قبل أن أتطرق للأسباب القانونية التي تؤكد عدم صلاحية قضاة مجلس الدولة لنظر الدعوي أتساءل: هل يعقل أن تكون أسباب الرفض هي كما ذكر القضاة صعوبة العمل بالقضاء وأنه غير ملائم لعمل المرأة؟! هل العمل بالقضاء يحتاج إلي عضلات؟! بمعني آخر: هل هو عمل يدوي أم عمل ذهني وعقلي؟! وإذا كان عملا ذهنيًّا وعقليًّا وهو بالفعل كذلك فلماذا يشكك القضاة في المرأة من ناحية قواها العقلية؟! السبب الثاني كما قيل هو أن عمل المرأة يشكل إرهاقا لها مما يؤثر سلبيا علي حياتها الأسرية التي هي أساس بناء مجتمع سليم!!.. وهل عمل المرأة في مجال القضاء فقط هو ما يحدث ذلك الإرهاق؟! ما هذه الأسباب التي تعد استخفافاً بالعقول؟! وتعد في حد ذاتها مخالفة للدستور لأنها لم تساو بين المرأة غير المتزوجة والمتزوجة؟! باستقراء نصوص المواد المتعلقة بصلاحية نظر القاضي لأي دعوي في القانون يتضح بجلاء عدم صلاحية السادة القضاة الذين حضروا الجمعية العمومية لمجلس القضاء الأعلي وصوتوا علي قرار تعيين المرأة في القضاء.. ذلك أن مؤدي النص في المادتين 146 و147/1 من قانون المرافعات أن القاضي إذا ما كشف عن اعتناقه لرأي معين في دعوي سابقة متصلة بالدعوي المطروحة عليه فإن ذلك يفقده صلاحيته للحكم فيها وإذا ما حكم وقع حكمه باطلاً.. كما أن ما تنص عليه المادة 146 من قانون المرافعات من عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوي ووجوب امتناعه عن سماعها إن كان قد سبق له نظرها يقتضي ألا يقوم القاضي بعمل يجعل له رأيا في الدعوي أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً. مفاد ما سبق أن القاضي إذا كون رأيا في موضوع لا يجب أن يحكم فيه وهو ما حدث من السادة القضاة بتصويتهم علي القرار بعد ذلك حكما علي أساس أنه تكون رأي في الدعوي وأسباب ذلك للخشية من أن يلتزم برأيه الذي يشفع عنه عمله المتقدم.. بل يجب عليه التنحي لاستشعار الحرج لأنه لن يستطيع الحكم في الدعوي بغير ميل لأن القاضي يجب عليه توخي الحيدة التامة في قضائه والنأي بنفسه عن كل ما يشوب الثقة في صدور أحكامه بعيداً عن كل هوي وذلك زيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء. ومن المستقر عليه قانونا أنه إذا توافرت أسباب الرد ولم يرد القاضي وجب عليه التنحي.. ومن أسباب رد القضاة.. إذا كان بين القاضي عداوة مع أحد الخصوم أو مودة يخشي معها الحكم بغير ميل، هل قضاة مجلس الدولة لا يشعرون بالمودة تجاه المجلس؟ تنحي القاضي عن نظر الدعوي من تلقاء نفسه بالتطليق لنص المادة 150 من قانون المرافعات مرده إلي ما يعتمل في ضميره وما يستشعره وجدانه دون رقيب عليه في ذلك. إن تنحي القاضي عن نظر الدعوي لا يكون إلا عند رده من أحد الخصوم لسبب من الأسباب المنصوص عليها في القانون، أو إلا إذا كان هو قد رأي أنه لا يستطيع الحكم في الدعوي بغير ميل. والسؤال الذي يطرح نفسه بناءً علي ما سبق هو: لماذا لا تدرس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب أن يكون هناك في التعديلات الدستورية القادمة مواد تسمح بتعديل تشريعي بقانون خاص يسمح بعمل دوائر مخصصة لمنازعات الهيئات القضائية والقضاة مع الغير بسبب العمل أو بسبب غير العمل علي أن يتم تشكيل هذه الدوائر من أساتذة القانون بالجامعات وليس بالطبع من القضاة لأنه ليس من المعقول أن يكون الخصم هو نفسه الحكم.. كيف يحكم قاض ينتمي لنادي القضاة في دعوي نزاع علي أرض بين نادي القضاة ومحافظة بورسعيد؟! تذكروا حبس الأستاذ مرتضي منصور وحبس ضابط شرطة لسبه مستشارا.. ألا توجد شبهات مجاملة فئوية للسادة الزملاء. وقد قالت المحكمة الدستورية في حكم شهير صدر في 15 يونيو 1996 في القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية عبارات قاطعة وواضحة: لا يجوز أن يكون العمل القضائي، موطناً لشبهة تداخل أو تدخل، لا يطمئن إليه المتقاضون، أو يستريبون منه فالنفس لا تميل بطبيعتها إلي تخطئة عملها!. ولابد من دراسة تعديل الدستور بحيث يسمح بتعديل مواد القانون للتمكين من ملاحقة القضاة جنائيا ومحاسبتهم علي الإهمال الوظيفي وتعويض المضارين بحيث يتم الفصل في هذه الدعاوي من جهات محايدة بين الطرفين إذ لابد من صدور قانون يلزم الدولة بتعويض من تم حبسه ظلما والمضارين ممن صدرت ضدهم أحكام بالخطأ ماديا وإلزام وزير العدل بصفته بتلك المبالغ، وخصم جزء من هذا التعويض من راتب القاضي الذي أخطأ في الحكم وفي هذه الحالة سيتم التمعن في إصدار الأحكام وتوخي الدقة والحذر ويجب إلغاء المبدأ المشبوه الذي يقول: لا تعويض عن أحكام القضاء! فوزير الداخلية يُسأل عن خطأ موظفيه تابعيه وفقا للقانون ونري أحكاماً تصدر لصالح المعتقلين السابقين بتعويضهم، أما القانون فاستثني وزير العدل من هذا الخطأ المرفقي وهي الوزارة الوحيدة المستثناة. والطبيب حينما يخطئ يحاسب بتهمة الإهمال مع عدم توافر سوء النية واليوم صدر ضد أحد الأطباء بالحبس ثلاث سنوات في قضية الفنانة سعاد نصر لخطأ في التخدير وغيره العشرات بل المئات بالرغم من أن الطبيب الذي يخطئ ليس هناك أسوأ من وفاة المريض أما القاضي الذي يخطئ فهو يغتال المحكوم عليه وأسرته وأهله جميعا بلا استثناء اغتيالا معنويا وأدبيا وماديا.. فهل هذا عدل؟!. من يقتل شخصاً واحدآً يحبس ومن يقتل المئات لا يجرؤ أحد علي الاقتراب منه! ولا يحاسبه أحد! ولا يوجد نص قانوني يبيح مساءلته! أي منطق هذا؟! قارئ لروز اليوسف