ما هو المكان الذي تحتله الشريعة الإسلامية أو ( القانون الإسلامي) في القضاء الغربي خصوصاً في بلدين يعيش فيهما العدد الأكبر من المسلمين( فرنساوبريطانيا)؟ ولابد من الإشارة بأن تعداد المسلمين في فرنسا بشكل تقريبي من 5 إلى 6 مليون؛ أما في بريطانيا فهو أكثر من 2.7 مليون مسلم. وهو ما يستدعي التساؤل عن كيفية تعامل القضاء في كلا البلدين مع قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين. وبالرجوع إلى القرارات القضائية الصادرة عن المحاكم الفرنسية والبريطانية تتضح طريقة التعامل مع النصوص القانونية للشريعة الإسلامية. وتختلف طريقة التعامل أو المعالجة بشكل واضح بين البلدين. بالنسبة لفرنسا: فرنسا لم تسمح بإنشاء أية مؤسسة قضائية خاصة بالمسلمين، وتتم معالجة جميع قضاياهم أمام القضاء الفرنسي بموجب القانون الفرنسي مع الأخذ بالإعتبار القانون الدولي الخاص ليس كمرجعية دينية بل كنقطة تعارض بين القوانين. ويأخذ بنصوص القانون الإسلامي بحال مطابقتها لنصوص القانون الدولي العام. فقد يتم قبول وضع قائم ببلد مسلم مثل الطلاق أو الزواج على ألا يتعارض ذلك مع المباديء القانونية الفرنسية، ويمتلك القاضي الحرية بإستبعاد تطبيق القانون الأجنبي أو عدم إضفاء الصلاحية القانونية على التصرف المطلوب الإعتراف به كعقد الزواج أو الطلاق. ولكن التناقض لا يتم نتيجة تعارض القوانين فقط بل لابد للقاضي من مراعاة عملية دمج السكان من أصول ملسمة على الأرض الفرنسية . والجنسية الفرنسية والإقامة في فرنسا يشكلان عنصر أساسي في تطبيق القانون الفرنسي وإستبعاد القانون الأجنبي حتى ولو كان التصرف القانوني نافذ المفعول في البلد المسلم. فقد لا يعترف بتعدد الزوجات وكذلك بالتطليق من قبل الزوج دون منح حق الإعتراض من الزوجة الذي يتم في بلد مسلم ولا يتم الإعتراف إلا بعقد الزواج المُسجل في فرنسا.وفرنسا تلتزم بمبدأ العلمانية والحيادية تجاه جميع الأديان بإقصاء الدين عن الدولة وعن جميع مؤسساتها؛ ولكن هذا الإقصاء لا يتفق مع تنوع الأنظمة القضائية بين علماني وديني، مما يقود إلى أوضاع متضاربة، ورجال القانون يواجهون أكثر فأكثر صعوبات جديدة خصوصاً وأنهم على إطلاع سطحي أو غير كافي بقوانين آتية من ثقافة غريبة عن ثقافتهم القانونية. قواعد تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص الألماني، البلجيكي والإيطالي تريد إنفتاح تجاه مسألة تقبل القوانين الإسلامية؛ ولكن في فرنسا هذه القوانين تتعارض مع المفاهيم والمباديء الوطنية الفرنسية. ويبدو أن تطبيق قانون الأحوال الشخصة الإسلامي نادراً في القضاء الفرنسي، ويتم إستبعاده في كل مرة يبدو بها أنه يخالف النظام العام الفرنسي، فيبدو أن تطبيق مباديء الشريعة الإسلامية في فرنسا قد يؤدي لصدمة وردود أفعال صادمة قد تٌعيق إندماج المهاجرين في المجتمع الفرنسي. بالنسبة لبريطانيا: لا يوجد مكان في أوروبا أو شمال أمريكا له نظام أقرب للإعتراف بالأحكام الإسلامية أكثر من بريطانيا. كبير أسافقة كانتربري ورئيس الكنيسة الإنجليكانية البريطانية التي تترأسها ملكة بريطانيا الدكتور روان وليامز أقر بأن: " تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية أمر لا مفر منه" (1). وذكر المجالس الشرعية كمثال على ذلك، ورغم الإعتراضات وإنتقاد الصحافة على ذلك التعليق فإن رئيس المحاكم البريطانية اللورد فيليبس قد إتفق مع رئيس الأساقفة لاحقاً بقوله:" لا يوجد من مانع ضد تطبيق مباديء واسس الشريعة الإسلامية وجعلها ضمن وسائل التوسط في النزاعات".(2) المحاكم البريطانية تأخذ بالإعتبار أحكام الشريعة الإسلامية بصفتها قانون جميع المسلمين وتأخذ برأي خبراء معتمدين بهذا الخصوص كما تأخذ بخبرة أي خبير آخر بمجال القانون الألماني أو الفرنسي وخبرته هامة من حيث توضيح طريقة تطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين. ولقد أعتمد مشرعو القانون البريطاني لأول مرة الشريعة الإسلامية في تنظيم مسائل الميراث بين المسلمين؛ وأصدرت "جمعية القانون" دليلاً للمحامين لتمكينهم من كتابة الوصايا الإسلامية، كما وأن الأطفال المولودين خارج إطار الزوجية والمتبنيين لن يُعتبروا ورثة شرعيين، ومن الممكن حرمان أي شخص تزوج في كنيسة أو بزواج مدني غير إسلامي من الميراث حيث لا يُعترف إلا بالزواج الإسلامي. وقد شرح دليل الإرشادات الذي وُزع على المحاميين في إنجلترا وويلز تفاصيل كتابة الوصايا. ولابد من الإشارة بأنه حالياً لا تتضمن القوانين البريطانية الشريعة الإسلامية لكن تطورت شبكة من " المحاكم الشريعة" داخل الجماعات المسلمة للفصل بين نزاعات الأسر المسلمة ويُقدر عددها بحوالي 85 هيئة شرعية تعمل بطريقة غير مُقننة تنظم شؤون المسلمين بمسائل الطلاق والزواج والأرث دون التطرق للجرائم. وهذه المجالس ليست لها سلطة قانونية ولا تفرض أية عقوبات ولكن العديد من المسلمين يختارون طواعية قبول أحكامها وكذلك تشكل مرجعية قانونية غير ملزمة بالنسبة للمحاكم البريطانية. فقد يؤخذ بصحة عقود الزواج الإسلامية وتترتب عليه آثار قانونية يعترف بها القضاء البريطاني.كما وأن المسلمين في بريطانيا لهم الخيار إما باللجوء إلى القضاء البريطاني المدني أو المجالس الإسلامية الشرعية. خلال السنوات الأخيرة، قامت اللجنة الإستشارية للأقليات العرقية للدراسات القضائية، بوضع برنامج تدريبي للقضاة لمساعدتهم في فهم تقاليد الأقليات العرقية في بريطانيا، وبفضل هذا التدريب أصبح للقضاة البريطانيين إطلاع حول القضايا المطروحة عليهم والمتعلقة بالجالية المسلمة. ومن المثير للإهتمام الإطلاع على القرارت القضائية لكلا من البلدين وهو ما لايمكن التفصيل به بمقال، ولكن لابد من الإشارة إلى أنه هناك جانب صامت ولكنه شديد الحضور وهو أن المستوى الثقافي والعلمي للجالية المسلمة له تأثير على مدى قبول الشريعة الإسلامية، وهو مستوى مختلف ما بين بريطانياوفرنسا. كما وأن ظاهرة التطرف والإرهاب أثرتا وتؤثران بشكل مطرد على هذا القبول. وكذلك التناقض في قوانين الأحوال الشخصية من دولة مسلمة لأخرى تُحدث تشويش لدى النظام القضائي الغربي، ولا يمكن تقبل أحكام الشريعة الإسلامية في الغرب دون إنسجام وتوافق بين جميع الدول المسملة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية.ومن المهم الإشارة إلى دور البعثات الدبلوماسية في التعريف وتوضيح ماهية نصوص الشريعة الإسلامية والحكمة من تطبيقها وألا تكون عالماً مجهولاً بل و"مخيفاً" بالنسبة للمجتمع الغربي. وأخيراً ربما لابد من دعوة القضاة الغربيين لحضور جلسات المحاكم الشرعية بوجود مترجم لتتكون لديهم صورة أكثر وضوحاً وشموليةً عن كيفية تطبيق نصوص الشريعة الإسلامية ومحاولة التقريب في وجهات النظر القانونية في طريق قبول دخول هذه النصوص في القوانين الغربية. القضاء ليس فقط عالم ينحصر بالقضاة ونصوص القانون، بل هو عالم يتناول جميع زوايا الحياة، وهو أيضاً هوية للمجتمع وواجهة حضارية له، والقاضي ليس انسان منعزل في مكتبه بل هو الأكثر تواصلاً مع كل فئات المجتمع؛ وبهذا فإن إنفتاح القضاء العربي عامةً والأردني خاصةً على القضاء الغربي وإيجاد طرق تواصل متنوعة معه يعني تواصل ثقافي وحضاري ونفسي أعمق يُزيل وبجدارة الوصمة السوداء التي تركها الأرهاب في العقلية الغربية. * Archbishop's Lecture at the Royal Courts of Justice, Civil and Religious Law in England (Feb.7, 2008) * Lord Phililips, Lord Chief of Justice of Eng. And Wales, Speech at the East London Muslim centre: Equality Before the Law (July .3, 2008)