أحسنت مجلة روزاليوسف صنعا بالحوار مع القس المتطرف تيرى جونز، وعندما قرأت الحوار استطعت أن أدرك أن المتطرفين فى كل أنحاء العالم وعلى اختلاف توجهاتهم إخوة، فهم لهم نفس الأسلوب وطريقة التفكير وتناول الأمور والخروج بنتائج تبدو غريبة بل ومستهجنة ومرفوضة من الأغلبية المعتدلة، وجاءت كلمة متطرف من الشخص الذى يمسك بعصا من طرفها وينظر إليها بعين واحدة فتبدو غليظة من ناحية ورفيعة من الناحية الأخرى، أى تكون نظرته خاطئة، عكس من ينظر إلى العصا من منتصفها فيرى العصا معتدلة أو الذى ينظر بعين واحدة فى أنبوب فلا يرى من العالم سوى مايسمح به هذا الأنبوب. هذا الرجل نظر إلى الإسلام من خلال أنبوب 11 سبتمبر وقام بتعميم هذا الحدث على جميع المسلمين، وأرجع تفسير هؤلاء البشر للقرآن على أنه التفسير الإسلامى والنموذجى والعام لكافة المسلمين فى كل العالم وهذا خطأ منهجى فى التفكير، وهو خطأ التعميم، فقد عمم الحادث على كل المسلمين وعمم تفسيرهم وكأنه تفسير مجموع الفقهاء، وفى الحقيقة الواقعة أن غالبية المسلمين يرفضون مثل هذه الأحداث المتطرفة وأعلنوا ذلك فى كثير من المناسبات، أما الأمر الثانى فهو السطحية الشديدة فى معالجة الأمر، ففى حديثه أعلن أنه لم يدرس القرآن وأن تكوينه لفكرة تطرف الإسلام كدين جاءت من حياته فى أوروبا مع مسلمين، وبالطبع كونه يكون تفكيره عن الإسلام من خلال علاقته بمسلمين مهاجرين فى أوروبا فهذا تفكير غير علمى وغير موضوعى وأيضا فيه تعميم مخل بكل مبادئ التفكير الصحيح، مع أنه أثناء وجوده لمدة 30 عاما فى أوروبا، كان أمامه القرآن مترجما، كما توجد عدة كتب تشرح الإسلام باللغة الانجليزية، كذلك يوجد مسلمون كثيرون معتدلون كان يمكنه الحوار معهم، لكن من الواضح أن هذا القس لا يميل لدراسة الموضوعات التى يتصدى لها، ولا يأخذ الأمور بجدية أكاديمية، لكنه اعتمد فى تفكيره على توجه عاطفى واتجاه تعصبى ورفض للآخر بسبب دينه أو بسبب انتماءاته دون محاولة فهم الآخر بعمق، ومن الأمور العجيبة التى تتضح من حديثه أنه لم يلتفت إلى النتيجة المتوقعة لما قرر أن يقوم به، وأنا هنا لا أقصد مجرد العنف الذى يمكن أن يقابل به أو الاضطرابات التى يمكن أن تحدث فى العالم كله، أو حركة الاحتجاج الإسلامى فى الاعلام.. الخ لكن يمكن أن يؤدى هذا العمل إلى كراهية شديدة للمسيحية، وبدلا من أن يقدم صورة المسيحية المتسامحة يقدم صورة مشوهة للإنجيل الذى يحمله بين يديه، إن هذا الرجل لم يدرس إطلاقا ردود الفعل سواء من الكنائس المسيحية المعتدلة فى كل العالم أو الاستياء العام من جميع المسلمين والإحساس بالاهانة، إن ما يقوم به يعود بنا إلى البدائية الفكرية ، والتفكير الجزئى والرؤية المنغلقة، لندخل فى دائرة من العنف ورفض الآخر على أساس الهوية أو الدين، وأنا أرى أن هذا الرجل لا يتمتع إطلاقا بمواصفات رجل الدين الذى يحمل رسالة إلى العالم، فرجال الدين يحملون دائما رسالة الحب والسلام وكلمة إنجيل تعنى بشارة سارة، وهل البشارة السارة التى يحملها هذا الرجل هى تمزيق الكتاب المقدس للآخرين الذين لا يؤمنون ببشارته أم يقدم لهم البشارة التى تعلمها من الإنجيل ومن كلمات السيد المسيح الذى دعا الناس إلى الحب والسلام، لقد نسى هذا الرجل كلمات الإنجيل «إن كنت أتكلم بألسنة الناس ، والملائكة وليس لى محبة فقد صرت نحاسا يطن أو صنجا يرن، وإن كانت لى نبوة وأعلم جميع الأسرار وكل علم وإن كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس محبة فلست شيئا» رسالة بولس الرسول إلى كنيسة كورنثوس الإصحاح الثالث عشر. والمعنى أن الإنسان لو تمتع بالعلم والإدراك والايمان الذى يصنع المعجزات وتحدث بلغة الملائكة، لكن دون محبة للآخرين فكل هذا الجبل أجوف، وهو إنسان بلا قيمة حقيقية فهو ليس شيئا، أما أطرف ما قاله جونز وهو أنه يمزق القرآن ليتصدى للمشاكل التى تهيمن على أمريكا اليوم، وهى مشاكل انعدام الأخلاق والشذوذ وقال:«الكنيسة تختبىء من مشاكلها وتتعامل معها بجبن، القساوسة لم يعودوا يخدمون الله كما كانوا .. الخ، السؤال ماهى العلاقة بين كل ذلك وتمزيقه للقرآن ؟!! وهكذا نرى نموذجا لخلل التفكير الذى أدى إلى سطحية التناول للقضية التى يريد الدفاع عنها، فامتلأ بالكراهية للآخر المختلف فلجأ إلى حركة عنيفة ضده، تمزيق القرآن، أنتجت استياء شديدا عالميا بين المؤمنين بالأديان وغير المؤمنين وأوصله كل ذلك إلى تناقض مع مبادئ العقيدة التى يظن أنه يدافع عنها فسدد طعنة نجلاء إلى الرسالة التى يحملها، وهكذا قرر الانتحار (تفجير نفسه).