شهد شهر رمضان هذا العام منافسة قوية ومكثفة بين شركات التليفون المحمول الثلاث، فكل واحدة من الثلاثة لم تبخل فى إعداد حملة إعلانية كبيرة، تشتمل على أكثر من عرض وتنتشر فى جميع القنوات المصرية والفضائية.. تخفيضات، ومبادرات خيرية، إعلانات تتنوع بين استخدام الجنجل (استخدام لحن أغنية مشهورة فى الإعلان واستخدام كلمات أخرى) فى إعلانات موبينيل، والاعتماد على روح الدعابة فى إعلانات اتصالات وفودافون. شهر رمضان، وفقا لحمدى الليثى، خبير الاتصالات ومدير العلاقات الحكومية بشركة «فودافون»، يؤمن نسبة مشاهدة عالية للإعلان، والدعاية خلاله تصل إلى أكبر عدد من الجمهور والمستهلكين، خاصة مع التفافهم حول التليفزيون لمشاهدة المسلسلات والأعمال الرمضانية، لذلك تستعد له الشركات جميعا بطريقة خاصة. ومع المنافسة الشرسة فى السوق، وفقا له، لا تستطيع أى شركة من الثلاثة «الابتعاد عن حلبة المنافسة» لان ذلك سينعكس عليها بالسلب. أصبح التليفون، مثل الغذاء والصحة، شيئا أساسيا لا يستغنى عنه المواطن، حتى فى وقت الأزمات، وفقا لمحمد حمدى، محلل اتصالات فى سى أى كابيتال، الذى أشار أن شركات المحمول الثلاث على دراية جيدة بذلك، ومن ثم فهى تحاول أن تستغل أى من المواسم والمناسبات لتقديم عروض تجذب الشرائح المتبقية من المجتمع المصرى. العروض على سبيل المثال، أعلنت الشركات الثلاث مع بداية الشهر الكريم تخفيض سعر الدقيقة ليصل إلى 5 قروش للدقيقة. ولا تقتصر هذه النوعية من العروض على شهر رمضان فقط، بل هناك خطة تسويقية لكل شركة منها، كما أوضح أحد العاملين فى قسم المبيعات فى شركة موبينيل، طلب عدم ذكر اسمه، لاستغلال المناسبات والأعياد فى تقديم عروض وتخفيضات لأن ذلك، بحسب كلامه، يحثهم «أكثر على التحدث والشراء، وهذه الزيادة فى الاتصالات أو فى الإقبال على الشراء نتيجة العروض، تعوض التخفيضات بل تتعداها فى كثير من الأوقات»، بحسب تعبيره. العمرة أيضا تحولت إلى مجال للمنافسة. فقد أعلنت شركة اتصالات مصر تقديم عرض يسمح للمعتمرين خلال الشهر باستقبال المكالمات طوال اليوم ب50 قرشا للدقيقة، بينما قدمت شركتا فودافون مصر، وموبينيل عرضا يمنح المستخدم ست دقائق تجوال مجانية فى أى عشرة أيام من رمضان مقابل ثلاثة جنيهات. وكانت كل شركة من الشركات الثلاث تعاقدت مع مشغل فى المملكة العربية السعودية للتمكن من تقديم خدمة التجوال الدولى، موبينيل مع زين، واتصالات مع موبايلى، وفودافون مع السعودية تيليكوم. و«لك أن تتخيل أعداد المعتمرين والحجاج ورغبتهم فى الاطمئنان على أهلهم»، يقول الليثى مشيرا إلى أن الدعاية المكثفة خلال شهر رمضان والعروض المخفضة فى المواسم والمناسبات تؤدى إلى زيادة جيدة فى أعداد المشتركين الذين يطمعون فى الاستفادة من هذه العروض المخفضة، بالإضافة إلى زيادة فى نسب الاستهلاك من المشتركين القدامى لنفس السبب. ميزانيات كبيرة لكن لابد منها تخصص الشركات إذن ميزانيات كبيرة للإعلان فى رمضان، ولكن ذلك لأن هذه العروض تعوض فى نهاية العام المبالغ الكبيرة التى تتحملها ، كما يقول الليثى، «فحين تقوم الشركات بحساب هذه الزيادة فى نهاية كل عام مالى وتقارنه بحجم وتكلفة الدعاية التى قامت بها على مستوى العام كله، تجد أنها بالتأكيد تحقق أرباحا تعوض تكلفة الإعلانات»، بحسب كلامه. وينفى الليثى أن تكون السوق قد اقتربت من حالة التشبع بعد، فوفقا له مازال هناك على الأقل 15 مليون مشترك جديد يمكن أن يضافوا إلى سوق المحمول حتى تدخل السوق فى هذه المرحلة. وقد وصل إجمالى عدد المشتركين فى خدمات التليفون المحمول لدى الشركات الثلاث العاملة فى مصر إلى 50 مليونا، حسب أحدث بيانات وردت على موقع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات. ووفقا لتقديرات بنك الاستثمار فاروس، مازال من المتوقع أن يشهد قطاع الاتصالات نموا خلال الفترة القادمة، ولكن بمعدلات أبطأ من السنوات السابقة، «لأن الشرائح التى لم تتم تغطيتها بعد، سواء بالخطوط، تتركز فى أصحاب الدخول المنخفضة، ومن غير المرجح أن تضيف كثيرا لعدد المستخدمين للخدمات أو للإيرادات»، على حد تعبير تقرير له عن القطاع صدر قبل شهور قليلة. المبادرات الخيرية... كارت تسويق إضافى لم تكتف شركات المحمول بالعروض والتخفيضات، بل لجأت إلى كارت آخر فى التسويق لمنتجاتها وهو إطلاق المبادرات الخيرية، لما يكون لها «من وقع سريع وقوى على المستهلك المصرى»، كما يقول الليثى، خاصة أن هذه العروض يتم إعفاؤها من الضرائب. فقد بدأت فودافون تقديم خدمة جديدة للصم والبكم عبر خاصية الفيديو كول للتواصل بلغة الإشارة، وتقدم فودافون الخطوط بأسعار مدعمة 20 جنيها للخط،و20 قرشا للدقيقة بشرط توافر شهادة من وزارة التضامن الاجتماعى. أما موبينيل، فقد أطلقت مبادرة لتمويل المشروعات متناهية الصغر، بالتعاون مع جمعية شباب الأعمال، ومؤسسات التضامن للتمويل الأصغر، وجمعيتى الأورمان، وأنا المصرى الخيريتين. والحملة تقوم على فكرة التبرع بجنيه واحد عند إجراء أى معاملات سواء عند شحن الرصيد، أو سداد الفواتير، أو شراء منتجات الشركة، لصالح صندوق يخصص لتمويل مشروعات صغيرة لغير القادرين. ويبدو أن هذه الحملات التسويقية والتخفيضات الإعلانية التى شنتها شركات المحمول هذا العام «بشكل مكثف» أكثر من كل عام قد حركت السوق. فوفقا لمحمد البربرى، صاحب محل لبيع خطوط أدوات الموبايل، فإن رمضان الحالى يشهد إقبالا على شراء خطوط جديدة بعد بعض التراجع منذ نهاية العام الماضى نتيجة للأزمة. «السوق كانت نايمة»، كما جاء على لسانه مشيرا إلى أنه مع بداية رمضان بدأت السوق تتحرك من جديد، فالغلبان سهل تجيب رجله بعرض مخفض علما بأنه ممكن يدفع بعد كده أكثر من اللى حيدفعه فى الأول، ولكن المهم ازاى تقنعه فى الأول»، يقول البربرى، قائلا إنه حقق زيادة فى مبيعاته تتراوح بين 20 و30% منذ بداية رمضان. «نعم، سأقوم بشراء خط جديد لابنى فى الوقت الحالى»، تقول سهير الشافعى، ربة منزل، قائلة إن ذلك يسهل لها الاطمئنان على ابنها، الذى يبلغ عمره 10 سنوات، كما أنه فى نفس الوقت لن يكلفها كثيرا مع العروض الجديدة وتخفيض سعر الدقيقة. الشافعى، وإن كانت تمثل شريحة كبيرة من المجتمع المصرى، تجرى وراء الاستفادة من العروض، فهى لا تمثل الكل، فهناك أيضا مستهلكون، مثل إسماعيل النجار، موظف، لا يثقون فى هذه العروض قائلا «هذه العروض ليست إلا خدعة تقوم بها الشركات لتجر رجل المواطن، ومين يعرف بعد كده سعر الدقيقة كام وازاى يتم حسابها»، يقول الشافعى موضحا أنه قد «انجرف» وراء هذه العروض من قبل وتكبل مبالغ ضخمة دون أى تفسير لها. وكان عمرو بدوى، رئيس مرفق الاتصالات، هو الآخر قد شكك فى صحة وفاعلية هذه العروض كاشفا أن هذه التخفيضات لا يتم تفعيلها إلا ابتداء من الدقيقة الثالثة، وهو الأمر الذى لم تفصح عنه أى شركة من الثلاث فى حملاتها الإعلانية، وإن كان ذلك وفقا لبدوى يقلل من الشريحة المستفيدة من العروض ويقلل من مصداقية الحملة.
