الديموقراطية كنموذج للحكم الغربى انما تعنى حكم الأغلبية للأقلية كنتيجة للاحتكام لصناديق الاقتراع . ووصفها أفلاطون أنها : "حكم المجموع مع التضحية بالحكمة و المعرفة" .. وهى كلمة يونانية من مقطعين(ديموس).وتعنى حكم و(كراسى ) وتعنى شعب أى حكم الشعب .. وكانت فى بدايتها مباشرة فى الميدان العام تمارس ولكن عند اتساع رقعة الدولة واستحالت الممارسة المباشرة لزم ممارستها بطريقة غير مباشرة بما يعنى انتخاب الكل لبعض منهم لتمثيلهم فيصوتوا نيابة عنهم .. ومن ثم ظهرت الديموقراطية النيابية او البرلمانية .. وفى الديموقراطية كنموذج يسيطر رأى الأغلبية الحاكم على رأى الأقلية المحكوم بهم حتى ولو كان الأخير هو الأصوب والأجدى المهم أنه رأى الاغلبية .. وبنظرة عقلية للامر نجد أن الاقلية وان كانوا ممثلون برلمانيا الا أنهم يتكلمون ويهتفون ولكن الرأى أولا وأخيرا هو للأغلبية وكأنهم يدفعون ثمن موافقتهم على الديموقراطية كنظام حكم بخضوعهم لرأى الاغلبية حتى ولو كان خاطئا بينما رأيهم فيكون صوابا وهنا لو أرادوا تغيير اللعبة فى اطار اليموقراطية فما من سبيل اليها سوى السعى لأن يكونوا هم الأغلبية ببعض التنازلات أحيانا للفكر الأخر وكلا الحالين يمثل انتقاصا لهم ولفكرهم لكنهم باتوا يحتاجون لتوسيع دائرتهم حتى يكونون مؤثرين ومسموعى الرأى والحاكم نفسه لادور له فى الموازنة بين الفريقين فى القضية المقترع لأجلها حتى ولو كان هو مقتنع بأيهما .. هو فقط عليه أن يميل لرأى الأغلبية وان اعتقد عدم صوابه فهذا غير مهم المهم هو رأى الأغلبية ومن ثم يكون هو والأقلية ضحايا فى الغالب لرأى الاغلبية ان كان خطأ وغير صائب وليس بيديهم سبيل للافلات من تبعات خطئهم الا القبول والاستسلام لأنهم قد قبلوا من قبل الديموقراطية كنظرية حكم ومن ثم يكون القول بمسئولية الحاكم المطلقة على اختيارات الاغلبية هو محض ظلم وحيف لايقبله عقل ولكن تقبله الديموقراطية .. بينما نظام الشورى فى الاسلام فيتحمل ولى الأمر وهو الحاكم المسئولية فى المطلق اذ هو المسئول اولا وأخيرا عن القرار المشار بصدده .. اذ بمنطق الشورى يملك الحاكم الموازنة بين فريقى الشورى من أغلبية وأقلية وهو بكامل الحرية يختار الأصوب منهما فيزكيه حتى ولو كان هو رأى الاقلية فهذا لايهم.. فقط المهم هو صواب القرار ومسئووليته هو بالأساس عنه ومن ثم يقرر مايستقر هو عليه من رأى فريقى الشورى حتى ولو كان هو واحدا فقط ضد الجميع .. المهم هو صواب القرار ومسئووليته أمام الأمة والتاريخ ومن قبلهما الخالق سبحانه وتعالى وبما يكون لديه من عقل وخبرة ودراية وبما يكون للأقلية حتى ولو كانوا فردا واحدا من الخبرة والدراية كذلك عن الأغلبية .. وسنضرب مثالا اليك عزيزى القارىء ونطبق عليه النظريتين لنرى ايهما أصوب وأولى بالاتباع : فهناك مثال الثلاثة أخوة الذين ترك لهم أبوهم جنة من أعناب وكان أبوهم يؤتي حق الله فيها في حياته وبعد مماته ورث أولاده الثلاثة الجنة حتى إذا جاء حصاد جنة العنب فاجتمعوا للشورى لكونهم يريدون أن يقطفوا ثمرها فقال كبيرهم لقد كان أبينا يؤتي المساكين في كل مرة من أعناب جنتنا وأرى أن يكفي لهم عطاء من جنتنا فنحنُ أولى بجنتنا فلا نعطيهم منها شيء فماذا ترون ؟.. فقال أصغرهم لأخيه الكبير وأنا معك في هذا الإقتراح السديد فسوف نغدوا لقطف ثمارها مصبحين في وقت مبكر من قبل ان يحضروا المساكين ولكن أوسطهم في السن وهو الذي يلي الأخ الأكبر قال: ولكن رؤيتي مخالفة لرؤيتكم تماماً فإني أرى أن نفعل كما كان يفعل أبونا ونعطي المساكين كما عودهم أبونا في كل مرة أنه كان يؤتيهم حقهم من جنة الأعناب لكون حق المساكين في جنتنا هو حق الله وسوف يبارك الله لنا فيها.. ولكن أخواه الأكبر والأصغر لم يستصوبوا رأي أوسطهم برغم أن عقولهم مقتنعه أن رأي أوسطهم هو الرأي السديد ويُرضي الله ورسوله ولكن الطمع والجشع وشح أنفسهم فمنعهم من قبول رأي أخيهم وقالوا فنحن إثنين وأنت واحد فاتبع الأغلبية ولا تنفرد برأيك ومن ثم طبق المثل الشيطاني (كن مخطئا كباقى أخوانك ولاتكن مصيبا وحدك) فاتبع إخوته برغم عدم قناعته بقرارهم فماذا حدث ؟ ونترك الرد من الله في محكم القرآن العظيم: قال تعالى (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ(21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ(22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31)) [1] .. فهل ياسادة لو قلنا ديمقراطية فنتخذ القرار حسب الأكثرية فهل يا ترى الإقتراح الأصوب هو مع الأكثرية الذي اجتمعوا عليه الأثنين أم إن الإقتراح الأصوب هو الذي اقترحه أوسطهم؟ ومعلوم جوابكم أن الإقتراح الأصوب والحق هو الذي اقترحه أوسطهم ولذلك قال لهم: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31)) .. فمن هم الذين أقبل بعضهم على بعض يتلاومون؟ ألا وإنهم هم الإثنين الأكثرية أصحاب القرار الأعوج ولكن الحق فهو الإقتراح الذي تفرد به أوسطهم لو أصر عليه ما دام مقتنع أنه الحق والرأي السديد فيحاول إقناع إخوته بالعقل والمنطق وإن أبوا فيقول: إذا فلنتقاسمها الثلاثة أثلاث فلك يا فلان الجزء الشرقي ولك يا فلان الجزء الغربي ولي أوسطها كوني سوف اعطي حق الله في نصيبي... إذاً لطاف الطائف من ربك على الجزء الشرقي والغربي ويبقى اوسطها, إذاً فلا بد من تحكيم العقل والمنطق في كل الأمور وليس حسب الأكثرية ولذلك قال الله تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ)) [2] .. تلك هى أصول الشورى فى الاسلام قد تفرّد بها فكانت من أولويات النظم السياسية حكما واتباعا وصلاحا لأمر الراعى والرعيّة .. انطلاقا من ذلك التفصيل نرى ان الديموقراطية قد اختارها الغرب حسب قناعاته هو التى لانقبلها نحن كمسلمين فلديهم التحرر شبه المطلق من القيود كما فى فكر الليبراليين فلديهم الفرد أولا وأخيرا مادام يمارس حقه ولم يمس حقوق الاخرين ومن ثم لادور لولى الأمر يناقش فيه تلك الحرية مادامت لاتضر الأخرين ومن ثم الفرد حر فى الاقراض بربا فاحش او الممارسة لأفعال لاتقبلها الفطرة فقط الأمر المرعى هو الحرية مادامت لاتمس الأخر كما ويتغير مفهومها بتغير المجتمعات وثقافاتها ومن ثم فمصطلحات ونظريات غربية كتلك سواء ليبرالية أو ديموقراطية او حتى علمانية تلك التى تفصل الدين عن الحياة العامة والمنافية لمعتقدنا والتى يتدخل الدين لدينا فى تنظيم حياتنا وعلاقاتنا البينية أوبيننا وبين الحاكم وفى ذلك سر قوتنا وان لم يكن ظاهرا بينما هم بمفاهيمهم ونظرياتهم ضعاف فى الحقيقة وان كانوا يتظاهرون بالقوة فهم أمم مفككة اجتماعيا بينما نحن فأواصرنا فى رباط وجسدنا واحد .. ياسادة انهم قد أرادوا غزو معتقدنا فمرروا لثقافتنا ثقافاتهم التى لايمكن أن تتناغم وعقولنا ومعتقدنا وديننا وأخلاقنا وموروثنا الاجتماعى والتاريخى .. ولما أخذنا بمعتقدهم صرنا مسخا لاقيمة له وبعدنا عن ديننا الذى فيه سر قوتنا فى علاقاتنا أو أصول حكمنا وسياستنا .. ولو نظرنا الى عقود بائدة من تارخنا سواء بمصرنا أو بعالمنا العربى او الاسلامى لرأينا سر هزائمنا ومصائبنا فى ممارستنا حياتنا بالمفهوم الغربى والفلسفة الغربية بينما فلدينا معتقدا عظيما ودستورا رائعا لايدانيه فكر ولامعتقد انه صبغة الله فى كتابه .. ومن ثم دعونا نهتف واهتفوا معنا قائلين : شورى اسلامية.... لاديموقراطية غربية ..