مؤلف هذا الكتاب « محمد بن سعد الحمد» يقول إن سبب تأليفه راجع لندرة وجود كتاب جامع وراصد لانطباعات الرحالة عن القاهرة والقاهريين. ويشير كتابه «القاهرة في عيون الرحالة» إلي أن النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، شهد نوعية جديدة من الرحالة الذين تولت رحلاتهم جمعيات علمية، وهؤلاء اتسمت أحكامهم بمنهج عقلاني بعيد عن خيالات الرحالة الأدباء، لكن رحلاتهم تطورت إلي حد «التوظيف السياسي» ومثال ذلك رحلة المستشرق الدنماركي كارستن نيبور المدونة في كتاب «رحلة إلي مصر» وترجمه د.مصطفي ماهر. ما يثير الاهتمام أن المؤلف حسب تأكيده في المقدمة، لجأ في الكتاب إلي تجاوز بعض التعليقات التي وردت في كتابات الرحالة الأجانب عن مصر، لأنه بحسبه قد رآها تسيء إلي المفاهيم الدينية والتقاليد الاجتماعية، وإن اضطر إلي الإشارة إلي القليل من تلك التعليقات، وذلك كما يشرح لضرورة عرض رؤية الغربيين إلي بعض الأمور في مجتمعاتنا، وباعتبار أن »ناقل الكفر ليس بكافر«! لكنه من ناحية أخري يلمح إلي الأغراض الدينية، عندما يذكر رحلة الفرنسي كلود سافاري في كتابه »رسائل عن مصر« عام 1776، وتضمن ترجمة لبعض معاني القرآن الكريم. يستعين المؤلف بمقولة أحدهم تعليقا علي انطباعات الرحالة إداورد لين عن مصر، بأنه لا يستطيع رحالة أوروبي بعد كتاب لين عن عادات المصريين، التوجه إلي مصر دون أن يكون علي معرفة تامة بأنه يفد إلي مجتمع له دستوره الواضح المعالم للعادات والأخلاق وآداب اللياقة، فيما ينبه إلي انطباعات الرحالة الفرنسي جيرار دي نيرفال في هذا السياق، الذي أسف لطغيان ملامح الحضارة الأوروبية علي القاهرة. وفي موضع آخر يصف الكتاب رحلة جوستاف فلوبير إلي مصر كأنه كان في «قبضة شيطان»! من كثرة ما عاني منه هناك من صخبها وزحامها وتنوعها وتناقضها، ثم هي -القاهرة- أولا وأخيرا علي حد وصف جمال حمدان معتقة أكثر مما هي عتيقة. بعد ذلك يعدد الكتاب رحالة الإسلام في القاهرة أمثال ابن بطوطة، وقاهرة البغدادي التي أسهب فيها الوصف لحمامات القاهرة علي اعتبار أنها تمثل عنصرا مهما في البنية لأساسية للمدينة الإسلامية. ويعرج المؤلف إلي ابن خلدون الذي كتب عن مصر «من لم يرها.. لم يعرف عز الإسلام»، أما بخصوص رحلات القرن الرابع عشر الميلادي فيوضح الحمد أن أهدافها أصبحت عسكرية واقتصادية، حتي إن العديد من تلك الرحلات تناول ما يتعلق ب«الأمن الوطني» مثل نظام الحكم، أو كرحلة سيرجون مانوفيل الذي حل بمصر عام 1322 وبقي بها حتي 1341، وكان يسكن منطقة القلعة، وكان من بين وظائف رحلته التغلغل داخل النظام الحربي للمماليك، ولذلك تفسيره لدي مؤلف الكتاب، حين يقول إن نظام الحكم في دولة المماليك في تلك الفترة بدأ يتخفف من القيود الشديدة المفروضة علي تحركات الأجانب. بالطبع لا يغفل الكتاب الحديث عن الجبرتي ومن قبله المقريزي في القرن الخامس عشر، ويقول عنه «قدم المجتمع القاهري في أثوابه المختلفة، زاهية وقاتمة»، ويفرد في المقابل فصلا عن موسوعة «وصف مصر» الشهيرة، واصفا إياها ب«أعظم مجهود علمي بذل حتي القرن التاسع عشر». ثم ينتقل سريعا إلي رحلة الفرنسي دي تيفينو عام 1656 إلي القاهرة، التي دونها في كتابه «رحلات في أوروبا وآسيا وإفريقيا»، ومشهور عن هذا الرحالة أنه قطع رحلة علي ظهر حمار حول المدينة والقلعة في ساعتين وربع! ومن الأحكام المجحفة دينيا واجتماعيا، كما يشير المؤلف، ما يورده عن وصف دي تيفينو لموكب عرس بقوله: «يضم عروسا محجبة بكشمير أحمر، تخطو كالشبح تحت مظلة وتساندها جاريتان»!