نادرا مانرى ثائرا يسجل التاريخ اسمه بصحائف من نور ويكون حدا فاصلا فى تاريخ أمته.. فالثائرون كُثرُ والمعترضون أرسال وجماعات ولكن الثائر الحقيقى هو طامح للتغيير بلا هدف شخصى .. يجعل من نفسه فداءا للفكرة السامية فيكون فارقا فى حياة مريديه.. لذا ليس كل الثائرين جيفارا ولا كلهم غاندى ولن يكونوا جميعا نيلسون مانديلا أو مارتن لوثر كنج الذى بكى وبكى مريديه فرحا حينما حقق ما حارب من أجله فى خطابه الشهير عام 1963 أمام نصب لنكولن التذكارى والذى قال فيه : لدى حلم .. إنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم وكان أوباما نتيجة حتمية له ومكتسبا من مكتسبات ثورته كل أولئك عاشوا للفكرة وانتصروا بالملايين لأجلها ومات منهم من مات ومنهم من لازال حيا ولم يثروا جميعا من مكتسبات ثوراتهم بل الرابح هو شعوبهم فلم يحقق أيا منهم غنما شخصيا على الأقل ولو تعويضا لابد وأن يقبله الشعب لما لاقاه لأجل الفكرة وتحقيقها ولكنهم جميعا لم يكتسبوا شيئا ماديا فيكفيهم أنهم باتوا محفورين فى ضمير أمتهم والكون أجمع نعم انه الثائر الذى استوى لديه فى سبيل تحقيق حلمه وأمته الموت والحياة ولم ترهبه المشانق أو طلقات المدافع بل كان كل حلمه تحقيق هذا الحلم سواء كان دحر غاز أو طرد محتل أو اقصاء دكتاتور أو محو تفرقة عنصرية وفى المجمل نيل الحرية .. فكان لزاما على التاريخ أن يسجل اسمه فى جبين الكون هالة ناصعة البياض زخرا لأمته ومثلا يحتزى به للأمم الأخرى بينما الان فيلح سؤال حتميا: وهل خلت الساحة من الثائرين العظماء ولم يعد لدينا سوى حلقات الاحتجاج والمعارضة ؟! .. ان الثورة أى ثورة لابد لها من رمز تلتف حوله.. ناطق بلسانها .. فدائى بطبعه بينما فى عالمنا العربى لانجد الفدائية الا فى العصبة والجرأة الا فى الجماعة وأصبحنا لانسمع ثائرين بأسمائهم ولكن نسمع تكتلات تتوالى فهذا هو التكتل الوحدوى وهذه هى جمعية التغيير وتلك هى جمعية كفاية وهؤلاء هم جماعة الاخوان المسلمين وغيرها وغيرها حتى أن الأحزاب نفسها لاتلتف حول رمز وكأن الفرد لو خرج من مسمى الجماعة حتى ليلتحف بهم وينطق بلسانهم لحتما ستتركه الجماعة اذا ما أعتقل أو سُحل أو قُتل .. فحتى ان حدث هذا لن يكون رمزا فقط هو فى زمة التاريخ وستموت معه الفكرة التى مات لأجلها هكذا هو الخوف الذى نسجته أيدى الظالمين عبر تاريخ الاحتلال الخارجى أو الدكتاتوريات الوطنية ..انها هبّات وزخّات من نداءات ومظاهرات ومطالبات واحتجاجات هنا وهناك وخراطيم مياه تفرقها ورصاص وقنابل دخان وتتوه الفكرة وتنتصر العصا حتى بلا جزرة ويضيع كل شىء ويزيد عدد المعتقلين والموتى ولايبقى غير الاحساس بالهزيمة...... لماذا ؟! لغياب الرمز الذى حتما يلتف حوله الاخرون فنبتهج فرحا حين يبدو من الافق بعيدا رمزا يصلح لأن يلتف حوله الناس ثم يتلاشى يتلاشى عبر الأفق.. ربما لمساومات وصفقات سياسية أبرمها الأخر معه أو أن يضع نفسه محلا لطعنات الاخر فينال منه فيسقطه أو يكتفى بالمطالبة بالتغيير كغيره من المواطنين فلا يصبح رمزا بل يفتقد للالتحام مع الشعب الذى يجب عليه أن يقف لجواره فى الميدان ويلاقى بصدره طلقات الرصاص.. للأسف يختفى ساعتها رغم مؤهلاته العلمية ومكانته الدولية التى هى حتما هى لصالحه وينبغى أن تكون زخرا لمن وراءه فيضيع الرمز أم يتلاشى .. أى التعبيرين حقيقة ؟! أجيب كليهما وبالمجمل هو معدوم.. ولو زهبت معى قارئى العزيز الى حقيقة وجود الثائر بعالمنا العربى لتجده حتما نادرا وان كنا لم ننعدم منه بالكلية فى عالمنا العربى فليس عمر المختار أو جميلة بو حريد أو عرابى أو مصطفى كامل أو سعد زغلول وغيرهم ببعيد ولكن اذا قيس عددهم وعمر أمتنا وتعداد شعوبنا وألوان الظلم الذى تلاقيه لوجدناه قليلا ..وصدق من قال -الفقراء يموتون والأغنياء يضعون أكاليل الغار- فالناصرية ثورة حينما وقف ناصر لكنه حين جلس أصبح دكتاتورا فلاأحزاب ولا رأى معارض ولاثمة ديموقراطية تذكر وكلمة نعم انما تعنى الحياة وكلمة لا انما تعنى الموت ومن أراد أن يرى حقيقة هذا فلينظر الى حوائط الزنازين وماهو مكتوب عليها بدماء الشهداء من المعتقلين والشعوب تنسى دائما حسنات حكامها وتتذكر مساوءهم ويكفى كبت الحريات لاضاعة مكتسبات الحكام مهما بلغت حتى ولو كانت ارساء مبادىء الثورة المعروفة وبناء السد وتأميم القناة وغيرها ..فقط يتذكر الشعب زوار الفجر ومقتل المئات بالمعتقلات وتكميم الأفواه رغم أن ناصر قبل الكرسى كان ثائرا على الظلم الملكى يشعر بأنّات الشعب من المقهورين ومن المظلومين وعاشق لفكرة الحرية بالدرجة الذى كان هو شخصيا وقودا لكل الثورات العربية .. يكتبُّ السادات كتابه وصيتى والذى ان قرأته تجد نفسك أمام غاندى أو جيفارا فينتقد الرجل سياسة الاعتقالات وتكميم الأفواه وأنه لاتقدم للأمة بلا حرية أو أحزاب ويعترف أنه نفسه كان ضحية لهذه الأدوات القمعية ويبين رؤاه لبناء مجتمع حقيقى .. ويناضل الرجل لأجل الحرية .. ويُقتل لأجل الحرية .. ويهرب من سجنه ومن ملاحقيه من الظلمة لأجل الحرية .. ويعمل عتالا وشيّالا من أجل الحرية وحينما يجلس على المقعد الأثير يتبدد كل شىء وكما قلنا فان الشعوب لاتتذكر حسنات الحكام بل مساوءهم فلم يعد الشعب يتذكر نصرة أكتوبر وقرار السلام الذى هو محل اختلاف حتى الان لكنه لايذكر الا بناء المنابر المزيفة المسماة بالأحزاب غير الحقيقية وبالمجمل تكميم الأفواه والطوارىء وفتح المعتقلات والحرص أخر أيامه على تعديل الدستور وحتى يبقى فى الحكم حتى وفاته ضاربا مبدأتداول السلطة الذى طالما نادى به طوال حياته وراح يصف المعتقلين الذين كان يوما مثلهم يتألم كألامهم لأجل مبدأ لا لغنم شخصى بأفظع الأوصاف حتى نعت أحدهم بوصف أحد الحيوانات وهو انسان كريم ..هذا هو الثائر واقفا الدكتاتور جالسا .. مثال حى على نمط القائم بالثورة فى عالمنا العربى وليس حاكم ليبيا ببعيد –صاحب الكتاب الأخضر والأصفر والأحمر وغيرها من الألوان فأرهب الشعب حتى اعتبروه فيلسوفا جبريا عليهم فقاموا بتأليه الفكرة .. وكم من أبحاث لنيل درجتى الماجستيرالدكتوراه ودراسات شتى فى معطيات كتابه الأخضر بالعدد الذى لم تكتب فى الكتب المقدسة زاتها ولازال الرجل يرزح حتى الأن منذ أربعين عاما على صدر الشعب الليبى رغم أنه قبل جلوسه كان يعده الأخرين ثائرا بالمعنى الحقيقى للكلمة .. وبن على الثائر التونسى سابقا الهارب لاحقا وغيرهم وغيرهم الكثير ووالله ان فى نظرى أن الحكام لوكانوا ملائكة فمن حق الشعوب أن تأتى بشياطين تحكمها فهذه هى سنة الحياة ولاأبدى الا الله لذا ياسادة لابد من وجود ثائرا بالمعنى الحقيقى للكلمة اسما ووصفا وقيمة محلية وعالمية تلتف حوله الجماهير وتلتحف به ويلتحف بها وهنا وهنا فقط سيكون الثائر واقفا الثائر جالسا ...