المتابع للمشهدين الاقتصادى والسياسى حاليا.. يلحظ تهافت العديد من القوى السياسية على عقد ندوات وورش عمل حضورها الإعلامى أكبر بكثير من الجمهور الذى تتوجه إليهم.. فعلى مدى أيام قليلة متتالية برزت على الساحة المناقشات «الجدلية» عناوين براقة لموضوعات ظن منسقوها أن خلالها يمكن النفاذ لقلب ميدان التحرير بمغازلة صريحة.. وإن لم تكن عفيفة لقاطنيه من المتظاهرين.. آخرها «الأموال المنهوبة من مصر وآليات استردادها بعد ثورة 25 يناير» التى نظمها حزب «الإصلاح والتنمية» برئاسة رامى لكح بالتنسيق مع الفرع المصرى لمنظمة «برلمانيون عرب ضد الفساد» - مقرها لبنان - وغاب عنها فى اللحظات الأخيرة د. حسام عيسى - أستاذ القانون الدستورى - رغم تأكيداته خلال الملاحقة الهاتفية له التى أجراها نائب رئيس الحزب محمد أنور السادات أنه فى الطريق.. الذى يبدو أنه فشل فى الوصول حتى كتابة هذه السطور. فيما تحرص البورصة المصرية والجمعية المصرية للأوراق المالية بالتنسيق مع حركة «عفوا حزب ال.. من أنتم».. ومعا نستطيع أن نسلط ضوءا حارقا على 6 أحزاب جديدة/ قديمة هى: الوفد، المصرى الديمقراطى الاجتماعى، الجبهة الديمقراطية، الحرية والعدالة، العدل.. فيما ظل مقعد حزب التحالف الشعبى الاشتراكى شاغرا، حيث لم يحضر أى ممثل عنه رغم تأخر المناقشات التى عقدت بمركز مؤتمرات كلية الطب نحو نصف الساعة لاستكمال الحضور ممن وجهت لهم الدعوة، فلم يتجاوز عددهم 25 مشاركا نصفهم أو يزيد من الإعلاميين فيما خلت القاعة التى تتسع لأكثر من 500 شخص إلا ممن تمت الإشارة إليهم. خيط رفيع يربط بين الحدثين، ولكنه أشبه بقيد حديدى يشد الجميع خلفه إلى هوة سحيقة.. ليس لها قرار.. فلا ورشة عمل «استعادة الأموال المنهوبة من مصر» نجحت فى وضع آليات يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف.. بعد أن اعترف الجميع أن الأمر غاية فى الصعوبة ويستلزم أحكاما قضائية باتة أمام قضاة طبيعيين.. وبالتالى اكتفت بترك الساحة أمام كل من د. جمال زهران عضو مجلس الشعب السابق وزميله سعد عبود فى استعراض عضلات كليهما ونسب المبادرة فى التحقيقات الجارية لما أثاراه تحت قبة البرلمان.. ولا مانع من أن يقوم كل منهما بتنجيم الآخر على طريقة برنامج «حيلهم بينهم» حينما كان المذيع يصر على استفزاز ضيوفه من النجوم بقوله: «أنا عايز أنجمك»! فزهران يصف عبود بأنه «التربينى» والآخر يرد «إنت عايز تجيبلى حكم بالإعدام»؟! فتضج القاعة التى لم يجاوز حضورها 30 فردا بالضحك.. ولكنها فى مجملها مناقشات أشبه ب «طحين الماء»! «من أنتم» قبل أن نتسرع وتظن أن محدثنا هو القذافى.. نؤكد أنها بداية لمناقشات كشفت بوضوح قاطع أن الأحزاب فى مصر لم تستعد بعد بأجندة اقتصادية تستطيع من خلالها أن تقيل هذا البلد من عثرته.. وتنطلق به إلى آفاق رحبة. وإن فجرت فى المقابل اتفاقا فى الرؤى حول سياسات سبق أن اقترحتها أمانة السياسات «جمال مبارك» وتبناها الحزب الوطنى المنحل وحكومته ومجلساه.. من خلال مؤتمر «رؤية لبكره» فى الورشة الأولى يؤكد محمد الدماطى - وكيل نقابة المحامين - أن معظم القضايا المقدمة لاسترداد الأموال بلا أدلة، متهما من يديرون البلاد سواء المجلس العسكرى أو الحكومة بعدم الجدية فى تعاملهم مع الدول التى لمصر أموال منهوبة بها.. رافضا اللجنة التى شكلها د. شرف للتصالح والتسوية مع رجال الأعمال المستفيدين من قرارات الخصخصة وتخصيص الأراضى.. ومطالبا بتنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة التى وقعت عليها مصر، بإنشاء جهاز مستقل لمكافحة الفساد، مع حث المجلس العسكرى لإصدار تشريع مرسوم بقانون مؤقت بتأجيل التسويات والمصالحات لحين الانتهاء من انتخابات مجلسى الشعب والشورى القادمين، لنخرج بإجراء يتفق عليه ممثلو المجتمع. يقف سعد عبود على النقيض فيرى أن من حسن حظ الثورة عدم وجود قيادة لها.. وإلا تم إفشالها.. مطالبا بإنشاء محاكم ثورية تصحح أخطاء شعب تأخر كثيرا - على حد قوله - فى محاسبة حكامه. يشطح خيال عبود.. فيرى فى النموذج الإيرانى الذى أعدمت ثورته ما يقرب من 160 ألف مواطن آلية حقيقية للتطهير من الفاسدين مستطردا: حتى تنجح الثورة المصرية.. فلا أقل من محاكمات سريعة وعادلة.. ويعترف أن الثورة ولاشك أغلقت حنفية الفساد.. ولكنها لن تستكمل إلا بحكومة قوية منتخبة من الشعب.. خاصة أن من يحكمون البلد حاليا طالهم الفساد بشكل أو آخر من أمن الدولة للرقابة الإدارية. ويرى أن هناك فرقا شاسعا بين التباطؤ والتواطؤ، فالأول سيجعل الشعب يأتى للحظة يكفر فيها بثورته.. وهو ما يستلزم فرزا سريعا وقيادة للثورة بنفسها لمواجهة الداخل والخارج.. فجزء ممن يتصدون للمحاكمات يجلسون على منصة القضاء.. وهو ما يستلزم من السلطة القضائية أن تبادر بتطهير نفسها.. أخذا فى الاعتبار أن 25% ممن يجلسون على منصة القضاء ضباط شرطة ووكلاء نيابة ولاؤهم للأمن أولا.. دون العدالة.. وهذا سبب رئيسى من أسباب السيولة الحالية للمجتمع. د. جمال زهران رئيس الفرع المصرى لمنظمة «برلمانيون عرب ضد الفساد» يكشف عن ملف جديد سيضيفه للأراضى المنهوبة، وهو ملف أرض جمعية المستقبل التى خصصت لها وزارة المغربى 11 ألف فدان بالتجمع الخامس متهما الحكومة والمجلس العسكرى بعدم الجدية فى استعادة أموال مصر المنهوبة التى تقدر فيما تم تهريبه منها بين 200 مليار إلى 600 مليار جنيه. ويتوعد زهران بمعركة قضائية وقانونية ستنفجر فى وجه دول العالم التى ترفض التعاون مع مصر لاسترداد هذه الأموال قريبا مطالبا بوجود ممثل شعبى عن الثورة وآخر عن المنظمة فى اللجنة التى شكلتها الخارجية المصرية مع ممثل من القانونيين المتخصصين فى هذا الشأن.. أما محمد أنور عصمت السادات نائب رئيس الحزب فيبرر اندماجه مع رامى لكح فى حزب واحد.. بأن المرحلة القادمة «سياسيا» تستلزم تجميع كل القوى فى دوائر أكثر التحاما.. بدلا من أن تكون مجرد أحزاب ضعيفة لا وجود حقيقيا قويا لها على أرض الواقع خاصة أن هناك انتخابات تشريعية ورئاسية قاسية ستمر بها مصر.. وبمعنى آخر يقول: القفة اللى لها ودنين يشيلوها ناس ينبغى أن يكونوا أقوياء ماليا وسياسيا.. كاشفا عن مفاوضات تجرى مع أكثر من حزب وقوى وحركة على خلفيات متباينة منها الدينى للانضمام والاندماج فى الحزب دون أن يكشف عن أسماء محددة لها. يطل الحزب الوطنى المنحل وأفكاره مرة أخرى على الأجندة الاقتصادية للأحزاب الجديدة القديمة التى أسفرت مناقشاتها فى مناظرة قام بها هشام توفيق منسق مؤتمر «رؤية لبكرة» عن مفارقات عديدة، فجميع الأحزاب المشاركة اتفقت على استمرار الاعتماد على القطاع الخاص بصورة أساسية فى التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل مع تقوية دور الدولة كرقيب ومنظم، بل هناك شبه إجماع على ضرورة ابتعاد الدولة عن الاستثمار فى قطاعات إنتاجية تكون منافسة للقطاع الخاص.. ليس هذا فقط، بل جاء التحول للدعم النقدى بدلا من الدعم العينى الحالى إحدى النقاط الأساسية التي التقت حولها المناقشات وإن اشترطت إنجاز قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين. وخلافا لأجندة أمانة السياسات جمال مبارك سابقا التى رفضت إقرار الضرائب التصاعدية لحماية رجال الأعمال.. اتفقت الأحزاب على تطبيق هذه الضريبة التصاعدية وإن لم تقترح شرائح محددة، مع رفع حد الإعفاءات للشريحة الأولى من ضرائب الدخل.. وأيضا ضرورة تغيير التشريعات الحالية للسماح للقطاع الأهلى الممثل للصناعات والمهن بكل أطيافها بتأسيس اتحادات ذاتية التنظيم يكون عليها جميع المهام والمسئوليات.. ولها جميع الصلاحيات الخاصة بوضع التشريعات واللوائح الخاصة بالصناعة أو المهن ومراقبتها على أن يكون القيد بها إجباريا وللدولة رقابتها ووضع الإطار التنظيمى للاتحاد العام. يكشف هشام توفيق منسق المؤتمر والمستشار السابق لوزير المالية د. يوسف بطرس غالى عن بعض الحقائق المهمة مثل عدم استجابة بعض الأحزاب ومنها المصريين الأحرار - الوسط - الكرامة - التجمع للمشاركة أو الرد على الاستبيان الذى أرسل لهم للتعرف على موقفهم من 6 محاور مهمة للعمل السياسى والاقتصادى فى مصر خلال المرحلة المقبلة «الدعم - التعليم - التنظيم - التأمينات والمعاشات - الضرائب». أما المناقشات فكانت أكثر قسوة.. فحزب العدل يرى ضرورة الخروج الإجبارى على المعاش بعد ال 45 وعمل حزم تحفيزية للتراجع عن فكرة العقود المثبتة.. مع اعتراف بضرورة تخفيض عدد العاملين بالدولة إلى 3 ملايين بدلا من الوضع الحالى الذي قفز إلى 6 ملايين موظف.. بينما يغالى ممثل حزب الحرية والعدالة مطالبا بتخفيض هذا العدد إلى مليون موظف فقط مع البدء الفورى لعمليات التدريب التحويلى لتجنب أية إضرابات أو اعتصامات مستقبلية. الصدمة يعترف سعيد كامل أمين عام حزب الجبهة الديمقراطية أن حزبه فوجئ بأنهم قد يكونون فى السلطة بعد عدة أشهر - وكأنه يحدث نفسه - يستطرد: لازم نفكر بجدية أكثر وإن كان يرى أن العدد الأمثل لموظفى الحكومة 4 ملايين كاف لإدارة مرافقها. بينما يرى طارق ثابت عضو أمانة الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى الذى ينتمى له د. زياد بهاء الدين رئيس هيئتى الاستثمار والرقابة المالية السابق وعضو مجلس إدارة البنك المركزى والذى يضم أيضا الدكتور محمد أبوالغار أحد رموز الثورة، أن زيادة الحد الأدنى للأجور ب 1200 جنيه أمر غاية فى الصعوبة، يمكن استيعابه على مدى السنوات الثلاث المقبلة أخذا فى الاعتبار معدلات التضخم. الحل السحرى أما ممثل حزب الجبهة الديمقراطى فيرى أن الوصول إلى زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه أمر يسير بإيجاد مصادر تمويل متاحة، مما يتم توفيره من وظائف عدة يشغلها الموظف العام ويتقاضى عنها عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا، مشيرا إلى أن 220 ألف موظف، يحصلون على مرتبات تصل إلى 50 مليار جنيه يمكن تخفيضها إلى 5 مليارات جنيه فقط.. بالإضافة إلى 400 ألف مستشار يحصلون على 35 مليار جنيه شهريا يمكن الاستغناء عنهم وبالاستعاضة بالمراكز البحثية بالجامعات المصرية.. أما حزب العدالة والحرية فيطالب بوقف حنفية الفساد واستعادة الأموال المنهوبة.. وسد ثغرات الإنفاق الترفى ووضع قانون رادع للاحتكار وإدارة شفافة للوزارات والمؤسسات الحكومية.. فمن غير المعقول - على حد قوله - أن تتقاضى سكرتيرة وزير المالية السابق 66 ألف جنيه فى الشهر.. مع متابعة دقيقة للصناديق الخاصة التى بلغ عدد ما أمكن حصره منها 1000 صندوق وفقا لتصريحات المستشار جودت الملط.. ويضيف كإخوان نطالب بإعادة قانون الوقف ومؤسسة الزكاة.. وأن تسير وزارة الأوقاف عملها على أساس المواطنة. أما فى قضية الدعم فيطالب حزب الوفد بالانتقال للنقدى وتطبيق صرف كوبونات مع مرتبات الموظفين. ويقذف ممثل حزب الحرية والعدالة «الإخوان» بكرة من نار فى وجه الجميع محذرا من نفاد الغاز والبترول من مصر بحلول 2037 ومطالبا بأن تتبنى جميع الأحزاب أطروحة الخيار النووى لتوليد الطاقة الكهربائية وهو ليس ترفا، فهذا الخيار لحماية الأمن القومى المصرى الذى ينبغى أن يكون لدينا القدرة على تصنيع قنبلة نووية - للردع أسوة بإيران - إذا ما توافرت لدينا الإرادة السياسية. إفلاس تكشف المناقشات حول نظام التأمينات والمعاشات المطبق حاليا عن مفاجآت قاسية.. فهذا النظام مفلس منذ عام ,.2002 ينفى هشام توفيق ما يتردد عن استيلاء وزارة المالية على أموال صناديق المعاشات والتأمينات ويرى أنها اقترضت هذه الأموال ولم تهدرها. ويضيف توفيق: أنا من وضعت قانون التأمينات والمعاشات الجديد لمواجهة النظام الحالى «المفلس» ونسبة ما تم استثماره من أموال المعاشات بالبورصة لا يتجاوز 3%، ويشدد: الدولة ملتزمة بسداد المعاشات الحالية حتى آخر وريث، أما ما بعد 2017 فما لم يقر قانون جديد.. فظهر الجميع سيكون «للحيط».