بيروت - يرى محللون ان الرئيس السوري بشار الاسد قد ينسحب كخيار اخير الى المنطقة العلوية في غرب سوريا ليتابع معركته من هناك، وان خيار التسوية ليس مطروحا بالنسبة اليه، رغم سقوط اكثر من ستين الف قتيل في النزاع المستمر منذ 21 شهرا في بلاده. وتقول انياس لوفالوا الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط ومقرها باريس، ان الاسد "متشبث بالسلطة حتى النهاية (...) وهو لا يزال يعيش في منطقه الخاص، الذي يستند الى كسب الوقت لكي ينجو بنفسه: ليس باستعادة السيطرة على مجمل الارض التي خسرها جيشه، إنما بالبقاء على جزء من هذه الأرض مثل دمشق ومدينة حمص الاستراتيجية (وسط البلاد)، وبالتالي امكانية الانتقال الى جبل العلويين". ويرى الباحث اندرو تايبلر من معهد واشنطن للدراسات (واشنطن اينستيتيوت) "ان النظام سيضطر قريبا الى الانسحاب من الشمال والشرق، ولو ان ذلك سيتم بثمن مرتفع جدا مثل رفع وتيرة التصعيد باستخدام مزيد من المدافع والصواريخ وربما الاسلحة الكيميائية". ويؤكد النظام منذ منتصف صيف 2012 ان معركة دمشق انتهت، ويكرر منذ اكثر من شهر انه يتجه الى تطهير المناطق المحيطة بها من "الارهابيين". لكن المعارك العنيفة تتواصل في ريف العاصمة الذي يستخدمه مقاتلو المعارضة كقاعدة خلفية لعملياتهم فيها، حيث نجحوا في الإبقاء على جيوب مقاومة في احيائها الجنوبية، وفي تنفيذ عمليات تفجير دموية في أحياء اخرى. وفي شمال البلاد، باتت المجموعات المقاتلة المعارضة تسيطر على اجزاء واسعة من الريف، بينما تستمر المعارك الضارية في حلب، التي اقفل مطارها وباتت طرق الامداد اليها شبه مقطوعة. كذلك، يسيطر المعارضون على اجزاء واسعة من الشرق، وينفذون عمليات نوعية في الجنوب. وفي حين ترى لوفالوا ان بإمكان النظام ان يصمد في دمشق اشهرا اضافية قبل النظر في خيار المنطقة العلوية، يوافق تايبلر على ان "الخيارات المتاحة اليوم امام الاسد هي البقاء في دمشق ومحاولة استعادة المناطق التي خسرها قدر الامكان (..) او اقامة منطقة ذات غالبية علوية على الساحل السوري". وتعرف سلسلة الجبال الممتدة بين محافظتي اللاذقية وطرطوس (غرب) والتي تشكل امتدادا للساحل السوري، ب"جبل العلويين". ويروي العديد من السوريين الذين رفضوا الكشف عن اسمائهم ان كل انواع الاسلحة تتكدس في جبل العلويين منذ سنوات طويلة، وليس فقط منذ بدء النزاع الحالي. ويؤكد الخبراء ان الجبل يضم مخزونا ضخما من الاسلحة، وان الاسد لم يستنفد بعد كامل قدرات جيشه ونظامه. وتقول لوفالوا "كان بإمكان الاسد ان يستغل وجود (الموفد الدولي الى سوريا الاخضر) الابراهيمي في دمشق ومبادرة الروس للحصول على فرصة للحوار، لكنه على العكس مارس عنفا اكبر خلال هذا التحرك الدبلوماسي.. هو يرى انه قادر على الانتصار، وبالتالي، لا يشكل الحوار او التفاوض حول الرحيل خيارا بالنسبة اليه". وتضيف "اذا رفض مبادرة الابراهيمي، فهذا يعني انه اما منفصل عن الواقع ولا يزال يعيش في عالمه الخاص وفقد تماما حس الواقع، واما انه متأكد من ان ميزان القوى على الارض لا يزال يؤمن له القدرة على الاستمرار". واعلن الابراهيمي بعد زيارته الاسبوع الماضي لدمشق وموسكو ان لديه مقترحا للحل يقوم على تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات والبدء بخطوات تؤدي الى انتخابات اما رئاسية او برلمانية في سوريا، من دون ان يوضح ما سيكون عليه مصير الاسد وفقا لهذا الحل. ويدرك الرئيس السوري، بحسب الخبراء، ان اي تدخل خارجي لن يحصل في بلاده، لذا يعتبر ان المنطق الذي اعتمده منذ بدء الحركة الاحتجاجية ضده منتصف آذار/مارس 2011، والتي ما لبثت ان تحولت الى نزاع دام، يعطي ثماره. ويؤكد الخبير في الشؤون السورية بيتر هارلينغ من مجموعة الازمات الدولية (انترناشونال كرايزيس غروب) ان "النظام اعتمد منذ بداية الازمة منطقا يقول انه يدافع عن نفسه وعن البلاد في مواجهة اعتداء لا يبقي له خيارا آخر.. بالنسبة الى النظام، العنف لا يأتي منه انما من مؤامرة هو مضطر لمواجهتها.. وبالتالي الحلول لن تأتي منه انما من اعدائه عندما سيدركون ان الثمن الذي سيدفعونه للتغيير اكثر من باهظ، وعندها سيستسلمون". ويضيف "النظام عزل نفسه عن كل مخرج آخر وهو غير قادر على التخلي عن هذا المنطق". الا ان هارلينغ يشير الى ان "النظام لا يزال قويا في نواته الصلبة التي تحتفظ بتماسكها وقدرتها على التدمير رغم الخسائر. سيواصل التصعيد كما يفعل منذ حوالى سنتين على امل ان يعرض عليه طرف ما، مخرجا يأخذ في الاعتبار مصالحه". وادى هذا المنطق وتمسك المعارضة برحيل الرئيس السوري قبل اي حوار او تفاوض، الى أن تتكبد البلاد 60 الف قتيل، بحسب ما اعلنت الاممالمتحدة اخيرا، بالإضافة الى دمار هائل وخسائر بمليارات الدولارات. وتقول لوفالوا ان الاسد يمضي "في منطق الارض المحروقة، ولو سقط 300 الف قتيل". المصدر: شبكة الأمة برس الاخبارية