لقد اختلف الدارسونَ والنقادُ في تبيانِ مفهومِ البنيويةِ، حتى البنيويون أنفسُهم نجدُهم يوردون لها تعريفاتٍ مختلفةً(1)، وهي في معناها الواسع "طريقةُ بحثٍ في الواقعِ ، ليس في الأشياءِ الفرديةِ بل في العلاقاتِ بينَها " وهذا ما ذهب إليه جان بياجه وغيره . ويرى (ليونارد جاكسون) أنَّ البنيويةَ هي"القيامُ بدراسةِ ظواهرَ مختلفةٍ كالمجتمعاتِ، والعقولِ، واللغاتِ، والأساطيرِ، بوصفِ كلٍّ منها نظامًا تامًا، أو كلاً مترابطًا، أي بوصفِها بنياتٍ، فتتمُ دراستُها من حيثُ أنساقُ ترابِطها الداخليةُ، لا من حيثُ هي مجوعاتٌ من الوحداتِ أو العناصرِ المنعزلةِ، ولا من حيثُ تعاقبُها التَّاريخي"(2). والبنيوية (Structuralism) مذهب من المذاهب التي سيطرت على المعرفة الإنسانية في الفكر الغربي، مؤدَّاه الاهتمام أولاً بالنظام العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة بعضها ببعض على حساب العناصر المكوّنة له. ويعرف أحيانًا باسم البنائيَّة، أو التركيبيَّة(3). ويرى بياجيه أن المثل الأعلى للبنيوية هو السعي إلى تحقيق معقولية كامنة عن طريق تكوين بناءات مكتفية بذاتها ، لا نحتاج من أجل بلوغها إلى الرجوع إلى أية عناصر خارجية(4). وعليه ، فقيمة الشيء من وجهة نظر البنيوية ليس بذاته بل بعلاقاته بغيره؛ فلو لم يكن الأمر كذلك لما اختلفت وجهات النظر في النص الواحد، وكانت النتيجة واحدة، في حين نجد للنص الواحد مجموعة نصوص تتشكل ، فيخرج لكلِّ شخصٍ نصٌّ مُستقلٌ مختلفٌ عن غيره ، وهذا دليلٌ على أنَّ الشيء ليس له قيمة بذاته بل قيمته بالعلاقات مع غيره، فالسمة الأساسية للبنيوية هو: الاهتمام بالعلاقات القائمة بين الأشياء والتي تُبيِّن من خلالها قيمة الشيء، وعدم الاعتراف بالفردية والاستقلالية(5). وقد امتدَّت هذه النظرية إلى علوم اللُّغة عامة وعلم الأسلوب خاصة ؛ حيث استخدمها العلماء أساسًا للتمييز الثنائي الذي يعتبر أصلاً لدراسة النص دراسة لغوية . وكل ظاهرة تبعاً للنظرية البنيوية يمكن أن تشكل بنية بحدِّ ذاتها ؛ فالأحرف الصوتية بنية، والضمائر بنية، واستعمال الأفعال بنية… وهكذا. * البنيوية اللُّغوية : نظرية علمية تقوم على سيطرة النظام اللغوي على عناصره ، وتحرص على الطابع العضوي لشتى التغيرات التي تخضع لها اللغة(6). وأمَّا علم اللغة البنيوي (attuctural linguistics): فيشير إلى التحليل اللغوي الذي يسعى إلى تأسيس نُظمٍ واضحةٍ للعلاقات بين الوحدات اللغوية في البنية السطحية(7). * اللسانيات البنيوية(8): هي المنهجية النظرية التي تعدُّ اللسان بنية ؛ أي: مجموعة من العناصر التي تُقيم علاقات شكلية فيما بينها . وهي علمٌ يقوم على أساسِ أنَّ تحليل أيِّ عنصرٍ مِن عناصر اللغة لا يتم بمعزِلٍ عن بقيَّة العناصر في النِّظامِ اللغويِّ . وهي (أي: اللسانيات البنيوية) نظريَّةٌ تُطَبِّقُ المنهجَ الوصفِيَّ في دِرَاسَةِ اللغَةِ, فتَنْظُرُ إليها على أنَّها وحداتٌ صوتية تتجمع لتكوِّن وحداتٍ مورفولوجيَّةً (صرفيَّةً) لتكوِّنَ هذه بدورِها عباراتٍ وتراكيبَ وجملاً. * البنية عند دي سوسير : هي التي لا يمكن تعريفها إلا بالرجوع إليها بوصفها بناء أو نظاما, أي بالرجوع إلى علاقاتها الداخلية (الدال والمدلول) بدلا من علاقاتها الخارجية (سياق اجتماعي , تاريخي) لأنَّها تُوظف حسب تناقضاتها الداخلية . وعلى الرغم من أنَّ دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة "بنية" ، وإنَّما استخدم كلمة "نسق" أو "نظام" ، إلا أنَّ الفضل الأكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه هو أولاً وبالذات"(9). الحواشي: (1) ينظر: جان بياجيه ، البنيوية ، ترجمة : عارف منيمنة وبشير أوبري، ط3، بيروت، باريس، منشورات دار عويدات،1982، (ص 816) . (2) عز الدين المناصرة، علم الشعريات ، (ص 475 476) . (3) ينظر: صلاح فضل ، النظرية البنائية في النقد الأدبي ، ط2 ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980م ، (ص 187 188) . (4) ينظر : جان بياجه، البنيوية، (ص 8) وما بعدها . (5) ينظر: عبد السلام المسدي، قضية البنيوية دراسة ونماذج،تونس، دار أمية بن عروس،1991م، (ص22). (6) ينظر : زكريا إبراهيم ، مشكلة البنية ، (ص78) . (7) المسدي ، قضية البنيوية دراسة ونماذج ، (ص 370) . (8) ينظر في ذلك : مرتضى جواد باقر، مقدمة في نظرية القواعد التوليدية ٬ عمان ، الأردن ، دار الشروق ٬ 2002، (ص 1520) ، وعبد السلام المسدي ، التفكير اللساني في الحضارة العربية ، ط2 ، ليبيا، تونس ، الدار العربية للكتاب 1982م ، وعبد الرحمن حاج صالح ، مدخل إلى علم اللسان الحديث، الجزائر ، مجلة اللسانيات ، معهد العلوم اللسانية والصوتية ، جامعة الجزائر ، العدد (4) 1973 1974م . (9) ينظر : زكريا إبراهيم ، مشكلة البنية ، (ص47) .