حار في وصفهم الرحالون، وتناقضوا في نعتهم يمدحون ويذمون وآخرون أقروا بأنهم لا يفهمون، فقد أعجز المصريون ما يسطرون وهذه قطوف من أعجب ما كانوا يكتبون المصريون يتحدثون بما سيكون: يقول المقريزي: " إن منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر فلذلك يتحدثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون وينذرونه بالأمور المستقبلة، ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة". . المصريون يتعاركون ويتصافون في نفس الوقت الرحالة العبدري – في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي يندهش دهشة شديدة حينما سمع مصرياً فى قافلة الحج : "ينادى رفيقه فى الركب فلما أتاه لعنه ولعن أباه وقابله الآخر بمثل ذلك وتهارشا زمانا ثم قعدا يأكلان!! ..." ( ) المصريون شديدو التدين إن المصري – في رأى هيرودوت – يزيد كثيرا عن سائر الناس في التقوى وأنه أول من أوقف للآلهة الهياكل والتماثيل والمعابد( ) وهو الإنسان الذي يؤمن بالله ويسعى في رضاه لدرجة عجيبة أدهشت أبا الصلت أمية – القرن الخامس الهجري – الذي ذكر أنه شاهد "رجلا من الوقادين فى أتون الحمام يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقص أظافره فتعجبت من سمو همته "( ). وقال إدوارد لين: "هؤلاء المصريون الذين يقحمون الدين في أحاديثهم العادية بإخلاص وحسن نية هم أنفسهم الذين قال الكاتب نفسه عنهم: "وكثيراً ما يسمع فى المجتمع المصري العبارات الدينية تعترض الحديث في الأمور الحقيرة والخليعة أيضا" ويذكر الرحالة السبتي (ت730ه) احتفاء أهل مصر بالحجيج بقوله : "... واندفع جماعة من القراء بين يديه يتلون قوله تبارك وتعالى : "الحج أشهر معلومات" الآيات وجعلوا يكررونها بأصوات حسنة ويرددونها بالتلاحين العجيبة متراسلين على عادتهم فى هذه البلاد المشرقية ونمقوا أصواتهم بذلك أى تنميق وأجروا الدموع على الخدود وشوقوا إلى الحرم الشريف أى تشويق .." ( ). المصريون مثيرون للدهشة (وينفريد بلاكمان) قال: "من الملاحظ أن معظم الصفات المتناقضة يمكن أن تجدها في إنسان واحد وبرغم كثرة الفقر والمرض وقلة وسائل التسلية التي تقضى على رتابة حياة الفلاح المصري نجد أنه إنسان مستبشر وراض بصورة تدعو للدهشة والفلاحون المصريون سريعو الفهم وحاضرو البديهة ويحبون النكتة حتى وإن كانت تسخر منهم وعادة ما يتمتع الفلاح المصري بذاكرة قوية وقلب طيب وروح مرحة وكرم ضيافة يضاف إلى ذلك حبه للعمل وهو فى الوقت نفسه ذو عاطفة جياشة شديد الحساسية..." المصريون مرحون لاحظ الرحالة عبد الرحمن بن خلدون ذلك وقال: عن أهل مصر :" كأنما انطلق (فرغ) أهله من الحساب"( ) وصفهم ابن بطوطة بقوله : "وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو .. "( ). : " ( ) فيقبلون عليك بالبشر والترحيب ... وبشاشة المحب عند لقاء الحبيب"( ). (صاحب الرسالة المصرية) "ظريف ما سمعه أنه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعيه الأطباء فيدخل على المريض فيحكى له حكاياته مضحكة وخرافات مسلية ويخرج له وجوها مضحكة وكان مع ذلك لطيفا فى إضحاكه وبه خبيرا وعليه قديرا فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوته تركه وانصرف فإن احتاج إلى معاودة المريض عاده إلى أن يبرأ أو يكون منه ما شاء الله ..." وقد دعى أبوالصلت أمية إلى ضرورة العمل بهذا بقوله: "فليت أطباء عصرنا هذا بأسرهم قدروا على مثل هذا العلاج الذى لا مضرة فيه ولا غائلة له بل أمره على العليل هين ونفعه ظاهر بين كيف لا وهو ينشط النفس ويبسط الحرارة الغريزية ويقوى القوى الطبيعية ويقوى البدن على دفع الأخلاط الردية المؤذية والفضول مع الاستظهار بحفظ الأصول".( ) مما يدفع بالمرء أن: "يتعجب كثيراً من جدهم ومرحهم"( ). المصريون قلوبهم حزينة وقد أحس الرحالة ابن جبير – فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي – بمدى الحزن الذي بداخلهم لما شاهده من تمسح الناس بقبر رأس الحسين: ".... وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين إلى الله سبحانه ببركة التربة المقدسة ومتضرعين بما يذيب الأكباد ويصدع الجماد.."( ) المصريون يظنون أنهم أعلم الناس قال صاحب (الرسالة المصرية): "ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذى هو عندهم وحسب ..." ( ): "فيرى الشيوخ منهم يتهارشون فى الطرقات ويقطعون بلعنة أسلافهم فسيح الأوقات"( ) وقد عانى ابن خلدون من الإرهاق بمناقشاته مع المصريين بقوله: "فتتعارض الفتاوى وتتناقض ويعظم الشغب إن وقعت بعد نفوذ الحكم والخلاف فى المذاهب كثير والإنصاف متعذر" ... "فلا يكاد هذا المدد ينحسر ولا الشغب ينقطع"( ) وقال أيضا: "وانطلقوا يراطنون السفهاء فى النيل من عرض وسوء الأحدوثة عنى بمختلف الإفك وقول الزور يبثونه فى الناس ويدسون إلى السلطات التظلم منى..." المصريون ذوو كرامة الرحالة التركى (جناب شهاب الدين) يقول: "منظر الفقر والعوز يمزق القلوب كثيرا ها أنتم تشاهدون الآن متسولا عاريا فتطلبون الشفقة له وهو يظهر لكم وقارا هكذا فى أوضاعه وحركاته!!" ( ) المصريون أصحاب حيلة وخاصة مع الأجانب سجل (الرحالة النعمانى) عند وصوله إلى مصر حيث وصل: "بمشقة بالغة وهناك هجم الحمالون فكان كل أربعة منهم يتعاركون حول راكب": "وحمل أحمد الحمالين الأقوياء حقائبي فاضطررت أن أصحبه ... ومن الطريف أن حضرة الحمال جلس بجواري فأي قدرة لى حتى أعترض على جرأته ..." ( ) " وأوجد "غرائب لا نهاية لها فى البيع والشراء"( ) "فهم بارعون فى الاحتيال والغش خاصة مع الغرباء الذين لا يعرفون عملتهم ولا يعرفون أساليبهم فى البيع والشراء "( ) الرحالة أولياچلبى يصفهم: "أنهم مهرة قد حذقوا فمنهم إلى حد أن الواحد منهم يسرق العين من الكحل ويبقى الكحل مكانه ..." ( ) المصريون يكرمون الفقراء الرحالة النعمانى أضاف: " أن هذا كان يحدث بلا غرض وبدون مقابل فقط من أجل الضيافة وإكرام الفقراء ومن المستحيل ذكر جميع تلك الأحداث الجزئية التى تدل على كرم أخلاق هؤلاء الناس معى" كتب (ابن خلدون):" ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى فى عوائدهم ما يقضى منه العجب منى إن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون إلى النقلة إلى مصر لذلك لما يبلغهم من أن شأن الرفه بمصر أعظم من غيرها ويعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار فى أهل تلك الآفاق على غيرهم أو أموال مختزنة لديهم وأنهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار"( ) وقد وصف ابن جبير ذلك (فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي) بقوله: "ومن مناقب هذا البلد .. المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكنا يأوى إليه ومدرسا يعلمه .. ومن أشرف هذه المقاصد أيضا أن السلطان عين لأبناء السبيل من هؤلاء المغاربة خبزتين لكل واحد فى كل يوم بالغا ما بلغوا ... فقد ينتهى فى اليوم إلى تفريق ألفى خبزة وأزيد "( ). المصريون يعشقون بلدهم يقول المقريزي: "وكانت مصر هى مسقط رأسي وملعب أترابي ومجمع ناسي ومغنى عشيرتي وحامتى وموطن خاصتي وعامتي وجؤجؤى الذى ربى جناحى فى وكره وعشر مأربى فلا تهوى الأنفس غير ذكره لازلت مذ شذوت العلم وآتانى ربى الفطانة والفهم أرغب فى معرفة أخبارها وأحب الأشراف على الاغتراف من آبارها وأهوى مسائلة الركبان عن سكان ديارها فقيدت بخطى فى الأعوام الكثيرة وجمعت من ذلك فوائد ما يجمعها كتاب أو يحويها لعزتها وغرباتها أهاب .... فأردت أن ألخص منها أبناء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية والقرون الخالية..."( ). مصر أم الدنيا فمصر على حد قول الإدريسي : "عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفى أهلها رفاهة وظرف شامل وحلاوة .." ( ) وفيها من الأمور والأحوال ما لا يعده الحصر والقياس من كثرة الخلق وازدحام الناس"( ) واسم: "مصر فى الكتب السالفة "أم البلاد"( ). لأن في "مصر من العلوم التي عمرت الدنيا ... فهؤلاء حكماء الأرض وعلماؤها الذين ورثوا الحكمة من مصر خرجوا و بها ولدوا ومنها انتشرت علومهم فى الأرض .. وكانت مصر يسير إليها فى الزمن الأول طلبة العلم وأصحاب العلم الدقيق لتكون أذهانهم على الزيادة وقوة الذكاء ودقة الفطنة"( ) الرحالة (أولياچلبى) يقول: "السبب فى تسمية مصر بأم الدنيا أنها تحتوى على جميع أجناس الخلق وأنواع الأمم التى يبلغ عددها اثنين وسبعين أمة تتكلم بمائة وأربعين لغة كما تشتمل على أقوام من التابعين للمذاهب الأربعة فبفضل مصر هذه يعيش كل هؤلاء الخلائق فضلا من الله ومنه .. وما ذلك إلا أن كثرة أهالي مصر وسكانها من الفلاحين أعنى أنهم من أهل الكد والعمل الشاق ومعاناة الأهوال فى سبيل إسعاد الغير إذ أن هؤلاء المساكين بعملهم الدائب هذا يجعلون مصر فى بحبوحة من الخيرات والخصب وعلى جانب عظيم من النعم ورغد العيش الذي يتمتع به الناس والحيوان فلأجل هذا سميت مصر بحق (أم الدنيا) كالأم الرءوم تعنى بجميع أركان الدنيا وتحدب عليها وتبذل لها من متاعها وسلعها وهكذا تكون الأقاليم السبعة من الدنيا عالة عليها..." ( ) فهي: "تمير الحرمين الشريفين ولولا مصر لما أمكن أهل الحرمين وأعمالهما المقام بهما ولما توصل اليها من يرد من أقطار الأرض"( ) -مصادر أولياچلبي: سياحتنا مه مصر،. - أبو الصلت : الرسالة المصرية ,. - هيرودوت يتحدث عن مصر. -چوزيف بتس : رحلة الحاج يوسف إلى مصر ومكة والمدينة , - العبدري: رحلة العبدري،. - جناب شهاب: (جناب شهاب الدين بن عثمان شهاب الدين): على طريق الحج،(ترجمة: سامية محمد جلال، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 636، القاهرة 2003م)،ص188. - وينفريد بلاكمان: الناس في صعيد مصر العادات والتقاليد، ترجمة: أحمد محمود، الطبعة الأولى، دار عين للدراسات، القاهرة 1995 - ابن بطوطة: الرحلة،. - ابن خلدون (أبوزيد عبدالرحمن بن خلدون) (732 – 808ه): التعريف بابن خلدون رحلته غربا وشرقا، تحقيق محمد بن تاويت الطنجى، تقديم عبادة كحيلة، سلسلة الذخائر، العدد 100، القاهرة 2003، ص247. وانظر: مقدمة ابن خلدون ، سلسلة مكتبة الأسرة2007م، ج1، ص398. - المقريزى: الخطط المقريزية - شلبى النعمانى: رحالة هندي في بلاد الشرق العربي، ترجمة جلال السعيد - جمال حمدان: شخصية مصر، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2000،. - (شهاب الدين أحمد بن فضل الله) (ت 749ه): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، -الشخصية المصرية.. بين كتابات الرحالة والموروث الشعبي د. عمرو عبد العزيز منير اعداد د. نهى أبوكريشة