أمام أحدى البيوت التى صنعت من الطوب اللبن بالفيوم يجلس شحات أحمد البالغ من العمر 65 عاما، فى ورشته البسيطة المصنوعة من جريد النخل يصنع الأقفاص من الجريد, فمنذ أكثر من خمسين عاماً وعم شحات يصنع هذه الأقفاص, فقد أتقن هذه الحرفة ببراعة منذ نعومة أظافره، وأعتمدها كمصدر رزق له ولعائلته, هذا العمل جعل من ورشة عم شحات مكاناً لزبائنه من مختلف الأماكن, يقصدونه لشراء أقفاصه المتينة والمتنوعة الأشكال، ولا يزال الرجل الستينى يستيقظ فجراً ليبدأ عمله. قال العم شحات، ومن حوله عيدان النخيل المختلفة، يسحب عيدان جريد النخيل بيديه الممتلئة بالعرق، ويضعها بين إصابعه، يطرق فوقها، ويجمعها، ثم يعقد ما تبقى منها :"هذه الحرفة ورثتها عن والدى وجدى، فقد تعلمتها من والدى وأنا فى سن العاشرة، وأتقنت هذه المهنة، للأسف لم أتعلم القراءة والكتابة لعدم وجود المال الكافى، وهو ماجعلنى أضع كل اهتمامى فى تعلم هذه الحرفة، ولم أحاول البحث عن وظيفة أخرى، على الرغم من أن هذه المهنة رزقها اليوم بيومه ورأس المال الصحة". وأضاف أن صناعة الجريد تعانى مشاكل منذ بداية الثورة التى أثرت على أسعار الخام، فبعدما كنا نشتريه من محافظات الصعيد بأسعار بسيطة زادت الخامات للضعف من نصف جنيه للجريدة الواحدة إلى جنيه خلال الثلاثة أشهر الماضية، مشيرا إلى أنهم يعتمدون الآن على منطقة الجيزة "كرداسة والحوامدية" لتوريد الخام لهم . وأكد عم الشحات أنه لايتمنى توريث هذه المهنة لأبنائه خوفا عليهم من التهميش والمعاناة قائلا:" تمكنت الحمدالله من تعليم أولادى حتى وصولهم الى السن الجامعى وتجهيز بناتى الأربع من مهنتى، فأنا اتمنى أراهم فى وظائف ومناصب أفضل". وأوضح أن مهنة "القفاصين" أحد الصناعات القليلة التى لم تدخل فيها الألات ولا تستطيع الألات إنجازها بسبب الحرفية الدقيقة لها كل ما تحتاجه شاكوش وقطعة حديدية تثقب الجريده قائلا "نستطيع تشكيلة أى شىء تتخيله من الجريد". وأشار إلى أن القفاص بعد وصوله للإحترافيه يستطيع صناعة 30 قفص وكرسى يوميا وهى إنتاجية عالية وعلى حسب الإنتاجية يكون أجر القفاص، وأكد أن المهنة تشهد هجرة لشبابها بسبب عدم وجود أى ضمانات إجتماعية لأصحابها وعدم الإعتراف بالمهنة من الأساس قائلا:"فى ناس كتير متعرفش إيه مهنة القفاصين دى وتقولك يعنى إيه قفاص محدش معترف بينا". وطالب صانع الأقفاص بإنشاء نقابة تحمل إسم "نقابة القفاصين" أسوة بنقابة الفلاحين والنجارين وغيرها تتحدث بأسم الألاف العاملين بهذه المهنة قائلا:"أوعى تفتكر إننا بس اللى شغالين فى المهنة دى فيها الالآف على مستوى الجمهورية من الصعيد للاسكندرية". فيما أكد عم شحات فى نهاية حديثه أن هذه المهنة لم تندثر بتقدم الصناعات، قائلا:"أساس عملي هو النخيل، وطالما النخيل، لا يبخل علينا بالجريد، فهذا يعني أن المهنة لن تنقرض أو تنتهى".