ليس غريباً أن ترشح جماعة الإخوان المسلمين، التي مازالت محظورة، أحد قادتها لرئاسة الجمهورية، فهي جماعة لا تفتأ تبحث لنفسها عن موطئ قدم داخل أروقة السياسة وصنع القرار، بأية طريقة مهما كانت، ولا تتوانى في عقد صفقات أو إبرام تحالفات، حتى مع الشيطان، من أجل أن تصل إلى مآربها، لكن الغريب هو سذاجة أبناء الشعب المصري وطيبتهم الزائدة، مما جعلهم يمنحونها كل هذه الثقة، ويدخلونها إلى البرلمان بكل هذا الثقل، على الرغم من أن كثيراً منهم يعرف حقيقتها، وأنها أخذت من الإسلام شعاراً لها، لاستجلاب عطفهم، وهي في حقيقة الأمر، بعيدة كل البعد عن الإسلام وتعاليمه. منذ نعومة أظافري وأنا أسميها جماعة «الإخوان السياسيين» وليس «المسلمين»، لأني أعرف حقيقتها، وما تصبو إليه، وقد لامني كثير من إخواني الطيبين على هذا الوصف، بل إنهم اعتقدوا أني أكرهها دون سبب، وأنا في حقيقة الأمر لا أكره أي إنسان عربي، مهما كانت ديانته أو عقيدته، فضلاً عن أن يكون مصرياً، لأني عربي قبل أن أكون مصرياً. ليس بخافٍ على أحد أنه لم يزر أي دبلوماسي أمريكي أو أوروبي مصر، إلا وقابله وفد من جماعة الإخوان، حتى خلال حكم الرؤساء السابقين، على الرغم من أنها كانت دائماً تلوم الأنظمة السابقة على تحالفاتها مع أمريكا والغرب، وتعتبرها نقطة ضعفهم. منذ أن علم الإخوان أنهم حصلوا على نصيب الأسد في الانتخابات البرلمانية، حتى قبل أن تعلن النتيجة، وذلك من خلال منتسبيهم العاملين داخل لجان الفرز، على الرغم من أن القانون يمنع أن يكون لأحد العاملين بلجان الفرز صلة بأحد المرشحين، إلا أن المجلس العسكري غض الطرف عنه إرضاء لعيون الإخوان، هرولت قيادات الجماعة بالاتصال بأمريكا لإخبارها بالنتيجة ومنحها وعوداً بأنهم سيحافظون على مصالحها في مصر. فور دخول الإخوان إلى البرلمان، أعلنوا أنهم لا يطمعون في منصب الرئاسة، ولن يساندوا أحداً من المرشحين، إلا أنهم افتعلوا مشكلة مع رئيس الوزراء «الجنزوري»، ليجعلوها ذريعة لترشيح أحدهم للرئاسة. على الرغم من أن الشاطر مدان، وعليه قضايا مازالت مفتوحة، وخرج من المعتقل أثناء الثورة، إلا أن المجلس العسكري أسقطها عنه، بعد عقد صفقة مع الإخوان، الذين ركبوا الثورة، وكانوا الرابح الأكبر فيها، ليسمح له ذلك بالترشح لمنصب الرئاسة. فور ترشحه للرئاسة، هرول الشاطر لمقابلة نائب وزيرة الخارجية الأميركية ليطمئنه على مصالح بلاده في مصر، وهذا ليس غريباً عليه فهو رئيس توافقي، اختاره الإخوان بالاتفاق مع المجلس العسكري وأمريكا، التي لا تريد لمصر ولا لأبنائها استقراراً ولا أمناً ولا سلاماً. عانينا كثيراً من حكم الحزب الواحد، الذي استولى على خيرات مصر ومكتسباتها، وجعلها تصب في جيوب منتسبيه، إلا أنه تم التحايل على ثورتنا، وعقدت صفقات في الخفاء بين الإخوان والمجلس العسكري، وتم نزع الحكم من «الحزب الوطني» وتسليمه إلى حزب «الحرية والعدالة» وابنه المدلل «النور»، وكما يقول المثل المصري «كأنك يا أبو زيد ما غزيت». على أبناء مصر الكرام أن ينحوا الطيبة والمصالح الشخصية جانباً، ويعوا أن الثورة أجهضت، ولابد لهم من المشاركة في الانتخابات الرئاسية بقوة، ليثبتوا للإخوان وحلفائهم أنهم قادرون على القيام بثورة ثانية، إذا لزم الأمر، ولن يصل إلى منصب الرئيس إلا الذي يستحقه. على الرئيس القادم أن يعمل لمصلحة مصر العليا، والنهوض بأبنائها، ويتعلم من أخطاء سابقيه، وينسى ما كان يحدث سابقاً من استبداد واستخفاف بالعقول المصرية، لأن أبناء مصر استيقظوا من ثباتهم، ولن يسمحوا بتكرار أخطاء الماضي، مهما كلفهم ذلك من غالٍ ونفيس. محمد أحمد عزوز كاتب مصري