ليس «أبوالليف» وحده هو الذى نجح مؤخراً فى أن يقدم تجربة غنائية غير تقليدية ومختلفة عما تستوعبه السوق الآن، فهناك آخرون يحاولون قدر استطاعتهم أن يقدموا تجارب موسيقية حقيقية عن الإنسان المصرى وأن يكسروا الروتين الغنائى ولكن لم تحظ تجربتهم بنفس الاهتمام الإعلامى لأسباب إمَّا أنها تتعلق بظروف الإنتاج والتسويق والدعاية أو تتعلق بطبيعة المضمون الذى يقدمونه والذى لا يحمل ما يكفى من المثيرات والمشهيات الإعلامية. من هذه الأسماء «مأمون المليجى» الذى تتشابه تجربته إلى حد ما مع تجربة «أبوالليف» فهو أيضا اتجه إلى الغناء مؤخرا، لأن مجال عمله الأساسى هو الهندسة المعمارية وهو أيضا يحاول أن يناقش قضايا اجتماعية من خلال أغنياته، ولكنه لم يحظ بنفس مساحة التركيز الإعلامى التى حظى بها «أبوالليف» بل المفارقة أنه فى حين لم تعترض الرقابة ولو للحظة على أى كلمة من ألبوم أبو الليف إلا أن الوضع لم يكن كذلك مع «المليجى» والذى اصطدم بالرقابة على المصنفات الفنية أكثر من مرة لا لشىء إلا لأنه أراد أن يروى تجربته بالمفردات التى يراها صادقة. فى السطور التالية يتحدث «المليجى» عن تجربته ويروى الأسباب التى جعلت تجربة «أبو الليف» تحقق كل هذه الأصداء بينما مازالت تجربته هو فى أحضان المراكز الثقافية. ألبومك الذى صدر منذ فترة قصيرة اسمه «غير حروف الغنا» ما المقصود ب هذا الاسم؟ - أى أننا لابد وأن نغير طريقتنا فى التعامل مع الأشياء، فى كل الأماكن وكل المواقف سواء كنا نتحدث عن سلوكياتنا فى الشارع أو فى إشارات المرور أو فى الحياة بشكل عام، ليس من المنطقى أن يسود قانون أنا وبعدى الطوفان، وأن تسيطر علينا أفكار من نوعية «عيش ندل تموت مستور». كل هذه المعانى أحاول أن أوجهها فى شكل رسالات غنائية إلى كل مواطن، الطبيب فى عيادته، رؤساء الأحزاب، للأب، للأم ولكل فرد يعيش فى مصر». هذه الرسالات أصبحت تتطرق إلى الكثير من المواضيع الحياتية اليومية أليس كذلك؟ - بلى لأننى ببساطة فنان لديه هموم تشغله ونفس الشىء بالنسبة للشعراء الذين أعمل معهم، يشغلنا ما يحدث الآن فى الشارع المصرى لذا تجدنا نتحدث مثلا عن التدين الشكلى فنقول «مسلم والرك على النية، مش قصة دقن وجلبية»، وتجدنا فى أغنية أخرى اسمها «نحلم سوا» نتحدث عن المسلمين والمسيحيين فنقول «نعشق ندوب، صبح وغروب، ونعيش فى ضل شمسنا»، ليس هذا فقط بل تحدثنا حتى عن حادثة العبارة فى «عبَّارة الخوف» التى توقف عرضها على التليفزيون بسبب جرأة موضوعها». عندما قررت الاتجاه إلى الغناء لماذا لم تحاول اللعب فى المضمون؟ - لأننى ببساطة عندما قررت أن أحقق حلمى الذى تأخر كثيرا لم تكن فى ذهنى أحلام الشهرة أو الأرباح المادية، وإنما فعلت هذا لأننى مؤمن بما أقوله، الشهرة «حاجة جميلة» وليس السعى وراءها تهمة حتى أنفيها ولكنها ليست هدفنا، وبالتالى مجيؤها أو عدم مجيئها لا يشغلنى كثيرا». اذن ما الذى يشغلك؟ - التعبير عن الناس التى تعيش من حولنا ونراها فى الشوارع، وعندما أقول أنى أعبر عن الناس فهذا معناه أنى لست مثل أبوالليف الذى لا أراه يعبر عن الشارع فحتى كلمة «خرونج» التى قالها على اعتبار أنها من الشارع قديمة وتعود إلى عصر «يوسف وهبى»، ثم إنه يجعلنى أتساءل لماذا لم يلحق كلمة «خرونج» بمشتملاتها من أشكال السباب الأخرى مادمنا نعبر عن لغة الشارع؟ أنا حزين للغاية بسبب أيمن بهجت قمر الذى أراه شاعرا رائعا ومع ذلك أقدم على كتابة كلمات كهذه، أشعر بالحزن عندما أرى ملحنا عبقريا مع صوت موهوب، وشاعر قوى يتعاونون على خلق تجربة تجعل الناس تشعر بالتيه فى مثل هذه المرحلة المهمة تاريخيا. ثم إنه كيف يعتبر «أبوالليف» نفسه مطرب الفيس بوك بينما هو يهين بشكل مباشر كل الشباب على الفيس بوك؛ لأنهم سمحوا لأخواتهم أو صديقاتهم أو من يحبونهن أن يضفن أصدقاء؛ على الصفحة الخاصة بهن.. إذن معنى هذا أن جميع هؤلاء الشباب يستحقون أن يطلق عليهم «خرونج»، هكذا اجتمع «أيمن بهجت قمر» مع «أبوالليف» لكى يعتبروا كل الشباب آهلا لصفة «خرونج».المفارقة أننى فوجئت ب«أبوالليف» بعد ذلك فى معظم البرامج المهمة «مصر النهارده»، «القاهرة اليوم» و«90 دقيقة». أريد تفسيرا لهذه الممارسات الإعلامية الغريبة، مازلت أذكر أننى وجيلى تربينا على كلمات مسرحيات «بهجت قمر» - والد «أيمن» - التى طالما حملت معانى ورسائل قيمة. أريد أن أعرف لما أقدم «أيمن» على هذه التجربة؟ هل من أجل «الفلوس»؟.. «تبقى مصيبة».. أم لأنه مؤمن بأن الشعب المصرى وصل إلى درجة من التفاهة التى تجعله يسعى وراء أى شىء تافه ومبهر فى الوقت ذاته. أيضا على «نادر» خريج الكونسيرفتوار أن يعرف أنه ليس شعبان عبدالرحيم الذى قد أقبل منه غناء كهذا. سؤال آخر كيف وافقت القنوات التى ظهر بها «أبوالليف» أن تروج لأغنية مهينة للمرأة كأغنية «الستات» التى تصف النساء بأنهن مجانين، ألم يأخذ فى اعتباره أنه بذلك يهين نموذج الأم والأخت والبنت، كيف وافق الإعلام المصرى على مثل هذه الإهانات؟». - هل تريد أن تقول أن ما يحدث مؤامرة إعلامية؟ «لا أستطيع أن أقول مؤامرة ولكن يمكننى القول إنه خلل، هناك شىء غامض لست أفهمه، فهل ما يحدث هو نتيجة لأن الشركة المنتجة لألبوم «أبوالليف» لها نفوذ ما؟.. مرة أخرى أقول لك أنها ليست مؤامرة وإنما ضحالة فكر، والمادة أيضا تلعب دورها و تعطى القدرة لأى شخص أن يتصدر غلاف المجلات بصوره. لقد تعودنا ألاَّ يقوم الإعلام الرسمى بأى مجهود من أجل تثقيف الناس ولكن كيف قبل الإعلام الخاص أن يقوم بهذا؟. عودة مرة أخرى إلى تجربتك، هل وجدت أى شركة تتحمس لها؟ - تجربتى مجهود شخصى، أولا: لأنى أنا الملحن والمطرب، ثانيا: لأن جميع الشعراء لم يتقاضوا أجرا، وثالثا: لأن الموزع الموسيقى سمح لنا بتسجيل الأغنيات فى الاستديو الخاص به، إذن يمكنك القول أنها تجربة جماعية وليست فردية. المضحك فى الأمر أن التوزيع أيضا تم بمجهودات فردية وعن طريق المتحمسين على الفيس بوك بالمحافظات المختلفة «المنصورة»، «الزقازيق»، و«طنطا». ولكن ألا تشعر بأن التجربة ظهرت متأخرة؟ - عندما جاء الوقت كان على التجربة أن تخرج إلى النور، ثم دعنى أقل لك أن رصيدى به ما يقرب من ال50 أغنية ولكن عدد الأغانى التى تضمنها الألبوم 11 أغنية وذلك لأن الرقابة لم توافق على الكثير من الأغانى مثل أغنية «أوباما، أسود فى البيت الأبيض، أحمد زى الحاج أحمد»، كذلك رفضت المصنفات الفنية العديد من الأغانى مثل «بيسألونى» التى تقول «بيسألونى ليه مافيش فرح، وأنا جوايا حلم وبيندبح، إزاى أغنى والرجال فيهم كثير لابسين طرح.. » الغريب أن الرقابة اعترضت على كلمة «طرح» وأصرت على حذفها بينما وافقت على جملة «صوت الناس ضعيف ومش لاقيين رغيف». كذلك اعترضوا على أغنية «الحلوة دى قامت تعجن مالقيتش دقيق» بزعم أنها تدعو لإثارة الرأى العام، وانصبت معظم الاعتراضات على المقطع الذى يقول «عطشانين والنيل حدانا، بس متصاب بالجفاف، عودونا نحب جوعنا، علمونا إزاى نخاف». إذن أنت تراهن على الكلمات؟ - بالطبع لأننى لست عندليبا، ولست بيتهوفن على مستوى التلحين، وبالتالى الكلمات هى التى تجذب الناس إلى أغنياتى. مجال عملك الأصلى هو التماثيل والهندسة المعمارية، فى الوقت الذى يحرم فيه الناس الفنون ألا يزعجك هذا؟ - بالمناسبة لدى أغنية عن هذه القضية لأنها تشغلنى وتزعجنى طوال الوقت، فى هذه الأغنية أقول «أصحاب دقون، أصحاب دقون، فى كل جلسة موجودون، ويحرموا كل الفنون، بيتاجروا بالدين وبيغسلوا الكذب بالصابون». ولكن كيف يتقبل منك الجمهور هذه الأغانى التى تصطدم بمفاهيم أصبحت كالثوابت بالنسبة لهم؟ - لأننى لست سكيراً مثلاً ولا عربيداً يهين معتقداتهم الدينية وإنما أنا إنسان مسلم أحترم دينى وأغار عليه وأعرف أن حقيقته ليست كما يتوهمونها، إن القرآن الذى أعرفه هو المنهج الذى نسير عليه وليس معنى أننى لم أقرأ كتب كل الذين حاولوا تفسيره أنى لست مسلما أو أن أعامل وكأنى أقل تدينا من أى شخص آخر. فهل الذين عاشوا قبل «ابن حنيفة» و«ابن حنبل» مثلا ماتوا وإسلامهم ليس صحيحا؟ أرفض أن يخاطبنى أحد قائلا «الإسلام يقول» فالأفضل أن يقول «مفهومى عن الإسلام يقول».. وبالمناسبة أنا إنسان معتدل فى نظرتى للتدين، ولى أغنيات فى مدح الرسول - عليه الصلاة والسلام. هل أنت على وعى بأن لغة الكليبات أصبحت هى الأكثر تأثيرا الآن فى عالم الغناء؟ - نعم ولى أكثر من كليب منهما» خير البرية «وهى عن الرسول» - صلى الله عليه وسلم - ولى كليب آخر «الشوارع» والذى يقوم بلعب دور البطولة فيه الفنان «صلاح عنانى» الذى كان الأنسب للأغنية نظراً لأن لوحاته تعبر عن المصريين. وبالمناسبة لقد توقف التليفزيون المصرى عن عرض أعمالى بسبب أغنية «بحر الخوف» التى تتحدث عن العبارة ولم يعد يتحمس لعرض كليباتى سوى قناتين خاصتين. أعود لأسأل مرة أخرى لماذا لم تحاول اتخاذ خطوات فعلية قبل ذلك؟ - «لقد بدأت بالفعل منذ 5 سنوات، وقتها كان عمرى 45 سنة، البداية كانت من خلال أغنية «الشوارع» ثم قدمت حفلات فى الساقية، قبل أن أقابل الشعراء الذين أعمل معهم الآن. الذى دفعنى لأن أتحرك أن المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة أصبح يندفع من سيئ إلى أسوأ، أصبح محاصرا بتدين شكلى وبأزمة اقتصادية، أنا مقتنع بأنه كلما يكبر الإنسان كلما نضجت واتضحت وجهة نظره، والحقيقة أنى أدركت هذا عندما كبر أولادى وأصبحوا شباباً، وقتها أدركت أنه على أن أتحرك وأعلن عن رسالتى لعلها تصل إلى شباب هذا البلد. كان على أن أنتظر حتى أستقر مادياً بعد الجرى وراء لقمة العيش حتى أتخذ قرار الاتجاه إلى الغناء. حدد لى ما هى أولوياتك الاجتماعية التى تشغلك وتسيطر على مشروعك الغنائى؟ -«أولا: الأمية، ثم المفهوم الخاطئ للدين الذى نعانى منه ونراه كلما اتجهنا إلى الشهر العقارى مثلا حيث تواجهنا المحجبات ونصطدم بذوى اللحى الطويلة الذين لا يعاملونك بمعاملة الإسلام. أصبحت أشعر أننا نعيش العصور الوسطى مرة أخرى حيث سيطرة رجال الدين، أصبحنا نطلب فتاوى من الشيوخ فى كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، الزواج والعمل وكل شىء. وأصبح الشيخ كما الرجل الأخضر الذى يفهم فى كل شىء. بعض الناس لا تعلم أن هؤلاء المشايخ يحصلون على مكاسب كبيرة من الفضائيات وفى أحيان كثيرة قد يضحون بقناة ذات نسبة مشاهدة عالية من أجل أخرى بنسبة مشاهدة أقل مقابل نظير مادى أكبر وهناك مثال واضح على ذلك نعرفه جميعاً عن ظهر قلب. بعد التدين الشكلى يأتى الفقر ثم الديموقراطية والحرية لأنى مقتنع بأنه لا فائدة من الديموقراطية إذا كان الشعب فقيراً وجاهلاً. المفارقة أنى انتهيت لتوى من أغنية جديدة كتبتها لهؤلاء الذين يتحدثون طوال الوقت عن البرادعى وحلم التغيير، هذه الأغنية اسمها الإمام المنتظر أقول فى نهايتها موجها كلامى للشعب المصرى «ياللى عايش بين همومك والحذر اعدل الصورة وركز بالنظر حتلاقيك أنت الإمام المنتظر وتلاقيك أنت اللى واقف بانتظارك». لست مؤمناً بفكرة المخلص وإنما أنا مقتنع بأن إرادة التغيير لدى الشعب نفسه، على هذا الشعب أن يغير نفسه بنفسه». هل يزعجك التجاهل الإعلامى؟ - لا يزعجنى لأننى لا أخطط أبداً لشىء، أعلم أن الله سيعطينى القدرة على إتمام رسالتى، وأعلم جيداً أن مجهودى سيظهر فى يوم من الأيام».