مصر تتألق فى الجنوب الإيطالى (2) .. احتفالات .. ومعارض ولوحات تنطق بحب مصر كالابريا- جنوب إيطاليا أمانى زيان مرة أخري من الجنوب الإيطالي علي ضفاف البحر المتوسط بين الجبال الخضراء والأشجار علي جانبي الطريق في الشوارع المنحدرة من الأعلي إلي الأسفل بنظام رائع، وعلي جانبي الشارع حيث البيوت الصغيرة ذات الشرفات المزينة بالورود المختلفة الألوان والتي تجذب عينيك بجمالها برغم بساطة البيت وإحساسك بقدمه، وفي الشوارع تصطف أشجار الليمون والبرتقال علي جانبي الطريق علي الأرصفة كأنها تستقبلك بأذرع مفتوحة وتقول لك تعالي أنت في ضيافتنا، وهنا تذكرت أن زراعة أشجار الفاكهة في الطرق هي عادة إسلامية عربية خدمة لعابر السبيل.. وعرفت قيمة الإحساس الذي تعطيه هذه العادة.. فهو إحساس دافئ بالأمان والعطاء في وسط هذا كله يقع القصر التاريخي «جاليردي» الذي أقيمت به فعاليات الأسبوع الثقافي المصري. الجدير بالذكر أن المعارض والاحتفالات التي أقيمت كانت بالدور الأخير في القصر ولكي نصل إليه يجب علينا صعود سلم عال، ورغم هذا فالزائرون والمشتركون كانوا حريصين علي الحضور والصعود لرؤية معارض الفنانين المصريين المقيمين في إيطاليا ولكنهم أصرواعلي المشاركة بأعمالهم المعبرة عن حبهم وافتقادهم لبلدهم الحبيب مصر، ولقد عبروا عن امتنانهم لدعوتهم من قبل الدكتور «طه مطر» رئيس المكتب الثقافي المصري بإيطاليا وقد كان من ضمن هؤلاء الفنانين الفنان جمال مليكة والذي عبر عن سعادته بالاشتراك بأعماله في هذا الأسبوع الذي يعتبره مظاهرة للتعبير عن حب مصر.. فهو رغم إقامته الكاملة في إيطاليا أكثر من 35 سنة إلا أن جذوره المصرية مازالت تجري في عروقه. أما الفنانة الرائعة عائشة موسكليني الجزائرية الأصل المصرية الجنسية والتي تصر دائماً علي أنها مصرية 100% وأنها ترفض الحصول علي الجنسية الإيطالية لأنها فخورة بالجواز المصري وفخورة بأن أولادها مصريون من زوج مصري. عندما بدأت الفنانة عائشة الحديث معي عن مصر كانت جميع الانفعالات من حنين وشوق تظهر في عينيها بل كانت إذا علق أحد أنها جزائرية الأصل ترمقه بنظرة غاضبة وتقول «أنا مصرية.. مصرية» تقول عائشة أنها طوال حياتها كانت تحب الفن ولكنها لم تحاول أن ترسم ولكن عندما تزوجت من زوجها الإيطالي في 2006 الفنان روبيرتو موسكليني.. أقنعها بأنها يجب أن ترسم بشكل جدي وبالفعل بدأت، ولأنها تحب مصر فأول ما رسمته هو مصر، وفي المعرض كانت رسوماتها من أكثر اللوحات التي عندما تراها تحس بأنها بالفعل عاشقة لمصر. وأما أكثر ما رأيته غرابة هو الفنان روبيرتو موسكليني الذي كان مشاركاً في المعرض بلوحات تصف حديقة حلوان بمنتهي الرقة والعذوبة، وعندما تحدثت معه لمعت عيناه وهو يتكلم عن مصر وقال لقد زرت المتحف المصري وبدأ عشقي للمناظر الطبيعية عندما رأيت لوحات في المتحف تصف مناطق في الفيوم وذهبت إليها وبدأت في رسمها ثم أخذني التاريخ إلي حلوان وحديقة حلوان وبدأ في رسمها، فهي ليست مجرد حديقة بل هي أثر مهم والمناظر الطبيعية بها تأخذك، ثم إن زوجتي عائشة المصرية جعلتني أجسد حبي لمصر بزواجي منها، ولقد ساعدتني كثيراً في التعرف علي مصر وعلي العادات والتقاليد المصرية، ومن قديم الأزل لقد ربط التاريخ بين مصر وإيطاليا كما ارتبطت كيلوباترا بأنطونيو.. وهكذا كان عشقي لمصر. ومن أكثر المعارض التي لقيت استحسانا وإقبالا كبيرا من الحضور كان المعرض الفني الذي أقامته محافظة حلوان بالاشتراك مع وزارة الثقافة تحت إشراف الدكتورة ميرفت درويش والمستشار الثقافي لمحافظ حلوان والدكتور هيثم عبدالحفيظ مدير عام بهيئة الثقافة والذي يضم عددا من لوحات الفنانين المصريين التي نالت إعجاب الحاضرين من كبار وصغار سواء كانت اللوحات المرسومة أو المصورة فوتوغرافيا وكذلك معرض الحلي الذي يمثل الفن المصري الحرفي في صناعة الحلي والخيامية التي خطفت أنظار الحاضرين من الإيطاليين.. حتي إنهم طالبوا بشراء بعضها ولكن الدكتورة ميرفت قالت لهم أن هذا ليس للبيع فأخذوا في التقاط الصور للمصنوعات البدوية وقالت إنها سعيدة بما حققه المعرض من نجاح وحاز علي إعجاب الحاضرين. وأكدت حرص السيد المحافظ «قدري أبو حسين» علي حضور الأسبوع الثقافي المصري في إيطاليا لتوطيد العلاقات المصرية - الإيطالية وما أسعدني هو رؤية انبهار عمدة فيبو فالنسيا «نيكولا» بالأعمال الفنية التي كانت معروضة من الغرفة التجارية بدمياط ويمثلها المهندس عبدالغني البطراوي والذي اهتم كثيرا بعرض أعمال الحفر التي يبدع بها أهل دمياط وقال إنه يريد أن يحدث تبادل ما بين عمال الحرف في الحفر في مصر وعمال التشطيب في إيطاليا ليرفع من مستوي العمل بدمياط عن طريق التعاون المصري - الإيطالي. وأنتقل من روبيرتو الفنان الإيطالي العاشق لمصر إلي مخرج فنان هو المخرج ماجد المهدي صاحب كتاب مذكرات مخرج سينمائي مهاجر، المخرج الإسكندراني الذي سافر من عروس البحر ليدرس الإخراج عشقه الثاني بعد مصر والإسكندرية في إيطاليا. تحدث معي عن حلمه بالعودة لمصر وعمل أفلام مصرية، وأبدي إعجابه بالأسبوع الثقافي المصري والتواصل بين مصر وإيطاليا والذي سيؤدي إلي تطور في كل المجالات سواء ثقافية أو علمية أو حتي تجارية.. ثم أبدي إعجابه بالأفلام التسجيلية التي عرضت في المعرض والتي قد بعثها التليفزيون المصري «قناة النيل الثقافية» فقد عرض 3 أفلام منها «فاطمة» و«صيد العصاري» اللذان يتحدثان عن الحياة البسيطة للتلاميذ الذين يعيشون في ظروف صعبة ويقومون بمحاربتها ليكملوا تعليمهم. وقال «ماجد» إن الفضل الأول لهذا التنظيم الرائع يرجع إلي المكتب الثقافي المصري والمسئول عنه الدكتور طه مطر والذي أثار حيويته ونشاطه فضولي للحديث معه فهو صاحب العلاقات الواسعة والذكاء الاجتماعي الكبير فسألته أن يحكي لي مشواره فقال لي: «أنا من حلوان درست الكيمياء واشتغلت في هندسة المواد والفلزات وعملت ماجستير في المعادن والفلزات... عملت معيداً ثم سافرت إلي إيطاليا لعمل الدكتوراه ثم عدت إلي مصر ثم سافرت إلي فرنسا سنة 2000 في معهد هندسي للمواد والمناجم ثم عدت لمصر وبعدها ذهبت لألمانيا فترة قصيرة ثم الاتفاق خلالها مع وزارة التعليم والبحث العلمي علي مشروع مشترك كنت أنا الباحث الأول فيه، وعملت به 3 سنوات ثم عدت بعد ذلك لمصر سنة وبعدها سافرت لأمريكا كأستاذ زائر لمدة عام. ثم عدت بعد ذلك إلي أرض الوطن وكنا ننشئ مجموعات بحثية وفي عام التعاون العلمي 2007 بين مصر وألمانيا ونظراً لعلاقاتي هناك مع الوزارة فقد كنت من المشتركين في الجمعية المصرية للشباب العلماء والتي تم تكوينها مع مجموعة من صفوة العلماء.. في مجالات مختلفة وقدمنا أنشطة كثيرة جداً.. ومن ثم تم ترشيحي لأن أكون رئيس البعثة التعليمية في إيطاليا ورئيس المكتب الثقافي المصري والملحق الثقافي هناك، وأنا الآن في كالابريا فسألته ما علاقة أستاذ المواد والفلزات ودراسة الكيمياء بالثقافة؟! فأجاب علي متسائلاً هل يستطيع أستاذ الفلزات أن يفهم في الشعر والقصة القصيرة والمسرح؟! فأجبت.. لا.. فقال لي إذن لماذا يكون هو الأحق بأن يكون ملحقا ثقافيا.. ثم عاد ليسألني هل تعلمين ماهي المهام الوظيفية للملحق الثقافي؟! فسألته ما هي ؟! فأجابني مبتسما يجب أن يكون حساسا تجاه الفن، فالمستشار الثقافي يكون مسئولا عن الجانب العلمي بنسبة 50% والثقافة بنسبة 50% فإذا أحضرنا من يفهم في الثقافة لن يستطيع تغطية الجانب العلمي بشكل جيد ولكن العكس صحيح .. فيجب عليه معرفة الجوانب العلمية في جميع المجالات. كما يجب عليه نشر الثقافة المصرية والعربية والإسلامية وتصحيح صورة العرب والمصريين والإسلام في هذا البلد، وهذه هي وظيفة الملحق الثقافي في البلد الذي يذهب له. ونشر اللغة العربية وثقافة مصر بكل جوانبها وتصحيح أي مفهوم خاطئ عنها. أعمل هنا من سنة وعشرة شهور .. ونساعد الشباب المصري الذي يعيش هنا ونربطه بالوطن عن طريق رحلات لوطنه كل فترة .. كما نساعد الشباب المصري في عمل دراسات عن طريق منح في الماجستير والدكتوراه ونتكفل بنفقاتهم ونهيئ لهم مكان المسكن . وفي المؤتمرات العلمية أجعلهم يقومون بدور العلماء فهم عبارة عن علماء صغار وهذا ما يعطيهم ثقة وأدربهم علي دخول الحياة وأثقل خبراتهم وأظهر لهم أننا نتوارث كأجيال ونستطيع التواصل وكسر الحاجز النفسي.. كما أنني أوفر للطلبة الذين يدرسون الطب والهندسة والزراعة منحا لدراسة اللغة الإيطالية شهرين لنسهل الدراسة عليهم. ثم انتقلت للحديث مع «الرجل الثاني» المشارك في إقامة هذا الأسبوع وهو رئيس المؤسسة الدولية للدراسات السياسية «ISCAPI» الدكتور «سلفاتوري لابورتا» هو ليس فقط عاشقا لمصر بل هو عاشق للشرق الأوسط ومحب للسلام فقد كان يعمل «سلفاتور» ضابطاً في الأسطول البحري الإيطالي ولكنه لم يستمر وعندما سألته عن السبب قال لي إنه لم يجد خلال خدمته في الأسطول الإيطالي الفرصة لتحقيق السلام الذي يبحث عنه.. ففكر في تكوين هيئة عامة تم تكوينها من هيئات عامة وخاصة في كلابريا وأقسام أخري كثيرة تهدف إلي أن تكون نقطة محورية ومركز تواصل حضاريا للدول الأورومتوسطية، وذلك يحدث عن طريق تكوين مجموعات دراسات عليا ودراسات لغوية التي ترتبط بشكل كبير باحتياجات أرضنا وموجهة إلي احتياجات السوق وذلك من وجهة نظر غرفة التجارة وعالم الشركات. كما أننا فتحنا مدارس في الأماكن التاريخية والجميل بها أنها بتكوين عال ولكن بإمكانات بسيطة وهذه المدارس فقط للأجانب غير الإيطاليين.. وأتمني ألا تقتصر الاتفاقيات بين كلابريا والمحافظات الثلاث فقط بل تنتشر بكل من إيطاليا ومصر. وعندما سألته لماذا تحديداً تم اختيار المحافظات الثلاث فقط؟! رد علي قائلا: إن الاختيار لم يكن دورنا ولكنه اختيار من الحكومة المصرية التي نثق بها ممثلة في السفارة المصرية والمكتب الثقافي المصري الذي يمثله الدكتور طه مطر. ثم إن الموضوع ليس مصر وإيطاليا وإنما أوسع من هذا بكثير.. فعمر المؤسسة 5 سنوات فقط ومع ذلك لقد تعاملنا مع 20 دولة، من اليابان للأرجنتين ومن كندا إلي الهند ومن كلومبيا إلي أوكرانيا.. ومن الجزائر إلي الهندورس.. ومن المكسيك إلي جزر الملديف، وهدفنا أن نعالج المشكلة التي يعانيها العالم وهي عدم معرفة الآخر، والذي يولد الخوف والخوف يولد الحروب ولذلك نحن نريد قتل الخوف ونعطي الثقة. وكما نستقبل الشباب الأجانب نبعث بأولادنا إلي الخارج لأن الجهل الأول هو جهلنا نحن، لذلك نعمل دراسات عليا في السلام.