناصر الثلاثة (الحكومة والسكان والإقليم).. هى إذن الدولة State ولكنها ليست أية دولة، وإنما هى (دولة يهودية) وإن شئت فقل «دولة لليهود» بمقتضى قرارات (الأمم المتحدة)، وبالتحديد (قرار تقسيم فلسطين) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقم 181 لسنة 1947) إلى دولتين: يهودية وعربية. وقد ابتلعت الدولة اليهودية فيما بعد الدولة العربية المفترضة ابتلاعا تاما.
***
وغلفت مقتضيات الأيديولوجيا وقائع التقسيم، فطورت مصطلح «الدولة اليهودية» إلى «دولة يهودية ديموقراطية» تسمى بالعربية إسرائيل، وهو ما ورد فى وثيقة إعلان (قيام الدولة) المزعوم والمسمى فى الأيديولوجيا (إعلان الاستقلال)، وترتب عليه طلب الاعتراف من أعضاء المجتمع الدولى، ثم طلب العضوية فى (الأمم المتحدة). واستند قرار قبول العضوية تلك ( رقم 273 لسنة 1949) إلى قبولها «قرار التقسيم» آنف الذكر، المتضمن إقامة (دولة عربية)، والقرار 194 لعام 1948 للجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص قضية اللاجئين.
اصطنعت الأيديولوجيا الرجعية إذن هوية ديمقراطية للدولة اليهودية، ولم تجد تناقضا بين الهوية المؤدلجة هكذا وبين تطبيق «الحكم العسكرى» إزاء أهل فلسطين لنحو ثلاثة عقود زمنية، معتبرة إياهم فى أفضل الأحوال من قبيل السكان الأصليين Natives على غرار شعب الهنود الحمر فى أمريكا الشمالية قبل «إعلان الاستقلال» للولايات المتحدة الأمريكية عام 1776.
وقد دلت التجربة التاريخية للممارسة الصهيونية فى فلسطين (أى تفاعل الأيديولوجية مع الواقع) على أن هوة التفارق بين الأيديولوجيا والواقع غير قابلة للردم أو التجسير. فالأيديولوجيا ترسم صورة هوية (قومية) لشعب ليس بشعب: (الطوائف اليهودية القادمة من أقطار الأرض الأربعة تحت مسمى رمزى: «الشتات» أو «الدياسبورا»). أما الواقع فمفعم بالمقاومة، سواء أثناء وبعد 1948، ثم على إثر توسيع رقعة الواقع الاحتلالى عام 1967 ليصبح اليهود هم العدو.
من وجهة نظر العرب، بعد أن كان العرب بمقتضى الأيديولوجيات والممارسة الصهيونية هم «العدو» من قبل. تجسم الاحتلال إذن ليصبح عدوا. ومن قلب «العداء الإسرائيلى»، نشأت منذ منتصف السبعينات بعد حرب أكتوبر 1973 مصريا وسوريا عملية «الأسرلة» أى العمل على تحويل العرب من أهل فلسطين الباقين فى بلادهم إلى «مواطنين إسرائيليين» فى دولة تزعم أنها «لكل المواطنين».
***
وفى ظل تكثف الاستيطان الصهيونى فى الضفة الغربية و«القدس الكبرى» بعد 1967، برزت صورة الواقع المعاندة للأيديولوجيا. ولأول مرة يتجسد الواقع فى صورة مرآوية للهوية الفلسطينية، على مرتكزات المقاومة متعددة الأشكال، والمتجددة، فى الضفة وغزة، خاصة غزة، ومرتكزات الديموغرافيا المتحولة فلسطينيا عن طريق قلب المعادلة السكانية بين العرب واليهود ليتجه إلى تعادل تقريبى بعد اختلال (سبعة ملايين نسمة تقريبا لكل، داخل حدود فلسطين التاريخية).
الهوية الفلسطينية، بادئة بقدر متواضع من مساحات وأعماق الإيديولوجيا الثورية، امتدت وتجذرت عبر الزمن، لتصنع (واقعا) مغايرا: حيث الاستيطان يبتلع الأرض، ولكن على العكس من ذلك يزيد كم ووعى البشر. سقطت إذن معادلة «الإبادة» الأمريكية للهنود الحمر (من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر) حين تم إلغاء البشر مع الاستيلاء على الأرض .
هنا فى فلسطين يحدث العكس: تنزع ملكية الأرض ويغزوها (العدو)، بينما أن (الآخر – العدو أيضا) لا يُنتزع ولا يتم تأثره سلبيا بصورة جوهرية بفعل الغزو، وإنما ينمو. فى ظل هذا الواقع الذى تجسد على وقع الانتفاضة الثانية، ومن بعدها بنحو عشر سنين، بدأت الدوائر الأشد تأدلجا فى المعسكر الصهيونى تطرح، منذ 2013، مشروعا لتحويل صورة الأيديولوجيا الوهم إلى قانون مشرع ذاتيا، يضعه يهود إسرائيل لأنفسهم، لحماية (الذات) من (الآخر العدو) .إنه مشروع القانون الذى طرح على برلمان (الدولة) ليؤكد اليهود فى إسرائيل لأنفسهم هوية اصطنعتها الأيديولوجيا، أنهم يهود ويظلون كذلك، وكذا دولتهم: دولة يهودية بالذات، مع استبعاد كلمة «ديموقراطية» من تعريفها.
هذا هو فحوى مشروع القانون الذى تم إقراره بأغلبية ضئيلة مع ذلك فى (الكنيست) صبيحة يوم 19 يوليو 2018 أو يوم 18 يوليو مساءا، (إسرائيل كدولة قومية (دولة أمة (Nation State للشعب اليهودى.
بذلك تخيلت الأيديولوجيا هوية قومية قائمة على الإنتماء الدينى، أمه دينية، إن شئت، أمة يعلن قيامها بقانون. وهل تنشأ الأمم بقانون؟ أم أن «تكون الأمم» هى عملية تاريخية معقدة طويلة الأجل، لدرجة أن من المشكوك فيه أن يُعتبر «الأمريكيون» «أمة» بالمعنى العلمى، من وجهة نظر العديد من دارسى الأمم والقوميات المعاصرة.
***
الأيديولوجيا إذن شرعت لنفسها صورة قانونية للهوية: إسرائيل كدولة أمة للشعب اليهودى: Israel as the NationState of The Jewish People دولة أمة، لشعب يقيم على أرض غيره ويسميها «أرض إسرائيل»، التى يعرفها صهيونيون كثر بأنها تشمل عبريا: (يهودا والسامرة) كامل الضفة الغربية. أما «أهل فلسطين» فهم خارج (الدولة الأمة) لأنهم خارج الأمة، وليسوا من الشعب فى دولة ليست لكل مواطنيها. إنها إسرائيل التى لم تعد تعمل على تعميم (أسرلة) السكان وإنما تعمل على تقسيمهم إلى شعبين: شعب يهودى ليس بشعب ملتحم فى الحقيقة بالمعنى السوسيولوجى التاريخى، وشعب عربى هو عين الحقيقة.
إسرائيل إذن لم تعد هى إسرائيل، إذ يقرر مصيرها طائفة من السكان دون غيرهم، لهم لغتهم الرسمية وأعيادهم ورموزهم، دون سواهم. وإسرائيل هذه (غير الإسرائيلية) أُعلنت، وشرعت لنفسها من هو «الأنا» ومن هو «الآخر العدو»، حين اصطنعت لنفسها أيديولوجيا تعكس على مرآة ذاتها هوية مخصوصة متطابقة مع النزعة «العدوانية» نحو الخارج.
فإلى أين تتجه تلك الأيديولوجيا بأصحابها؟ وإلى أين يذهب مسار الهوية التى اصطنعتها الأيديولوجية اصطناعا، فى تعارض كلى مع الواقع؟
هذه هى المسألة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.