لمدة 30 عاما وحتى اليوم مازالت أزمة السفارة الإسرائيلية مغروسة فى قلب الوطن ، وليست فى قلب العمارة كما تناولها الكاتب «يوسف معاطى» فى فيلمه الشهير، ففى 26فبراير 1980كانت قدم إسرائيل تطأ القاهرة الكبرى عبر أولى سفاراتها فى إحدى فيللات حى الدقى بالجيزة، حيث عمت مصر المظاهرات والاحتجاجات ليستشهد بعدها أحد المواطنين كان ضمن المحتجين على وجود السفارة.. الأزمة تطورت بشكل أكبر عندما انتقلت السفارة بعد ذلك إلى العمارة الشهيرة المتواجدة بها حاليا لتحتل طابقين من العقار رقم 6 بشارع «بن مالك» الذى تحول عام 2000إلى شارع «الشهيد محمد الدرة» بضغوط شعبية، عقب استشهاد الصبى الفلسطينى فى أحداث الانتفاضة الثانية. رغم الاعتراضات الأمنية على الموقع الجديد إلا أن الإسرائيليين أصروا عليه من أجل البقاء وسط المواطنين المصريين الذين فسروا الاختيار الإسرائيلى بأنه رغبة منهم ليكونوا أعلى من تمثال نهضة مصر كنوع من الاستفزاز. شائعات كثيرة ترددت بأن الطابقين اللذين اشترتهما السفارة كانا ملكا للفنانة ماجدة الصباحى، واتضح بعد ذلك أنها أجرت بالفعل شقتها رقم 33 بالدور الثالث للمسئولين بالسفارة لكنها كانت الشقة المفروشة رقم 33 بالدور الثالث من العمارة رقم 92 شارع النيل بالدقى، وهى العمارة الملاصقة لفندق شيراتون الجيزة ويسكنها الكاتب محمد حسنين هيكل وتعرف باسم عمارة «مرشاق»، ليتخذوا منها مقرًا لما يسمونه بالمركز الأكاديمى الإسرائيلى إلى جانب سفارتهم. وتوالت عدة مواقف كانت فيها السفارة بطلا لأحداث شهدتها مصر.. وطرفا فيها.. منها ما حدث قبل 4 سنوات عندما رفض أمين الشرطة محمد خلف تكليفه بحراسة السفارة بعد نقله من عمله بالإسكندرية وصدر ضده حكم بالحبس 6 شهور، لكنه امتنع عن الطعام والشراب متمسكا بموقفه. ليدخل موقع السفارة مأزقا جديدا متأثرا بعد ذلك بالوضع الراهن بمصر وما شهدته من أحداث بعد اندلاع ثورة 25 يناير، حيث قام السفير الإسرائيلى والدبلوماسيون العاملون بمقر السفارة الإسرائيلية الكائنة أسفل كوبرى جامعة القاهرةبالجيزة بغلق المقر الواقع بالطوابق الثلاثة الأخيرة بالعقار 6 بن مالك وتوجهوا إلى إسرائيل وأشاعوا قبل سفرهم نقل المقر إلى منطقة نائية بمدينة 6 أكتوبر. نادر جعفر - المحامى بالعقار المجاور - كان له رأى مختلف عندما أكد لى أن الحياة اختلفت بعد 25 يناير فقبلها لم يكن هناك أى مشكلة لسكان العقار وكانت الحياة تسير بشكل طبيعى، ولكن جاءت الاستعدادات الأمنية بعد الثورة لتصبح قيدا على السكان فى شارع بن مالك. وعن سكان العقار الذى توجد به السفارة الإسرائيلية أكد أنهم جميعا مصريون وليس بينهم جنسيات أجنبية وأشهرهم د. عائشة راتب الوزيرة السابقة للتأمينات والمعاشات فى عهد الرئيس السادات والمستشار معتز كامل مرسى المستشار بمجلس الدولة وعلق قائلا: وجميعهم شخصيات مرموقة ولم نشعر بأن هناك أى مشاكل تواجه جيراننا الذين يسكنون فى العقار المجاور لنا رقم 6 ب بن مالك الذى تتواجد به السفارة الإسرائيلية وتحتل فيه طابقين بالكامل. أسعار العقارات فى المنطقة لم تتأثر من توالى الأحداث فسعر المتر مازال ثابتا عند 10 آلاف جنيه ولا توجد أى رغبة من السكان فى ترك هذه المنطقة المتميزة وحتى الراغبون فى البيع تكون لديهم أسباب أخرى ليس لها علاقة بالأحداث، وإنما قد تكون لها علاقة بزيادة المساحة التى تصل فى شقق المنطقة إلى 350 مترا. وأضاف: الدبلوماسيون الإسرائيليون فى السفارة تعمدوا ألا يدخلوا سياراتهم أى جراج من جراجات العمارات وإنما دائما يصرون أن تكون فى الشارع أمام الأمن الخاص بهم حتى تكون تحت نظرهم. كانت هناك مشاكل معهم فى البداية عندما كانوا يزاولون عملهم فى الصباح وفى المساء، ولكن انتهت عندما التزموا بمواعيد ثابتة فى الصباح حتى الساعة الخامسة مساء وتغلق السفارة بعد ذلك. المحامى إيهاب أنور الذى يقطن فى العمارة الملاصقة للسفارة كشف عن أنه فى سبيل اتخاذ إجراءات قانونية بعد اجتماع اتفق عليه مع اتحاد ملاك العقارات فى شارع بن مالك والذى يبلغ عدد سكانه على حد قوله حوالى 1800 شخص من أجل الاتفاق على إقامة دعاوى قضائية أمام القضاء الإدارى لطرد الإسرائيليين مستندا إلى تضرره وباقى السكان من وجود السفارة فيه قائلا: لا يوجد على مستوى جمهورية مصر العربية سفارة اختارت أن يكون تواجدها بين السكان سوى السفارة الإسرائيلية التى خططت أن تكون بين المصريين حتى تؤمن سفيرها ودبلوماسييها من شعب تدرك جيدا مدى كرهه لها. أضاف بقوله: السفارة أرادت أن تكون بين بيوت المصريين حتى لا يقترب أحد منها ولم تكتف بذلك، بل حرمت السكان من دخول الغاز الطبيعى فى الشارع، زيادة فى التأمين ليصبح بن مالك هو الشارع الوحيد فى المنطقة الذى لا يدخل إليه الغاز الطبيعى لصالح الإسرائيليين الذين حصلوا على الغاز المصرى لمواطنيهم بأبخس الأسعار. «أنور» قال: بعد الأحداث الأخيرة تضرر السكان أكثر، وأصبح وجودها عبئا عليهم بعدما أصبح الشارع مسرحاً للتظاهرات وتم إخلاؤه من قاطنيه، الجميع تضرر من تحطيم السيارات وواجهات العمارات ومنع الناس من ممارسة عملهم والبعض منهم فكر فى مغادرة الشارع، خاصة أصحاب الشركات ومكاتب المحاماة. بالإضافة لتلك الأحداث فهناك المزيد من الإجراءات الأمنية التى كنا نعانى منها وكل من يسكن بالعقارات المجاورة لمقر السفارة الإسرائيلية ومنهم سفراء وفنانون، وعندما كانت السفارة تفتح أبوابها لتعمل فى الصباح وفى الليل كان يخضع الضيوف والمترددون لتفتيش ذاتى وفحص البطاقات الشخصية وأحيانا توصيلهم للمكان الذى يذهبون إليه ولذلك فإن سكان تلك العمارة لم نكن نراهم كثيرا. «شريف بدر» حارس العقار المجاور للسفارة لمدة 10 سنوات أوضح أن العمارة التى بها السفارة الإسرائيلية كانت ملكا لأحد الأشخاص قرر أن يبيع الفيللات فيها كلها تمليكاً ثم غادر المكان ولم يعرف عنه شىء ويقول: سعر المتر ثابت فى المنطقة 10 آلاف جنيه وليس هو السعر الأعلى للمتر فى القاهرة ولكنه مرتفع نظرا للموقع وتباع الفيللا فيها حسب المساحات لأن الفيللات فى العمارات ليست كلها مساحة واحدة.