ثلاث حوادث وقعت مؤخرا لتدق ناقوس الخطر وتعلن بوضوح أن دولة القانون في مصر في طريقها إلي الاندثار، آخر هذه الحوادث هو الخبر الذي نشرته الصحف صباح الخميس الماضي والذي يروي واقعة قيام مئة من المواطنين في كفر الشيخ بالتعرض لبلطجي هارب من أحد السجون وإقدامهم علي قتله ثم التمثيل بجثته عن طريق تقطيع يديه وقدمه، فيما بدا وكأنه محاولة جاهلة لتطبيق حد الحرابة في الإسلام (إنما جزاء الذين يفسدون في الأرض أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)، هذا التطبيق الذي قام به الأهالي والبلطجية تطبيق جاهل لاشك لأسباب متعددة ربما كان أولها أن الحدود يطبقها ولي الأمر وليس العامة من الناس وأن لتطبيقها شروطا وشهودا وأدلة لابد من توافرها، فضلا عن أن ما قام به الأهالي جريمة لاتقل عن جرائم البلطجي المقتول حيث إن الأصل في الأشياء أن البلد يحكمها قانون تتقاسم تنفيذه السلطة التنفيذية ممثلة في الشرطة والسلطة القضائية ممثلة في النيابة العامة والقضاء، حيث يكون اللجوء للشرطة والنيابة العامة والقضاء هو الوسيلة الوحيدة لعقاب شخص خارج عن القانون، وليس هذا التطبيق الجاهل والوحشي لما أعتقد الأهالي أنه حد من حدود الله، ولعل المزعج أنه قبل يوم واحد فقط من وقوع حادثة كفر الشيخ نشرت صحيفة المصري اليوم بتاريخ 10 أغسطس خبرا يتحدث عن تشكيل الجماعة السلفية في سيناء ما أسمته بلجان لفض المنازعات بين الأهالي من خلال محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية!! ولم يكتف سلفيو سيناء بالافتئات علي سلطة القضاء في مصر، لكنهم أعلنوا أيضا أنهم سيلعبون دور الشرطة حين صرح أمير الجماعة لنفس الجريدة بأن الجماعة ستعمل علي إحقاق الحق بين الناس عن طريق عدد من شباب الدعوة تتراوح أعدادهم بين خمسة وستة آلاف كلهم مسلحون!وهو ما يعني أن الجماعة السلفية أقامت دولتها كاملة في سيناء ولم يبق لها سوي العلم والنشيد، وكان من العجيب أن يعلن أمير الجماعة هذه التصريحات دون أن يجد من يقول له إن سيناء جزء من جمهورية مصر العربية التي يحكمها دستور أو إعلان دستوري وقوانين تنظم المعاملات بين الناس وتنص علي أن أجهزة الشرطة والقضاء هي التي تتولي فض المنازعات بين الناس وفق أحكام القانون والدستور علي أن هذه التصريحات المتهورة لقائد الجماعة السلفية في سيناء يماثلها في الخطورة تصريح آخر انساب هادئا في ثنايا خبر صغير نشر منذ أسابيع يقول إن جماعة الإخوان المسلمين احتفلت بتخريج الدفعة الخامسة من القضاة الشرعيين !وأن المرشد العام للجماعة د. محمد بديع تولي تسليم شهادات التخرج للخريجين، وكان في ثنايا الخبر ما يشير إلي أن القضاة الشرعيين الذين تخرجهم الجماعة يقضون بين الناس وفق أحكام الشريعة الغراء، ومرة أخري يبرز السؤال: هل مصر دولة يحكمها القانون والدستور الحاليان ما لم يقرر أهلها غير ذلك أم لا؟ وكيف تسكت الدولة المصرية علي تصريحات جماعة تعلن أنها ستقضي بين الناس وفق قانونها الخاص وتطبق أحكامها بقوة السلاح، وما هي قصة القضاة الشرعيين الذين تخرجهم جماعة الإخوان المسلمين، وعلي أي طريقة هم شرعيون، وهل تملك الجماعة كلية للحقوق أو محاكم من نوع خاص؟ لتخرج هذا النوع من القضاة، إن هذه الحوادث وعشرات غيرها تشي بأن هيبة الدولة والقانون في مصر تشهد تآكلا حقيقيا، وأن الحوادث تثبت أن أحدا في سدة السلطة لا يغضب ولا ينبس ببنت شفة تجاه الإهانات المتتالية التي توجه لفكرة هيبة القانون والدولة وهو ما أراه نذير شر كبير.