بعيدا عن توقعات حدوث تغيير وزارى بعد عطلة عيد الفطر المبارك، كشفت دراسة علمية حول المشكلات التى يعانى منها نظام التعليم فى مصر، أن من بين الأسباب التى تؤدى إلى إفشال أفضل الخطط التعليمية: وقوع أحداث غير متوقعة ومنها تغيير الوزير. الدراسة صدرت من مكتب منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسف) الإقليمى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن تجربة مبادرة تعليم النبات فى مصر.. والتى أعدها الباحث رونالد سولتانا. وذكرت الدراسة أن من بين تلك الأسباب أيضا تدخل أشخاص لم يكونوا فى الحسبان، مثل ترقية الشخص الذى يقود العمل إلى منصب أعلى أو النضوب المفاجئ لأحد مصادر التمويل، بالإضافة إلى أسباب كثيرة أخرى لا يمكن التنبؤ بها، بما يعرض المنجزات التى تحققت بعد عناء إلى الضياع أو الارتداد، ولهذا ليس هناك وصفات جاهزة حسب الدراسة حينما يتعلق الأمر بالتعليم فى المدرسة. وتشير الدراسة إلى أن من بين المشكلات السياسية فى نظام التعليم فى مصر تلك البنى الإدارية المركزية التى تتصدى للابتكار وللمرونة، وحتى عندما يوجد نوع من اللامركزية فإنها تأخذ دور «تحويل» الأعباء إلى الوحدات الإدارية المحلية بدلا من (إعطاء الصلاحيات) لهذه الوحدات المحلية منذ البداية. وتوضح الدراسة أن من بين مساوئ نظام التعليم فى مصر طريقة التقييم الإجمالية التى يبدو أن غرضها هو الانتقاء وتغيير مسار الطلاب بدلا من الاهتمام بتكوين الطالب وإعداده، فهدف الامتحانات الإعدادية هو تقليل أعداد الطلاب المتجهين للمرحلة الثانوية، واستخدام مسارات التعليم الفنى (كمستودع) لتفريغ الطلاب الراسبين. ويضع الباحث يده على مشكلة عميقة من مشكلات التعليم فى مصر يشترك فيها أولياء الأمور والمعلمون والإدارة المدرسية والتعليمية معا وهى هوس «النخبة» بسبب وجود نظام تعليمى خاص تم حكره على الأقلية، وآخر حكومى أقل نوعية متاح للأغلبية، وهو موروث مستند تاريخيا لنظام يضمن التميز للبعض، ويؤدى فى نفس الوقت إلى أعداد غفيرة من الطلاب (الساخطين) الذين ينتمون لطبقة اجتماعية معينة، بالإضافة إلى نقص كوادر التدريس المدرسية وعدم التمتع بالإدارة الذاتية لمديرى المدارس، وعدم حصول المعلمين على ما يكفى لتشجيعهم على تحديث ممارساتهم التدريسية. ويوضح الباحث أن اختلالات العدالة فى تعليم جيد النوعية للجميع لاتتوقف فقط عند ثنائية التعليم العام والخاص، وإنما أيضا قلة فرص الحصول على التعليم لسكان المناطق النائية، فالانفاق على التعليم فى مصر منحاز لصالح الفئات السكانية الثرية، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالى «40 %» من الانفاق الحكومى الكلى يخصص للفئات السكانية الأعلى دخلا، بينما لا تتلقى الفئات السكانية الأقل دخلا سوى 7 % «تقرير اليونيسيف حول وضع الطفولة فى مصر»، ومازالت هناك فجوة بين الاناث والذكور فى نسب الالتحاق بالمدرسة خاصة فى الصعيد وفى الريف بشكل خاص. ولا تنكر الدراسة الجهود التى تبذلها مصر لمواجهة مشكلات التعليم، فقد حددت وزارة التربية والتعليم استراتيجية تبنى نظام لامركزى يستند إلى المشاركة المجتمعية كركن أساسى، وإعداد المواطنين لمجتمع معرفى ضمن عقد اجتماعى يستند إلى الديمقراطية والعدالة، اعتمادا على ستة محاور محددة تشمل تطبيق التعليم المدرسى الفعال من خلال تفضيل الأساليب التدريسية للتعلم النشط وترسيخ التميز فى التدريس وفى الإدارة التعليمية، وتطوير المناهج وإدماج التكنولوجيا التعليمية، وتعزيز المشاركة المجتمعية، وتطبيق اللامركزية ضمن إطار واضح وبيئة مدعومة بالموارد، ومعايير وطنية لضمان التعليم الجيد للجميع، ودعم المبادرات الناجحة وتعميمها مثل مبادرة تعليم البنات، وتقوية المشاركة مع الجهات المختلفة كأداة أساسية لبلوغ الأهداف، ومنها الشراكة مع اليونيسيف فى مبادرة مدارس المجتمع التى بدأت منذ عام 1992 فى محافظات صعيد مصر، لتوفير فرص التعليم فى المناطق النائية التى يصعب الوصول إليها، والتى يوجد فيها أعداد صغيرة من الأطفال فى سن المدرسة، وتوفر هذه المدارس صفوفا متعددة المستويات الدراسية، وتستخدم أساليب التعلم النشط الذى تقوم بتطبيقه ميسرات مدربات خصيصا على هذا النوع من التدريس، بالإضافة إلى استنادها لمشاركة المجتمع المحلى. لكن بعض مشكلات التعليم مازالت صعبة المواجهة مثل مشكلة «بناء المدارس» ففى ظل الحاجة إلى تشييد «885 .243 ألف» غرفة مدرسية «فصل دراسى» على مدى السنوات الخمس القادمة، هناك هدف آخر يتسلل فى إلغاء المدارس المتعددة الفترات، هذا إلى جانب مشكلة «الكثافة الفصلية» أى عدد الطلاب فى الفصل والذى يبلغ معدله «41» طالبا على مستوى التعليم الأساسى، كذلك مشكلة نقص عدد المعلمين والمعلمات، فهناك قصور يقدر بنحو «743. 86 ألف معلم لقطاع التعليم الابتدائى وحده، إضافة إلى نقص مقداره 564 .18 ألف معلم للمرحلة الاعدادية، وتواجه وزارة التربية والتعليم محددات مالية تقيد مقدرتها على التصدى لكل هذه القضايا ومعالجتها. إضافة إلى هذا تبين الدراسة أن الركود الاقتصادى قد أجبرالحكومة على الشروع فى بعض تدابير استرداد الكلفة فى التعليم بما فى ذلك إعادة فرض رسم الخدمات التعليمية منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، ومع أن مبلغ هذا الرسم صغير القيمة فإنه فى الواقع يتجمع ليزيد على «20» جنيها شهريا، ويعد عاملا مثبطا رئيسيا للأسرة الفقيرة، خاصة إذا كان لدى هذه الأسر أكثر من طفل واحد فى سن الالتحاق بالمدرسة. وتؤكد الأدلة الدولية على حقيقة مفادها أنه حينما يتم تقاضى رسوم مدرسية، يقل عدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة، وأنه حينما تجبر الكلفة أهالى الطلاب على الاختيار فمن المحتمل بدرجة أكبر أن يختاروا إلحاق أبنائهم دون بناتهم بالمدرسة، وتقدر بعض المنظمات ومنها اليونيسيف إجمالى عدد البنات فى الفئة العمرية «6-11» عاما، غير الملتحقات بالمدارس فى مصر بحوالى «650» ألف فتاة. ويرصد البحث أن مناهج وأساليب التدريس تركز على الحفظ دون فهم بدلا من أن تركز على التفكير الناقد وتشدد على التغطية الشاملة للموارد بدلا من التركيز على الانفاق، بمعنى آخر تركز على معرفة «أن» و«كيف» بدلا من معرفة «لماذا» أى لا تركز على المهارات إلى جانب عدم الأخذ فى الاعتبار احتياجات التعليم لدى الطلاب وعدم تشجيع تطوير عملية التعليم الذاتى أو تيسيرها، ولم يفلح استخدام بعض المدارس لتكنولوجيا المعلومات فى تغيير أساليب التعليم والتدريس.