لو لم يسقط مرسى والإخوان ب 32 مليون متظاهر خرجوا من بيوت مصر منذ أسبوع.. لسقطوا ب 32 مسلسلا رمضانيا تعرض فى بيوت مصر هذا الأسبوع.. حقاً لقد كان مفاجئا ومدهشا ورائعا ومروعا أن يمتلك التليفزيون الرمضانى هذا العام-وتحديدا-كل ذلك الزخم والغضب والوعى والتثوير والتعبئة.. بل إن التليفزيون نفسه يتجاسر ويتجرأ ويقدم على إنتاج (مظاهرات دراميه) أو (دراما محتشدة) تدعو وتطالب وتحفز مشاهدى رمضان لثورة-حدثت بالفعل- دون خوف أو اعتبار أو التفات لحاكم أو رقيب أو نظام حكم أو جماعة ظلت تتوعد المواطنين بقطف الرؤوس وسكب الدماء صباح مساء مع العلم أنها مسلسلات صنعها المبدعون أثناء وخلال عام حكم مرسى والإخوان!!
الاختلاف ليس فقط فى شكل دراما التليفزيون الرمضانى هذا العام.. بل أيضا فى استمرار البرامج السياسية التى كانت تحجب عادة فى هذا الشهر.. وليس هذا فحسب.. بل أيضا فى نوعية بعض الإعلانات التى تحاكى وتغازل الجماهير المنتفضة حتى وهى تعلن عن صنف من المياه الغازية مستعيرة أحد شعارات ثورة 30 يونيو المجيدة. وعليك ألا تنسى وأنت تتحدث عن دراما تليفزيون هذا العام أن تقارب وتقارن بينها وبين دراما العام الماضى التى امتلأت حواراتها بالكثير من العبارات المسفة والمصطلحات البذيئة فى أول شهر من حكم الإخوان.. بل وجاء بعض مسلسلاتها متسقة مع المزاج المتأخون متحدثا عن الزوجة الرابعة ومستبيحة ضرب وإهانة المرأة. فى البداية وقبل الدخول فى عالم المسلسلات.. علينا أن نخلع القبعة ونعترف بأسبقية وقدرة المخرج الفنان «خالد يوسف» على التنبؤ مسبقا بزوال دولة الإخوان وأنها لن تحكم أكثر من عام متحديا ومتحدثا ل «تونى خليفة» فى برنامجه السابق (زمن الإخوان) المعروض رمضان الماضى وهو ما تحقق فعلا، وعليه فقد كان يجب على طونى أن يشير لذلك فى أولى حلقات برنامجه الجديد «آسفين يا ريس» وأن يكون «خالد يوسف» أول ضيوفه على الإطلاق. انظر معى على بعض أسماء المسلسلات ذات المعنى المباشر والآخر الموحى: «فرعون».. «حاميها وحراميها».. «الداعية».. «تحت الأرض».. «ميراث الريح».. «اسم مؤقت». كل هذه الأعمال تناقش صراحة الاعتصامات والتظاهرات منذ 25 يناير وحتى التبشير ب30 يونيو. وتتعرض لسوء الإدارة وسوء الحكم، بل إن مسلسل اسم مؤقت يتناول حياة مرشحى الرئاسة وأموال الحملات الانتخابية المشبوهة وفساد بعض هؤلاء المرشحين لدرجة أنه يشير عليه بإصبع وباقى ينطق اسمه كمان. أما مسلسل «فرعون» فعليك أولا أن تصيخ السمع جيدا لأغنية التتر التى تسرد قصة فرعون وموسى لتعرف إلى أين ستأخذنا التفاصيل الواقعية جدا؟ مسلسل الداعية هو تجسيد ومحاكاة لكذب ونفاق التيار المتأسلم.. وكيف يستغلون آيات الله وسنة نبيه الكريم فى جمع المكاسب وتضليل البسطاء.. مع اهتمام بالغ بالمظاهرات التى اكتسحت نظامى حكم. Small black square عليك أيضا أن تشاهد نوعية أخرى من الدراما وهى الدراما الاجتماعية التى تميزت أيضا هذا العام ليس فقط فى جرأة نصوصها بل أيضا فى أداء ممثليها وإخراجها وتصويرها المحترف شديد التميز.. أتحدث تحديدا عن مسلسل (حكاية حياة) للرائعة غادة عبدالرازق التى ظهرت فى أعلى تجلياتها الفنية دون ابتزاز أو تبرج.. بل وجه متعب أعيته الأحداث الجسام.. فالمسلسل يتناول زنى المحارم. وهنا أشيد بمهندس الديكور الذى بنى قصر موحشا غرائبيا يصلح أن تعيش به أسرة تعيسة فاسدة ب الأخلاق وتستمتع الأم فيها والابنة بالحرام.. حتى لون الإضاءة الكابية الضبابية كانت موحية ومعبرة عن عذابات الروح. Small black square عندما نتحدث عن دراما رمضان بانبهار هكذا علينا أن نتذكر أن هؤلاء الفنانين المبدعين الذين صنعوا تلك الدراما المتميزة هم أنفسهم الذين استبقوا القتال والمعركة التى قادتنا إلى 30 يونيو باعتصامهم المبهر داخل وزارة الثقافة.. ولأنهم أولا أسقطوا وزيراً فمصر كلها بعدهم قد أسقطت رئيسا وجماعة.