رأينا كيف قام الرئيس الأمريكى جونسون فى أوائل عام 1967 قد أعطى المخابرات المركزية الأمريكية الضوء الأخضر لأن تقوم إسرائيل بإطلاق يدها فى منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن مساعدتها لتحقيق أهدافها الاستعمارية، حيث قام بفتح كل أبواب المخابرات المركزية لإسرائيل وسمح لها بالتعرف على المعلومات الموجودة تحت تصرف المخابرات الأمريكية، أيضاً أتاح لها كيفية حل معظم مفاتيح الشفرة المصرية المدنية والعسكرية وكذلك تم توفير إمكانيات الحرب الإلكترونية المتطورة التى أتاحت لها التشويش على أجهزة الرادار المصرية بل وشل فاعليتها، بل إن المخابرات الأمريكية قامت بالاتصال بالمخابرات البريطانية M16 وذلك من أجل حصول إسرائيل على ملف الخطة البريطانية ضد الطيران المصرى فى حرب السويس1956، كما قامت المخابرات الأمريكية بالتنسيق مع إسرائيل باعداد قائمة تتضمن أسماء مائة وأربعين طياراً من الولاياتالمتحدة وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى عدد أخر من بعض الدول الأوروبية- يكونون على أهبة الاستعداد عند دخول إسرائيل فى حرب مع جيرانها العرب وإذا نظرنا إلى الوضع الدولى نجد أنه كان ملائما للتخطيط الأمريكى الإسرائيلى لهذه الحرب حيث كانت الصين الشعبية منذ عام 1956 منشغلة بالثورة الثقافية ولذلك لم ير أحد لها دوراً بارزاً فى دعم الموقف العربى ضد العدوان الأمريكى الإسرائيلى، كما جاءت خلافات الولاياتالمتحدة مع فرنسا فى عهد شارل ديجول وعدد من الدول الأوروبية ليجعل مسرح الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفيتى فى النطاق الطبيعى للمواجهة وهو أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط، أيضاً أدى قرار بريطانيا فى فبراير 1966 بالجلاء عن عدن إلى أن ترتب عليه إحداث فراغ هناك، الأمر الذى جعل الولاياتالمتحدة تخشى من تزايد النمو السوفيتى فى الشرق الأوسط وكذلك وجود الجيش المصرى فى اليمن وفى هذا الصدد لابد وأن نذكر أن وجود الجيش المصرى فى اليمن كان له أسوء النتائج على الكفاءة القتالية للقوات المسلحة المصرية، فمن الناحية العسكرية فلم تكن الاشتباكات هناك ذات قيمة حربية من الناحية العلمية والفنية بل كانت مجرد عمليات تأديبية لرجال القبائل الذين استخدموا نظام حرب العصابات ولا تحسم هذه العمليات موقفا أو تحقق نهاية عسكرية تذكر، حتى أصبح تصور جنود القوات المسلحة المصرية عن المعركة أى معركة لا يختلف عن تصور أجداده عنها الذين شاركوا فى حرب السودان فى أواخر القرن الماضى أو أبائه ممن قاتلوا على الضفة الغربية لقناة السويس فى أوائل الحرب العالمية الأولى. وقد ازداد عدد الأفراد الراغبين فى القتال فى اليمن الأمر الذى أدى إلى ازدياد حجم القوات الموجودة فى اليمن حتى فاقت فى بعض الأوقات حجم القوات الموجودة داخل حدود الجمهورية فتأثرت بذلك الخطط المعدة للدفاع عن سيناء لعدم توافر القوات اللازمة، بل وصل الأمر إلى فتح باب الترقيات الاستثنائية للأفراد المشاركين فى اليمن ضباطا وجنوداً إلى الحد الذى منح فيه بعض الضباط ترقيتين استثنائيتين، كما تم نقل عدد كبير من الضباط الاحتياطيين إلى الجيش العامل كمكافأة لهم على أعمال بطولية قاموا بها. وبذلك يكون قد نجح المخطط الأمريكى الإسرائيلى الذى تم إعداده منذ حرب السويس 1956 بهدف جذب مصر فى المستنقع اليمنى لإنهاك جيشها واستنزاف اقتصادها الوليد. كما أدى تفاقم المشاكل الاقتصادية فى الدولة الإسرائيلية الناشئة مع حلول عام 1966 إلى أن أصبحت الحرب إحدى أهم أدوات إدارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة لكونها تستطيع أن تستوعب الموارد البشرية المعطلة، فضلا عن أنها تجعلها تتمكن من تحويل استخدام الموارد الاقتصادية الأخرى بشكل عام ورأس المال بشكل خاص فى مجالات اقتصاديات الحرب، الأمر الذى سيترتب عليه ظهور قوة اقتصادية جديدة تكون قادرة على إعادة هيكلة التكوين الاقتصادى وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلى من جراء التوسعات التى ستحصل عليها بعد حرب 1967.