مضى يوم 26 سبتمبر الذى كان مقررا أن ينتهى فيه التجميد الجزئى للاستيطان فى الضفة الغربية تنفيذا لقرارات المفاوضات المباشرة التى عقدت منذ أربعة أسابيع فى واشنطن.. وتواصلت فى شرم الشيخ وبيت المقدس. مضى هذا اليوم.. والجميع يرقب تحركات وقرارات حكومة بنيامين نيتنياهو الذى يصر على يهودية إسرائيل واستمرار الاستيطان رغم تصريحاته الأخيرة بعد 26 سبتمبر التى يطالب فيها المستوطنين اليهود بضبط النفس.. وكأنه يهدف إلى إبقاء محادثات السلام أو الاستيطان مؤكدا حرص الجانب الفلسطينى على السلام وأن الجانب الفلسطينى سيبذل كل الجهد لتحقيق السلام مع الإسرائيليين خلال عام. مضى هذا اليوم دون تأكيد واضح للموقف الذى كان مفروضا أن يمهد طريق السلام.. وانتصر التطرف الإسرائيلى الذى ينفذ سياسة الصهيونية التوسعية. وكل الدلائل تشير إلى أن سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هى العقبة الرئيسية التى تحول دون التوصل إلى الأمن والسلام فى منطقة الشرق الأوسط.. وأنه إذا حاول رئيس وزراء الخروج عن هذه السياسة يكون مصيره مثل إسحق رابين الذى اغتاله بيجال عامير المتطرف اليمينى الصهيونى الإسرائيلى بعد أن كان قد توصل إلى اتفاق مع سوريا فى وثيقة كانت تعرفها الإدارة الأمريكية للجلاء عن الجولان وتحقيق سلام شامل عادل فى المنطقة. وأذكر عندما صرح لى جمال عبد الناصر بمقابلة ناحوم جولدمان - رئيس المجلس اليهودى العالمى عام ,.1968 أن جولدا مائير رئيس الوزراء قد رفضت اقتراح ناحوم جولدمان الذى سبق له أن تقدم به إلى الماريشال تيتو زعيم يوغوسلافيا راجيا إبلاغه إلى جمال عبد الناصر برجاء مقابلته اقتناعا منه بأن إسرائيل لا يجوز لها أن تعيش فى محيط من العداء مع العرب وأنه لابد من سلام شامل للمنطقة.. وهنا خرجت الجماهير فى مظاهرات معادية للحكومة الإسرائيلية تهتف ( إلى القاهرة يا جولدمان.. إلى المطبخ ياجولدا ). ومنذ ذلك التاريخ أى منذ أكثر من 40 عاما ومحاولات العرب لتحقيق السلام لم تنقطع... وآخرها قرار مؤتمر القمة العربية فى بيروت 2002 الذى ينص على إقامة علاقات مع إسرائيل إذا حققت هدف شعب فلسطين فى إقامة دولته المستقلة.. منذ ذلك التاريخ ومحاولات السلام تتبدد أمام التطرف الإسرائيلى الذى يجسده نيتنياهو الأمريكى الأصل.. وهنا نشير إلى أن شعب إسرائيل شعب غير متجانس.. فهو يجمع بين جنسيات وعرقيات مختلفة.. تمتد من بولندا وروسيا وأمريكا والحبشة وغيرها..ولذا فإن إصرار نيتنياهو أخيرا على أن تكون إسرائيل دولة يهودية هو اقتناع منه بأن نسيج الدين هو الذى يربط بين سكان هذه الدولة.. وهو أمر يتنافى مع العقيدة الصحيحة التى تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع. وأشير على سبيل المثال إلى أن اليهود الذين كانوا يعيشون فى مصر قبل قيام إسرائيل.. قد أقاموا مؤتمرا فى باريس خلال وزارة نتنياهو الأولى فى أواخر تسعينيات القرن الماضى بهدفين رئيسيين أولهما العمل على مساندة السلام فى المنطقة والثانى هو إدانة أسلوب نيتنياهو العدوانى. واليهود داخل إسرائيل لا يتكاتفون على رأى واحد.. فهناك فى إسرائيل حركة الحوار الفلسطينى الإسرائيلى التى كان يرأسها الجنرال ميتيتياهو بيليد الذى قاد جيش إسرائيل فى سيناء أثناء غزو 5 يونيو 1967 ثم اقتنع بعد ذلك مثل اسحق رابين بأهمية السلام بين العرب واليهود كما كان الأمر فى الماضى قبل قيام إسرائيل. وفرصة المفاوضات المباشرة يجب أن تواجه فى حسم قضيتين رئيسيتين.. هما وقف الاستيطان ومحاولة تهويد القدس ودولة إسرائيل من جهة.. والاتفاق على حدود شرعية لدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف من جهة أخرى. ولاشك أن الجهود التى يبذلها قادة بعض الدول لحشد الدعم الأوروبى لإنجاح المفاوضات المباشرة وصولا إلى السلام الشامل والعادل هى خطوة يجب أن تقترن بخطوات من جانب زعماء جميع الدول صاحبة التأثير على إسرائيل مثل الإدارة الأمريكية التى أعلن رئيسها أوباما بأنه مع السلام وضد الاستيطان ، ولكنه لم يتخذ خطوات ضاغطة على حكومة إسرائيل تجبرها على الرضوخ لتنفيذ المواثيق والقرارات الدولية.. والبعد عن التطرف الذى يبدد كل محاولات السلام. والأيام القادمة سوف توضح فى جلاء رغبة الحكومة الإسرائيلية.. إما فى مواصلة سياستها العدوانية لاستمرار الاستيطان والتهويد.. وإما الاستجابة إلى الرأى العام الدولى الذى يناصر السلام ويعادى الاستيطان والتهويد.