محمد عبدالعزيز: الدستور حسم دور النيابة في تحريك الدعوى الجنائية وتوجيه الاتهام    بعد ارتفاع سعر الكتكوت إلى 45 جنيهًا.. تحرك عاجل من الحكومة (فيديو)    نتنياهو يوجه رسالة بالإنجليزية للشعب اللبناني    سماعات طبية لضعاف السمع.. وتطبيق للتواصل مع الخدمات    مدبولى: نهتم بتشكيل عقول النشء.. وعبد اللطيف: انفراجة فى عجز المدرسين    مستشار أممي: الطوارئ المناخية أبرز المخاطر المُهدّدة للعالم خلال العقد المقبل    مياه أسوان: استبدال خطوط الصرف الصحي والمياه في القرى المتأثرة بالمحافظة    الأزهرى: مفهوم التصوف مشوش ويحتاج لكشف المعنى الصحيح    الرئيس الإيراني يتهم إسرائيل بالسعي إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط    منتخب مصر للميني فوتبول أول المتأهلين لكأس العالم عقب الفوز على الكاميرون    فانتازي يلا كورة.. دياز وجاكسون "الكروت" الرابحة في الدوري الإنجليزي    مدير قطاع الأمن بمدينة الإنتاج الإعلامي يكشف التفاصيل الكاملة لحريق الحي الشعبي    تفاصيل الدية الشرعية المدفوعة من عباس أبو الحسن لأهالي السيدتين المتهم بدهسهما على المحور    القنصلية السعودية في الإسكندرية تحتفل بالذكرى ال 94 لتوحيد المملكة    إلهام شاهين تطمئن الجمهور على صحتها بعد حريق ديكور فيلم «الحب كله»: شئ مفاجئ (خاص)    إعلام إسرائيلي: بدء اجتماع المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي    تفاصيل الحلقة 7 من «برغم القانون».. إخلاء سبيل إيمان العاصي    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    تعيين الدكتورة هدى مخلوف وكيلًا لكلية الطب لشئون خدمة المجتمع بجامعة أسيوط    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    تروي ديني: دياز سيكون رجل ليفربول الأول بعد رحيل صلاح    رسالة خاصة من تريزيجيه ل أحمد فتحي بعد اعتزاله    محافظات ومدن جديدة.. تفاصيل منظومة إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم    إسرائيل صنعت «البيجر» بنفسها ثم فخخته    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    محكمة برازيلية تبقى على الحظر المفروض على "X" لعدم امتثالها لطلبات القاضى    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات مغربية عن مصر في الفن والثقافة والأدب

تتميز العلاقات المصرية المغربية بأنها علاقات مثالية ومتميزة علي جميع الأصعدة ومختلف المجالات، فمصر والمغرب لديهما قدر عال من التآخي الثقافي، والفكري، والروحي، والعاطفي، فمنذ أن جاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا، غدا البلدان مركزين مؤثرين من مراكز الحضارة الإسلامية، ولا يزال كل منهما يحتفظ بموقعه، كمركز إشعاع، ونقطة جذب. ولقد كان دور مصر الثقافي علي أرض المغرب الشقيق هو أكثر أدوارها بريقا وأعمقها أثرا، ولم تكن مقومات هذا الدور الثقافي تعتمد علي المال وحده فحسب بل أن العنصر البشري وحده كان أهم مقوم لهذا الدور، فلا يوجد مثقف كبير أو فنان مبدع‏..‏ أو شاعر نبيه في المغرب‏، إلا وقد تأثر بالمناخ الثقافي المصري بكل تفاعلاته وتتلمذ في الجامعة المصرية علي يد طه حسين‏، ومندور‏، وشوقي ضيف‏، ورشاد رشدي‏، ولويس عوض‏، وغربال‏، ومحمد أنيس‏، وزكي نجيب محمود‏، والطويل‏، وزكريا إبراهيم، والخشاب‏، والساعاتي‏، كما أن المدن المغربية الهامة مثل فاس ومراكش وتطوان وطنجة تغنت بكل الجلال بأغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ‏..‏ وشدت مع ألحان السنباطي والقصبجي وزكريا احمد والموجي والطويل وبليغ حمدي وعمر خيرت والشريعي‏، وأخذت عن شعر شوقي وحافظ ومحمود حسن إسماعيل‏، وناجي‏، وعلي محمود طه‏.
وعلي مدي أعوام خمسة عشتها في المغرب الشقيق في الفترة من 2001-2006، منها ثلاث سنوات مستشارا ثقافيا ومديرا للمركز الثقافي المصري وعامان آخران خبيرا بمنظمة الايسيسكو بالرباط، استمتعت بحب المغاربة وعشقهم لكل ما هو مصري: فن، ثقافة، أدب، وعلم... ولأن المغاربة يعرفون عن مصر الكثير حتي أن منهم من لم يزرها مرة واحدة إلا أنه يتكلم عن حواريها وأزقتها ومعالمها أكثر ممن يعيشون فيها، وعندما سألت عن السبب، قيل بسبب ولع الأشقاء المغاربة بكتابها-أي مصر- ومثقفيها ومفكريها وشعرائها القديم منهم والمعاصر ويحفظون أعمالهم عن ظهر قلب ولذا فأي مناسبة مصرية يتم الاحتفال بها أو يعلن عنها تجد الأشقاء المغاربة مهتمين بالمشاركة والإدلاء بدلوهم.
لقد نظمت وأعددت العديد من الندوات والمحاضرات شارك في العديد منها مفكرون وسياسيون مغاربة تحدثوا بحب كبير عن مصر وارتباطهم بها وما أخذوه عن مفكريها وكتابها وأنقل بالحرف في هذا المقال شهادة أربعة من كبار مثقفيهم سجلتها بقلمي وبقلبي قبله من خلال لقاء شهري كان يتم عقده تحت مسمي الصالون الثقافي المصري .
الشهادة الأولي للمفكر السياسي المغربي المغفور له الدكتور عبد الهادي التازي عضو أكاديمية المملكة المغربية أنقلها كما كتبها حيث يقول: »نشأت بالمغرب مع جيل ثلاثينات القرن الماضي وتربيت علي حب مصر والتأثر والإعجاب بمفكريها ومبدعيها . وكانت مصر تبدو لجيلي قبلة العرب ومنارة الإسلام ورائدة النهضة العربية. لذا ملأت منا العيون، وسكنت القلوب وشددنا إليها شدا وثيقا.... ابتدأت دراستي في أحضان المدرسة العربية الإسلامية التي كان الآباء المغاربة يفضلون توجيه أبنائهم إليها لينشأوا علي الانتماء للذات والخصوصية والهوية التي حافظ المغرب عليها قرونا ضاربة في أعماق التاريخ. كانوا يؤثرون تربية الأجيال الصاعدة في مدرسة الأصالة وعلي قيمها، ويرفضون أن يعهدوا بتربيتهم إلي مدارس الاستلاب والتغريب كما كانوا يسمونها والتي كان يقدمها الاستعمار الفرنسي بديلا للمنهج التربوي العربي الإسلامي الأصيل . وكانوا ينظرون إليها نظرة الريبة والحذر إذ لم تكن في نظرهم إلا فضاء غزو فكري مرفوض.
يكمل د.التازي شهادته: كانت كتب دراستنا في معظمها وعلي ندرتها مصرية . ففي كتاب النحو الواضح لعلي الجارم ومصطفي أمين ، وسفينة النحاة، وبحر الآداب، والقراءة المصورة، والوسيط في الأدب العربي، ومختصر الشيخ خليل (المصري) في الفقه وغيرها من أمهات الكتب درسنا قواعد اللغة العربية وعلوم الشرع سواء في المدرسة الابتدائية أو في حلقات جامعة القرويين بفاس.....وفي النحو الواضح والقراءة المصورة سمعنا في سن مبكرة عن القاهرة، والإسكندرية، وحلوان، وعن الأهرام، وأبي الهول، والأزهر، وقلعة محمد علي، وحديقة الأزبكية، والأوبرا المصرية، ما جعلنا نعيش مآثر القاهرة عن بعد ونعشقها بالأذن قبل العين، وتكونت لنا عن مصر من خلال ذلك وغيره نظرة مختزلة عن جغرافية البلد العظيم الذي تربينا علي حبه والإعجاب به وتقديره ... وعندما بلغت سن الخامسة عشرة كنت أنا ونخبة من رفقائي في الدراسة نتعاقب علي العدد الواحد من مجلة الرسالة المصرية لأحمد حسن الزيات ، ليقرأه كل واحد منا في ظرف يومين ، يسلمه في نهاية الأجل المحدد لزميل له، ليقدمه بدوره إلي زميل ثالث، وهكذا دواليك، وكانت تصل من هذه المجلة أعداد محدودة فتتهافت النخبة المغربية عليها وتكرع من حياضها دون أن تروي منها ظمأها، وكنا نهتدي بهذه الرسالة »‬ التي تكتب فيها نخبة مرموقة من الكتاب أعتبرهم لحد اليوم من بين أساتذة . كان أحمد حسن الزيات مدير المجلة يترجم شعر »‬ لامرتين Alphonse de Lamartine»‬ وخاصة قصيدته »‬البحيرة» التي اشتهر بها وأضيفت إلي اسمه »‬ بحيرة لامرتين». كان كل عدد من المجلة يحمل مقالات ممضاة من أعلام الفكر والأدب كان من بينهم الدكتور طه حسين وأحمد أمين ومحمود عباس العقاد، ومصطفي صادق الرافعي، و »‬الدكاترة» زكي مبارك وأيضا توفيق الحكيم، ومي زيادة، وعلي الطنطاوي السوري، والناقد الساخر التونسي محمود بيرم التونسي... وما أطول قائمة الكتاب والشعراء الذين كنا نقرأ لهم بنهم، ونستمتع بعطائهم الأدبي، ونتعصب لبعضهم ضد البعض الآخر ونصبح طرفا متورطا في معركة نقاشهم الفكري الذي كم كان صاخبا وممتعا.
أما الشهادة الثانية للأستاذ الدكتور عباس الجراري عميد الأدب المغربي ومستشار جلالة الملك محمد السادس عن أمير الشعراء أحمد شوقي، عندما حل ضيفا كريما في أمسية أدبية شعرية بمناسبة مرور 134 عاما علي ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي ومرور 70 عاما علي وفاته وذلك في 16 أكتوبر 2002 ، وشارك فيها عدد من الشخصيات المغربية منهم أ.د.محمد بن شريفة عضو أكاديمية المملكة المغربية وعدد آخر من الشعراء والأدباء. وبدأ شهادته بالقول إنه يشعر بسعادة غامرة لحضوره هذا المجلس العلمي وهذه الجلسة العلمية الأدبية، وأن مصدر هذه السعادة أننا ملتئمون للاحتفال بالشعر والاحتفال بشاعر فذ كبير هو أمير الشعراء أحمد شوقي . إن أحمد شوقي رحمه الله كان طليعة كوكبة من الشعراء في المشرق العربي في العراق والشام وفي مصر بصفة خاصة هذه الكوكبة من الشعراء الذين عز عليهم أن ينظروا إلي الشعر العربي بعد عصوره الزاهرة كيف يتعرض لتدهور وكيف يتعرض للانحطاط فيعودون إلي أصوله الأولي لكي يبعثوه ولكي يحيوه ولكي يعيدوا له رونقه وبهاءه وجمال ديباجته وبداعة صوره، هذه الكوكبة التي بدأها شاعر مصر الأول محمود سامي البارودي وتبعه بعد ذلك شوقي وآخرون ولكن شوقي برز من بين كل الشعراء الذين عاصروه أو كانوا معه في هذه الكوكبة برز أحمد شوقي لأسباب كثيرة لأنه كان متصلا أشد الاتصال بالشعر العربي في عهود ازدهاره، حيث يتمثل شعراء العربية الكبار في البحتري، وأبي تمام، والمتنبي وكان يريد أن يستحضرهم في ذهنه وفي شعره وأن يقودهم إلي ساحة الشعر من خلال إبداعه هو . وبرز شوقي كذلك لأنه كان مثقفا، ودعكم مما يقال إن الشعر يمكن أن ينهض بدون ثقافة، الثقافة تغذي الشعر وتنميه وتقويه . واستطاع شوقي أن يبرز في إبداعه الشعري لأنه كان صاحب ثقافة قوية وغنية سواء علي الصعيد العربي أي في نطاق التراث العربي أو حين أتيح له أن يكتسب ثقافة غربية أجنبية لاسيما حين كان في فرنسا يهيئ دراسته في الحقوق وقوي ذلك فيما بعد حينما نفي إلي الأندلس واستطاع أن يلمس جوانب كثيرة من ثقافة الغرب . وإن أخذ عليه بعض مخاصميه من النقاد أنه لم يستفد كثيرا من ثقافة الغرب وهم مخطئون في ذلك، مخطئون في ذلك لأنهم أخذوا علي شوقي أنه قضي سنوات في فرنسا وفي إسبانيا ويومئذ فرنسا وإسبانيا تعرفان حركة أدبية وشعرية فيها شيء من الثورة علي القديم ، وفيها.. تجديد وفيها إلي آخره، وكانوا أي هؤلاء الذين كانوا يخاصمونه وإن كانوا يعترفون له بالشعر وبإمارة الشعر وبتبريزه وتفوقه في الشعر. هؤلاء أخذوا عليه أنه لم يستفد من هذه الحركة التجديدية التي كانت في فرنسا بصفة خاصة كانت حركة تقصد إلي التنكر للقديم، القديم في كل شيء ليس في الشعر فحسب ولكن في الشعر وفي الفكر وفي الفلسفة وفي الحياة العامة، إذا أنتم رجعتم إلي الشعراء الفرنسيين الذين كان يمكن أن يتأثر بهم، كانوا معاصرين له يوم كان في فرنسا من أمثال فرلين ورامبو إلي آخره .
وأضاف أنه لا يوجد شاعر أو أديب أو مثقف أو منتسب للشعر والأدب وللثقافة لم يقرأ لشوقي ولم يتأثر بشوقي . شوقي كان علما يرفرف علي كل العرب وفي كل وقت وحين وفي كل مجلس وفي كل مؤسسة هذا معروف . ولكن شوقي كان يقدم نموذجا للشاعر المتميز ويكفيني أن أتحدث ولو في كلمات محدودات عن أثر شوقي في المغرب يوم كان شوقي يقرض الشعر وينشر الشعر ويوم نشر ديوانا. وبطبيعة الحال لم تكن وسائل الاتصال يومئذ في أوائل القرن إلي سنوات العشرين أو الثلاثين لم تكن وسائل الاتصال قائمة كما هي الآن . المغرب تحت نير الحماية وليس هناك لا مجلات ولا جرائد إلا في حدود ضيقة وما يصل من مصر إنما يصل عبر أصداء قليلة ومحدودة يتلقفها العلماء والمفكرون والأدباء والشعراء ويتداو فيما بينهم . وكان يصل شعر شوقي كما كان يصل شعر غيره من شعراء المشرق الأفذاذ فكان يتلقفه المغاربة، وشوقي كانت له مكانة متميزة ويكفي أن نعرف أنه قبل سبعين سنة يوم توفي في مصر أقيم له تأبين في فاس لعله من أهم التأبينات التي عرفت في تاريخ الأدب العربي ونشرت تلكم القصائد وتلكم الخطب في ذلكم السفر القيم بعنوان يوم شوقي بفاس . وقدم له المرحوم محمد علال الفاسي وهو يومئذ شاعر الشباب. كان بعض النقاد والنقد يومئذ بالمغرب في سنوات الثلاثين مستحدث وجديد بالصيغة والنمط الحديث . النقاد بدأوا يقدمون شوقي وأضرابه من الشعراء باعتباره النموذج الذي ينبغي أن يحتذي . كان المرحوم بلعباس القباج، وهو من أوائل النقاد المغاربة، يهاجم بعض الشعراء الذين كان يراهم يعتمدون علي التقليد وليس في شعرهم شيء جديد كان ينتقدهم ويقول لهم اقرأوا شعر شوقي اقرأوا شعر حافظ اقرأوا شعر مطران إلي آخره.
وتأتي الشهادة الثالثة للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة عضو الاكاديمية المغربية وعضو مجمع الخالدين بالقاهرة، الذي رجا في مداخلته أثناء الاحتفال بأحمد شوقي ألا ننسي حافظ إبراهيم وأن الحديث عن شوقي لا يتم إلا بالحديث عن حافظ إبراهيم فلا يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر معه، فقد كانا فرسي رهان وشريكي زمان، وذكرت العديد من الدراسات التي جمع كتابها بين الشريكين ومنها علي سبيل المثال كتاب حافظ وشوقي لعميد الأدب العربي طه حسين وكتاب »‬ذكري الشاعرين» للأديب الدمشقي أحمد عبيد وكتاب »‬شوقي وحافظ» للأديب الصحفي المعروف طاهر الصنهاجي. وكان أن حقق المركز رجاء د.بن شريفه وأقام في 4 فبراير 2003 أمسية أدبية شعرية رأسها د.محمد بن شريفة بنفسه وشارك فيها عدد من المثقفين والمفكرين، وكانت هذه هي شهادة د.بن شريفة وبالرغم من أنها جاءت مختصرة ولكنها ثرية بمعلوماتها وبدأها بقوله: وإذ ينظم المركز الثقافي المصري بالرباط اليوم هذه الأمسية الأدبية الشعرية لشاعر النيل بمناسبة اختيار الرباط عاصمة للثقافة العربية لعام 2003 وبعد مرور ثلاثة أرباع قرن علي وفاة شاعري العربية الكبيرين شوقي وحافظ فإنه يكون قد نهج نهج السابقين المذكورين في الجمع بينهما وإن كان الجمع هنا يعتبر جمع تأخير. واستطرد قائلا وإن من عجائب الأقدار بعد هذا وقبل هذا أن الموت جمع بينهما في سنة واحدة فقد بدأ حمام الموت بحافظ ثم ثني بشوقي بعد شهرين ونصف تقريبا وكان شوقي رثي حافظ بقصيدة مطلعها :
قد كنت أوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتي من الأحياء
لكن سبقت وكل طول سلامة
قدر وكل منية بقضاء
ومما يذكر في هذا الموضوع أنه لما توفي الشيخ محمد عبده في سنة 1905 قام علي تأبينه ستة من الأعلام هم حسب ترتيبهم في الكلام الشيخ أحمد أبو خطوة وحسن باشا عاصم وحسن باشا عبد الرازق وقاسم بك أمين وحفني ناصف وحافظ إبراهيم فكان من عجيب القدر أن وفياتهم كانت علي هذا الترتيب ولما بقي اثنان من هؤلاء وهما حفني وحافظ خاطب الأول الثاني بهذه القطعة اللطيفة :
أتذكر إذ كنا علي القبر ستة
نعدد آثار الإمام ونندب
وقفنا بترتيب، وقد دب بيننا
ممات علي وفق الرثاء مرتب
أبو خطوة ولي، وقفاه عاصم
وجاء لعبد الرازق الموت يطلب
فلبي، وغابت بعده شمس قاسم
وعما قليل نجم محياك يغرب
فلا تخشي هلكا ما حييت، وإن أمت
فما أنت إلا خائف تترقب
فخاطر، وقع تحت القطار ولاتخف
ونم تحت بيت الوقف وهو مخرب
وخض لجج الهيجاء أعزل آمنا
فإن المنايا منك تجري وتهرب
فلما مات حفني سنة 1919 أخذ منذ هذا التاريخ ينتظر الموت، وله من قصيدة قالها في ذكري الشيخ محمد عبده سنة 1922 يردد فيها ما ذكره حفني ناصف:
آذنت شمس حياتي بمغيب
ودنا المنهل يا نفس فطيبي
قد مضي حفني وهذا يومنا
يتداني فاستشيبي وأنيبي
اذكري الموت لدي النوم ولا
تغفلي ذكره عند الهبوب
راعني فقد شبابي وأنا
لا أراع اليوم من فقد مشيبي
حن جنباي إلي برد الثري
حيث أنسي من عدو وحبيب
قد وقفنا ستة نبكي علي
عالم المشرق في يوم عصيب
وقف الخمسة قبلي فمضوا
هكذا قبلي وني عن قريب
وردوا الحوض تباعا فقضوا
باتفاق في مناياهم عجيب
أنا مذ بنو وولي عهدهم
حاضر اللوعة موصول النحيب
ثم تساءل ماذا بقي من حافظ وشوقي بعد مرور قرن إلا ربعا؟
لئن كان شعرهما الذي فتحنا أعيننا علي ترديده هو وليد بيئته وصورة وقته ووثيقة شاهدة علي عصره فإن قدرا غير قليل منه لم يفقد حيويته ولم تنل الأيام جدته، ولم ينسنا اختلاف الليل والنهار ذكره وإذا المقياس هو كما يقول شاعر قديم :
يموت رديء الشعر من قبل أهله
وجيده يبقي وإن مات قائله
أو كما يقول المتنبي :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
فإن استحضارنا لشعر شوقي وحافظ في مختلف المناسبات عنوان البقاء وأمارة الخلود ومَن مِن الناس من لا يردد قول شوقي علي سبيل المثال.
فإنما الأمم الأخلاق مابقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن من الناس من لا يردد قول حافظ:
أعددت شعبا طيب الأعراق
وقد سارت لحافظ أبيات مسير الأمثال كقوله في شوقي :
أمير القوافي قد أتيت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
وقوله فيه أيضا :
هذا امرؤ قد جاء قبل أوان
إن لم يكن قد جاء بعد أوانه
وإذ قرأنا مثل قوله في قصيدة غادة اليابان:
لا تلم كفي إذا السيف نبا
صح مني العزم والدهر أبي
رب ساع مبصر في سعيه
أخطأ التوفيق فيما طلبا
مرحبا بالخطب يبلوني إذا
كانت العلياء فيه السببا
فإننا لا نفرق من بين حافظ وبين طبقة البحتري وأبي تمام والمتنبي والمعري وأضرابهم.
ثم ختم كلامه الموجز بشهادتين في حق حافظ إحداهما لمغربي والأخري لمشرقي فأما الأولي فهي للشاعر الزعيم علال الفاسي الذي يقول في مقالة منشورة في كتاب »‬يوم شوقي بفاس» ربما كان شعر حافظ إبراهيم أكثر انتشاراً في الأوساط العربية من شعر شوقي، وإذا أمكننا أن نقيس المغرب علي غيره من الشعوب العربية فإن حافظا يقرأ ويفهم في طبقاتنا أكثر مما يقرأ ويفهم شوقي، وإذ كان هذا ينال الإعجاب والتقدير في دوائر الأدب العليا عندنا وفي الشرق كافة فإن عامة أدبائنا يأبون إلا تقدير شاعر النيل والإعجاب به أكثر وكتب هذا الكلام سنه1932.... وأما الشهادة الثانية فهي لعميد الأدب الذي كان يعز حافظ ويقدمه علي غيره: قال: رحم الله حافظا ! لم يكن فردا يعيش لنفسه بنفسه وإنما كانت مصر كلها بل الشرق كله بل الإنسانية كلها في كثير من الأحيان تعيش في هذا الرجل. (انتهي كلام د.بن شريفة).
الشهادة الرابعة للأديب المغربي المعروف الدكتور بنسالم حميش (وزير الثقافة السابق)، والتي أتت في حفل تكريمه بمناسبة فوزه بجائزة نجيب محفوظ الأدبية التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة كل عام، حيث بدأها بتعبيره عن منتهي السرور والاعتزاز بحصوله علي جائزة نجيب محفوظ للأدب وأن هذا السرور لم يشعر به في ما فات من جوائز علي قلتها حصل عليها، لأن الجائزة تعطي باسم عالم عربي ولكن هذا العالم أصبح له بعد عالمي وأنها كذلك أتت من مصر العربية مصر التي في ناظره وخاطره وأن هذا تقدير ليس فقط في حقي الشخصي ولكن هو عبارة عن التفاتة للحركة الأدبية وعلي وجه التحديد الروائية هنا في المغرب. ويستمر د.حميش بقوله: وتحضرني بالمناسبة ارتسامات الروائي الكبير رحمة الله عليه نجيب محفوظ في بداية الأربعينات عندما حصل علي جائزة اسمها جائزة قوت القلوب وكان قدرها المالي حينذاك 20 جنيها ما يعادل 40 درهما اليوم . و حصل بعد ذلك علي أخري جائزة مجمع اللغة العربية وقدرها حينذاك كان 100 جنيه فقال فيما يخص هذه الجائزة الثانية إنها أكثر فائدة من فلوس جائزة نوبل التي حصل عليها . وقوله إن هذه الجوائز ساهمت في رفع محتوياته وتحفيزه علي السير دوما في هذا المجال الذي اختطه لنفسه وهو مجال الكتابة الروائية . قد أقول معه نفس الشيء لكن ثقوا بي إن قلت بأن هذا التشريف يجعلني أكثر إحساسا وشعورا بالمسئولية من أن لا أخيب ظن من توسموا الخير في هذه الأعمال لهذا أعمل علي تعويض عن النقائص وما أكثرها وعن ثغراتي وما أكثرها كذلك والحال أني أري أن ربما أجمد وأقوي رواياتي هي ما أنوي كتابتها.
وأضاف: إن الأدب والرواية علي وجه العموم هما قيم حقيقية ما أحوجنا إليها لأن هذه القيم تكرس قيمة الجمال وقيمة الجمالية . لأنها العمود الغائب أو الفقير في حياتنا علي وجه العموم. جمال العلاقات الإنسانية، جمال الخطابات، جمال الرؤي وما إلي ذلك. كما أن الأدب علي وجه العموم والرواية علي وجه الخصوص قد تمثل كذلك القيمة الترياق ضد التسحرات الدهنية وتفشي البدوات والتشنجات المذهبية والعزفية أو العرقوية . كما أنها القيمة الترياق ضد أنظمة الحكم الفردي والاستبدادي وضد مسلكيات ما كان القدماء يسمونه بالحشريين والغلاة وما نسميهم اليوم بالمتطرفين .
الرواية هي الوجه الآخر للتاريخ، الوجه المغير، الوجه المسكوت عنه من طرف روايات المؤرخين الرسميين أو روايات التاريخ المتحكم أو الاعتباطي الرسمي، الرواية أخيرا هي إعادة بناء وإعادة تشكيل الواقع .
كلمة وجيزة جدا عن هذه الرواية أقول باختصار شديد بأنه يمكن اعتبارها علي نحو ما بأنها رواية تاريخية ولكن ليس كالرواية التاريخية التقريرية كما مارسها قبلي بكثير جورج زيدان أو أندري موران بفرنسا. بل إذا ما طرحنا هذا السؤال: الرواية التاريخية بأي معني؟ نجد الجواب عند نجيب محفوظ نفسه لأنه فعلا كان العربي السباق إلي بناء هذا الجنس وإلي الاشتغال فيه بدء من ثلاثيته الفرعونية المعروفة . حيث قال إن الرواية التاريخية هي الصنف الآخر الذي يجعل من التاريخ مجرد إطار ينشئ أحداثا وعلاقات وشخصيات ليس لها بالضرورة صلة بالتاريخ وهذا ما فعلته كما يقول في الثلاثية وما لم يدركه لويس عوض في نقده الجائر لأجل الثلاثية . ويستمر قائلا: حتي الروايات الفرعونية التي كتبتها كان عندي فيها مساحة للعمل الخيالي. الخيال هنا بمعني فقط الافتراض أو ما يسمي في العلوم الطبيعية أو العلوم الرياضية أو العلوم الدقيقة بالفرضية . بمعني أن في العلم كذلك العالم نفسه في حاجة ماسة إلي الخيال وأن الخيال عنده يعمل كعامل تخصيب في البحث العلمي وفي إنعاشه . كما أنه ظهرت غداة الحرب العالمية الثانية مدرسة في التاريخ تقول بأن الهوامش لا بد وأن ترجع إلي المركز وبأن التاريخ من وجهة نظر المغلوبين وهذا ما يمكن أن تسهم فيه أي إسهام أن الرواية التاريخية واليوم حتي أدب نجيب محفوظ الذي استرح علي تسميته بالواقع الاجتماعي يمكن الآن قراءته قراءة تاريخية عند القاهرة الجديدة وزقاق المدق أو خان الخليلي فضلا طبعا عن ثلاثيته الشهيرة التي هي إطارها التاريخي ثورة 1919 ، فلحظات وتجليات من تاريخ مصر المعاصر حاضرة بقوة في هذه الأعمال . ثم هناك صورة أو إطار الحارة التي أعتقد بأنها هي آتية من اليونانية، الحارة هي الآن عبارة عن مكروكوز يعني يمكن إذا ما اقتربنا منه ووضعناه تحت المجهر أن نري فيه انعكاسات العالم ككل الحياة الإنسانية بما تعز به من قضايا ومشاكل ومقادر وأقدار إلي آخره. إن تألق أعمال نجيب محفوظ كذلك مدينة إلي شيء آخر وهو الفلسفة وما أدرك منها الفلسفة فنجيب محفوظ سجل أطروحة مع الشيخ مصطفي عبد الرازق واسمها فلسفة الجمال في الإسلام لكن لم يستطع إكمالها، الشيء الذي تأسف له أستاذه في الفلسفة حينذاك الأستاذ ( كوربين ) لكن أنا أعتقد في جميع الأحوال بأن نجيب محفوظ في كل أعماله لم ينصرف من الفلسفة إلي الأدب بل ظل يمارس الأدب في الفلسفة وتوفق في ذاك توفيقاً كبيرا كما كان الحال أو علي غرار كتاب وروائيين كبار.
ختاما من باب الاعتراف بالجميل، ونعوذ بالله من العقوق، أقول إني مدين لنجيب محفوظ بالشيء الكثير وقلت هذا الكلام لكي لا أقول هذا الكلام بالمناسبة أو للمناسبة، أنا قلت هذا الكلام وكتبته إما في شكل مقالة وفي شكل رد علي أجوبة في استجوابات . أول مقالة نشرتها وأنا حديث العهد بالجامعة وبالأدب، كانت حول اللص والكلاب ونشرت في العلم إذا لم تخني الذاكرة وما أعجبني كثيرا بالذات في هذه الرواية وكنت أنا بنفسي ميالا إلي شيء من التصوف هو شاعرية هذه الرواية الصوفية كذلك الحال بالنسبة للسمان والخريف الذي قال عنها الناقد الكبير الذي كان عضوا في لجنة تحكيم هذه الجائزة رجاء النقاش، إن هذه الرواية كانت مليئة بالندي الشعري الدافق من هنا طبعا بالنسبة للناس الذين يتخندقون في أجناس معينة ويقيمونها حرب شعواء ما بين الشعر والرواية أو الشعر وأي جنس آخر، أنا أقول بأن نجيب محفوظ أتي بالحل . الحل هو ألا يمكن لأي رواية أن تتألق إلا إذا كان الشعر حاضرا فيها بشكل أو بآخر في اللحظات الدرامية المتألقة في الاحتداد الشعور المأساوي بالوجود أو بالحياة إلي آخره. إذن قضية زمن الرواية كما قاله نجيب محفوظ وكما قال كذلك فيما بعد جابر عصفور لا يعني أننا سنعلنها حرباً ضد الشعر لا هو فقط يمكن اعتباره ملتقي للأجناس . والشعر لابد أن يكون حاضرا بقوة فيه . كنت وما أزال كذلك من المعجبين بشخصية نجيب محفوظ الجذابة هذا العميد السابق في كرة القدم الذي قاوم كما جاء في العرض إكراهات الوظيفة والمتاعب الصحية وتوحشات فقراء الظلام بإدارة قوية في التحصيل المعرفي المواظب والإبداع الأدبي المتقاعد فلم تثنه عن أخذ نصيبه من طيبات الدنيا وتحلي بروح النكتة، هذه النكتة التي كم أفادتني وأنا أحرر فصلاً في مجنون الحكم يحمل هذا العنوان بين النكتة والانتقام »‬مصر تحترق» .
وأخيراً النقطة الثالثة »‬اللغة» كم من سجلات ومواقف متعارضة متضاربة قامت حول هذه القضية وحينما نرجع إلي نجيب محفوظ نجد بأن الرجل اهتدي إلي السليم فيما يخصها هذا التعارض الاصطناعي الذي نضعه بين الفصحي والعامية . هو اهتدي إلي ما أسماه اللغة الوسطي. ومنذ همس الجنون المجموعة القصصية الأولي لنجيب محفوظ ظل حريصا علي استعمال هذه اللغة الوسطي التي تتجاوز التعدد اللهجي وكذلك تتجاوز غريب الألفاظ وعويصها وصعبها وظل إلي استعمال الكلمات والتعابير العامية خاصة إذا كان لها في الفصحي مرجع وأصل . وهذا العمري المسلك الأقوم والأسلم وهو مسلكي كذلك .
النقطة الرابعة وهي فيما يخص تقنيات الكتابة. كل ما يقوله النقاد عن تقنيات الكتابة الروائية. فمشكلتها يحلها نجيب محفوظ بصديقته الأدبية المتأصلة وببداهته النظرية الثاقبة انطلاقا من المأثور القائلة ولعل قائلها هو (أوندي جيد) الفن يكمن في إخفاء الفن بمعني أن الروائي ليس مطالبا بأن يثقل كاهل النص بالتقنيات وبأن يجر هذه التقنيات جرا كما حصل لأصحاب الرواية الجديدة كما هو في علمكم إلي آخره. وكان يعتبر بأن كل مضمون يفرض تقنية كما أن كل مقام يستوجب مقاله .
إن اعتزازي كما قلت في هذه الرواية يكمن في كونها آتت من أرض الكنانة . التي كان لها السبق في أشياء كثيرة وكان لها النصيب الوافر وما يزال في تقوية الهوية الإسلامية وكذلك العربية ولو أن سواد ساكنة مصر منحدرون من الفرعونيين مثل الفراعنة ومن النوبيين نسبة العرب الأقحاح فيها ما أقلها . مصر كذلك المساهمة أيما إسهام كانت وما زالت في خلق رموز الوحدة القومية الحقيقية ولا أجدر منها ولا أنفع ولا أبقي وأعني بهذه الرموز: رموز الثقافة، الغناء والموسيقي، رموز المسرح ورموز التمثيل إذا هذه الرموز المتمثلة في المثقفين والمبدعين والفنانين وهم في تصوري بناة تجانس النسيج الثقافي العربي وحماته ومطوروه بالرغم طبعا من نكساتنا وتعثراتنا في السياسة وفي اكتساب القوة المادية . مكمن الداء في التجارب القومية والممارسات القومية السالفة أشخصها في كلمة واحدة نعوذ بالله منها كذلك وهي الزعامة وحب الزعامة التي كانت تقسم العالم العربي إلي مركز وإلي ضواحي أو إلي محيط .
وعلال الفاسي اشتكي من هذا المعطي أو من هذا الواقع الذي كان يفرضه بعض دعاة القومية فرضا اعتباطيا متحكما. كما أن الأستاذ المرحوم عبد الله كنون في النبوغ المغربي نبه إلي ذلك . الآن أعتبر بأننا قد تجاوزنا الحمد لله هذا الوضع وأننا انطلقنا انطلاقة أخري. أنا أعتبر حتي كلمة وحدة يمكننا أن نضحي بها لكي نستبدلها بمقولة الاتحاد. الاتحاد ضرورة لابد وأن تقوم علي شاكلة أو علي غرار الاتحاد الأوربي مع العلم أن أوربا لم تولد موحدة ولكن لا يأتي الاتحاد إلا بعد أزمات.
وتاريخ طويل من الأزمات والحروب آخرها طبعا الحرب الكونية الأولي والثانية ولكن قبل هذا حرب الثلاثة مائة سنة خلال القرن الرابع والحرب الثلاثين سنة خلال القرن السابع عشر إلي آخره. فإذا الوحدة أو الاتحاد كان ثمرة هذه المخاضات العسيرة وهذه الأزمات المستفحلة . ونعتبر حتي بالنسبة لنا بأن إرادة الوحدة لابد وأن تبقي قائمة نصب أعيننا وأن تبقي كذلك الفينق الذي ينبعث دوما وأبدا من رماده .حتي نجابه تحديات العصر الكبري ونكسب أسباب المناعة الحيوية اللازمة والقوة الواقية .وأنا أعتبر أنه في هذا المشروع الذي نحن مطالبون جميعا بالانضواء فيه إيجابيا، الثقافة في مجال البحث كما في مجال الإبداع، وهي مطالبة بأن تلعب دورا أكاد أقول قياديا وأن تلعب دورا رياديا من أجل توثيق أوراق العلاقات بين الجناحين المكونين للعالم العربي وتقوية هذا النسيج الثقافي الذي بدونه لا يمكن مطلقا علي صعيد اللغة كما علي صعيد الإنتاج الأدبي والفكري والفني. بدون هذا النسيج أنا أعتقد لا يمكن لذلك الاتحاد حتي في معطياته الاجتماعية والاقتصادية أن تقوم له قائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.