مع ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول ومستويات المعيشة، تصبح مهنة الرفا ملاذا لكثير من المواطنين الذين يحاولون توفير أكبر قدر ممكن من الأموال من أجل أمور أساسية أكثر فى حياتهم من الملابس مثل الطعام والشراب والأدوية. قضى محمد عبدالوهاب أكثر من نصف عمره فى مهنة الرفا التى أصبح زبائنها لا يقتصرون على محدودى الدخل فقط، بل إن أكثرهم من الأغنياء. «بيجينى ناس راقية وممثلين وكمان ناس تعبانة جدا، والأكتر الزبائن الراقية لأن بيكون عندهم ملابس غالية، بدلة مثلا تمنها ألف ونص تتلسع منه بالمكواة يجيبها صاحبها عشان نرفيها». بهذه الكلمات وصف عبدالوهاب نوعية الزبائن التى تترد على محله الصغير فى منطقة الدقى، موضحا أنه يتعامل مع الجميع بنفس الأسلوب والأسعار التى تختلف على حسب حجم القطع أو المشكلة الموجودة فى الملابس. ويشير عبدالوهاب، وهو يسحب من البنطلون خيطا ليبدأ فى عمله الدقيق فى رص الخيوط بجوار بعضها البعض ليخفى القطع به، إلا أن تأزم ظروف المعيشة أدى إلى زيادة الزبائن الراغبين فى رفى ملابسهم ليوفروا ثمن شراء قطعة بنطلون أو قميص جديد، يقول عبدالوهاب «تكلفة الرفى من 5 إلى 10 جنيهات حسب القطع، وبدل ما الواحد يشترى بنطلون ب50 أو 100 جنيه، العشرة جنيه بتحيى له البنطلون، ويأخده وينبسط بيه». عبدالوهاب (46 عاما) بدأ العمل بمهنة الرفا منذ 26 سنة، ويأتى يوميا من بنى سويف ليستمر فى العمل من الساعة العاشرة صباحا حتى الثامنة مساء طوال الأسبوع ماعدا يوم الجمعة، ويتشارك الدخل مع صاحب المحل الذى ورث المكان والمهنة عن والده الذى بدأها منذ 45 عاما وخرج من تحت يديه الكثير من حرفيى المهنة الذين افتتحوا متاجر جديدة فى مناطق راقية مثل المهندسين والزمالك. ويشير عبدالوهاب إلى أن مهنة الرفا موجودة فى دول أخرى غير مصر مثل الأردن والعراق لكنها لا تكون ناجحة فى دول الخليج الأخرى «لأن حالة الناس هناك مستريحة وأى حاجة بتتقطع يرموها ويشتروا غيرها، غيرنا إحنا هنا عشان المعيشة بنضطر نصلح الملابس التى تتقطع». ويؤكد عبدالوهاب أن الشىء الوحيد الذى تغير منذ أن بدأ العمل فى هذه المهنة هو تراجع عدد العاملين بها مع خوف الأجيال الجديدة على فقدان قوة البصر لاعتماد المهنة بشكل أساسى على النظر والدقة و«طول البال» فى استخدام الخيوط بطريقة لا يظهر معها نسيج القماش كأن شيئا لم يتغير به. ورغم قلة عدد «الصنايعية» فى مهنة الرفا حاليا فإن هذا لم يؤثر كثيرا على دخل المحل الذى يعمل به عبدالوهاب، فهو يحاول مع صاحب العمل أن يراعوا الظروف المعيشية للناس علشان يربوا زبون، «ولكن هناك صنايعية رفعوا الأسعار فى بعض المناطق الراقية. ولم يحدد متوسطا لدخله من هذه المهنة لأنها تعتمد على «الرزق بتاع ربنا»، وإن كان يؤكد أنه يكفيه ليعيش هو وأسرته حياة كريمة. وعن تأثير محال الرفا الجديدة على عمله، يؤكد عبدالوهاب أنه «لا يذكر» بل بالعكس، حيث ساعدت على زيادة الزبائن لأن هذه المتاجر الجديدة تعتمد على استخدام «البودرة» التى تتسبب فى جفاف الملابس وسهولة قطعها مرة أخرى مما يضطر الزبائن لإحضارها له مرة أخرى ليصلح ما فسد، «وفى الحالة دى بتكون الأجرة أعلى لأننا لازم نقص مكان البودرة خالص ونضع مكانها جزءا من الملابس مأخوذ من مكان غير ظاهر ونرفيه مع النسيج، وبكده القطع بيكون أكبر». ويوضح عبدالوهاب أن مهنته تعتمد بشكل أساسى على العمل اليدوى بالخيط والإبرة حتى فى المحال الجديدة، ولا يوجد أى آلات جديدة أو ماكينات يمكن أن تعوضهما، مؤكدا أن «اللى يقول غير كده يبقى كداب»، وبعد الخيط والإبرة تأتى المكواة لفرد النسيج بعد الانتهاء من العمل، ثم ماكينة التفصيل لإعادة خياطة الأماكن غير الظاهرة من الملابس التى تم استقطاع قطع منها لاستخدامها فى إصلاح أماكن أخرى. فصل الشتاء هو أزحم المواسم بالنسبة للرفا، كما يقول عبدالوهاب، وذلك بسبب حشرة العتة التى تصيب الملابس المخزنة بطريقة خطأ بالثقوب، حيث يوضح أن هذا النوع من المشاكل يكون الأكثر إرهاقا، لأنه يصيب النسيج فى أكثر من مكان وقد يصل عدد الثقوب إلى 30 أو 40 ثقبا مما يلزمه البحث عنها كلها لإصلاحها، ويكون الأجر حسب العمل الذى قد يستغرق يوما كاملا ويتكلف بحد أقصى 70 جنيها. وعن نوعيات الأقمشة والفرق بينها وبين الماضى، يشير عبدالوهاب إلى أن الأنواع الحديثة أصبحت تحتوى على نسبة أكبر من البوليستر، وهو ما يستدعى مجهودا أكبر فى العمل «خصوصا لو فى لمعة فى الفتلة بتطلع عينى عشان أطلعها فى الشغل، غير لما يكون قماش صوف أو قطن بيكون معروف الطول والعرض فيه». كما يحذر عبدالوهاب من شراء الملابس خلال الأوكازيونات، حيث إن بعضها يكون معروضا فى واجهات المحال ومعرضا للشمس لفترة طويلة مما يتسبب فى أن «يشيط القماش» ويؤدى إلى تمزقه. وتعتمد إمكانية التعامل مع هذه النوعية من المشكلات على حسب حجم القطع، فإذا كانت قطعة صغيرة يكون علاجها ممكنا، لكن لو كبيرة «أنصح الزبون بالرجوع لصاحب المحل وإعادة الملابس». عبدالوهاب أب لثلاثة أبناء أكبرهم حاتم بالعام الرابع الابتدائى ويبدو أنه ورث حب المهنة من والده، فعندما يذهب معه للمحل ينطلق إلى ماكينة الخياطة ليتعلم، ورغم أن الأب حريص على أن يحصل ابنه على شهادة أكاديمية فإنه ينوى أن يبدأ فى إجازة نهاية العام القادم فى تعليمه أصول مهنة الرفا «لأنه دلوقتى مفيش وظائف فى البلد والصنعة دى هاتعينه على المعيشة». الرفا بالنسبة لعبدالوهاب ليست مجرد مهنة يعتمد عليها لضمان دخل ثابت له ولأسرته لكنها حسب وصفه «فنا أكثر من أن تكون لقمة عيش، نرص النسيج جار بعضه ونرجع الهدوم لشكلها الأصلى»، على عكس مهنة الترزى الرجالى التى امتهنها منذ 26 عاما وتركها بعد أن وقع فى عشق مهنة الرفا.