لجوء الرئيس المصري المخلوع إلى أميركا وحلفائها من الدول الأوروبية، واستعانته بهم في إدارة شؤون البلاد، جعله يحكم دون استقلالية، ولا يستطيع أن يأخذ قراراً داخلياً أو خارجياً إلا بعد الرجوع إليهم، وموافقتهم عليه، لأنه كان يظن أن رضاهم عنه هو من يمنحه الشرعية لحكم البلاد وليس رضا أبناء الشعب عنه، الذين كان لا يضعهم في الحسبان، وكان يجعلهم آخر حساباته، ولا يهمه حل مشاكلهم التي يئنون منها ليل نهار، سواء كانوا مقيمين في الداخل أو الخارج.كنا نلوم الرئيس المخلوع على استعانته بأميركا وحلفائها في تسيير شؤون البلاد، وكان من أكثر المتعصبين في هذا الشأن هم الإسلاميون، وعلى وجه الخصوص «الإخوان المسلمين»، وكانوا دائماً ينادون باستقلال مصر، وعدم ارتباطها بالخارج، مهما كانت الأسباب، بل إن بعضهم نادى بعمل اكتفاء ذاتي بين الدول العربية، لكي لا نستورد القمح من أميركا وغيرها من الدول التي كانت تمنعنا من زراعته لكي نعيش على محاصيلها الزراعية الفاسدة، التي جلبت لنا السرطان، والكبد الوبائي، وكثيراً من الأمراض التي ما كنا نسمع عنها سابقاً.رحبنا كثيراً بأفكارهم، وطالبنا بتطبيقها، وشجعناهم على المطالبة بها، حتى لو وصل الأمر بنا إلى تنظيم اعتصام سلمي لتنفيذها، لأنها كانت صائبة، وفي مصلحة مصر العظمى، التي هي فوق كل اعتبار، ولكنهم رفضوا الخروج على الحاكم، بحجة أنهم سلميون، ونظراً لأن التنفيذ حينها لم يكن بأيديهم، لانهم كانوا لا يملكون من الأمر شيئاً، وكانوا في ظل النظام المخلوع مبعدين قصرياً عن مراكز صنع القرار، فما كان بوسعهم فعل شيء إلا التمني، وهذا أضعف الإيمان، ولهذا ما كنت ألومهم كثيراً على تقصيرهم.أما الآن، وبعد خلع الرئيس بثورة جماهيرية عظيمة، نرى أن بعض المرشحين لمنصب الرئيس، مازالوا يسيرون على دربه، فمنهم من ذهب إلى أميركا، ومنهم من ذهب إلى فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، وآخرون ذهبوا إلى بعض دول الخليج، سراً، وهذا كله لاستجلاب عطفهم، وطلب معونات منهم، لمساعدته في الإعلانات الانتخابية، مع منحهم وعوداً بأنه سيرعى مصالحهم، ولن يقصر في حقهم، إذا ساعدوه في الفوز بمنصب الرئيس، بأي شكل من الأشكال، حتى لو وصل بهم الأمر إلى تزوير صناديق الاقتراع لصالحه.لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أكثر المرشحين يحاول، وبكل قوة، استجداء عطف أعضاء المجلس العسكري، بإظهار نفسه صديقاً حميماً لهم، وأنه سيحميهم من الملاحقة القانونية بعد نقلهم للسلطة، وعودتهم إلى ثكناتهم العسكرية، بل ووعدهم بمنحهم امتيازات إضافية فوق التي كانوا يحصلون عليها من النظام السابق، وكأن خزينة الدولة مليئة بالأموال الفائضة عن الحاجة.أكثر المرشحين لمنصب الرئيس، كانوا من المعارضين لسياسة المخلوع الفاشلة، ويرفضون رفضاً قاطعاً استقواءه بالخارج، فلماذا يسيرون الآن على طريقته، ويطبقون نظرياته الفاشلة، وكأنهم يتعاملون مع مواطنين سذج، لا يدرون ما يحدث خلف الكواليس.على المرشحين لمنصب الرئيس، أن يتقوا الله فينا، ويحترموا مشاعرنا، ويعملوا لمصلحة الوطن العظمى، لأننا عانينا كثيراً من التهميش والإذلال، وسوء إدارة البلاد، والتدخل في شؤوننا الداخلية، وإهانتنا في الداخل والخارج، من دول صديقة وأخرى عدوة، ولن نستطيع الصبر كثيراً إذا لم يتغير الحال، وفي أسرع وقت ممكن.نحترم نتيجة الانتخابات الرئاسية، ونرضى بها، حتى لو كانت مزورة، وسنبارك للفائز فيها، حتى لو كان من الفلول، ولكن عليه أن ينفذ مطالبنا، التي ثرنا من أجلها، وضحينا بالكثير من زهرة شبابنا الأطهار فيها، ويعمل لخدمة الوطن والرقي به، والحفاظ على كرامة المواطن في الداخل والخارج، دون تلكؤ أو تباطؤ، لأن الكيل زاد عن الحد، وليس أمامه إلا العمل بجد ومثابرة لتحقيق أهداف الثورة، وليس الالتفاف عليها، كما يحاول البعض.