من جنوب إيطاليا في إقليم كالابريا الواقع علي البحر المتوسط بدأت الخطوات تتلاحق بسرعة بين مدن الإقليم من فيبو فالينسيا إلي كوزينسا ثم إلي بيتسو ، وهي تصنع تواجدا مصريا خالصا يتمسك بالأيدي الإيطالية الممدودة بكل آفاق التعاون مصرة علي التواصل والتشارك في مد جسور من المصالح المتبادلة تجاريا وتعليميا وثقافيا. ربما من المؤكد أن الأجواء في هذه البقعة من إيطاليا في الجنوب تستقبل مناخا باردا لا تمكث فيه أشعة الشمس أكثر من ساعات معدودة تلاحقها تيارات من الهواء شديد البرودة إلا أن دفء وحرارة استقبال الوفد المصري منحت كل الدفء وكل الحرارة للقاءات الرسمية التي توصلت إلي عدة اتفاقيات تعاون تجاري وعلمي وثقافي وتوأمة بين مدن مصرية في محافظات البحيرة ودمياط وحلوان قد حولت كل نسمة هواء باردة إلي حرارة شمس لم تتوقف عند حدود الاتفاقات الرسمية وإنما امتدت أيضا لكل الأنشطة الثقافية التي صاحبت هذه اللقاءات الرسمية . لقد تألقت مصر في أسبوعها الثقافي الذي أقامته السفارة المصرية والمستشار الثقافي د. طه مطر وهي تستقبل كل هذا الحشد الرسمي الإيطالي من رؤساء مدن وعمد المدن ورؤساء بلدية في كل مكان نذهب إليه في إقليم كالابريا وقد حرصوا جميعا علي استقبال مصر بما يليق بتاريخها وحاضرها وعلاقاتها الممتدة والمتطورة مع إيطاليا. لقد كنت هناك وكنت أتمني أن يكون كل مصري هناك ليلمس بأصابع يديه كيف أن هذا الوطن الذي يستحق قد تألق وهو يقيم أسبوعه الثقافي في جنوب إيطاليا. في السابعة والنصف مساء يوم الخميس الماضي وصل محافظ دمياط د. فتحي البرادعي إلي مطار لاميسيا لينتقل علي الفور إلي مقر الاحتفالات ( قصر جالياردي) ذلك المبني الأثري القديم والذي كان ورثته علي وشك بيعه ليتحول إلي مول تجاري كبير ولكن تدخل عمدة فيبو فالينسيا ورئيس البلدية ليتقدما بشراء القصر الكبير ليتم ترميمه ليصبح ملتقي ثقافيا كبيرا يضم معارض للوحات الفنية ويستضيف الأنشطة الثقافية الفنية بجميع أنواعها وقد احتضن هذا القصر الأثري المهيب المعرض المصري في صالاته المتعددة من دمياط والبحيرة وحلوان بالإضافة إلي مكتبة سوزان مبارك في دمنهور وجامعة المنيا. وصل د. فتحي البرادعي يرافقه السفير المصري أشرف راشد، حيث كان في استقباله عمدة فيبو فالينسيا «نيكولا داجوستينو» مرتديا وشاحا بألوان العلم الإيطالي.. وتنقل معه في أرجاء القصر وما إن استقروا في قاعة الاجتماعات ألقي نيكولا كلمة الترحيب بالمحافظ والسيد السفير والوفد المصري كله وقال إن البحر المتوسط ليس فاصلا بيننا وبينهم، بل علي العكس هو رابط بين الطرفين، وكانت كلمة السيد المحافظ بعد الترحيب هو أن أكثر مايسعده هو وجوده في هذا القصر التاريخي وإعجابه الشديد بإعادة توظيفه والاهتمام به .. ثم كانت بداية خطوات التعاون المصري - الإيطالي عن طريق توقيع الاتفاقية الأولي بين محافظة دمياط ومدينة فيبو فالينسيا، وقد كان من أهم بنود الاتفاقية التبادل الطلابي في الصيف، إعطاء منح مجانية للطلاب المصريين للدراسة في إيطاليا وتبادل الخبرات في مجال الصيد وصناعة اليخوت والمراكب وشباك الصيد .. ثم ينتقل سيادته إلي مدينة أخري لتوقيع اتفاقية تعاون أخري بنفس البنود السابقة. في مدينة «كاتانزارو» واستقبال حار آخر وكان أيضا في حضور سيادة السفير أشرف راشد الذي أشاد بحسن المعاملة التي يلقاها الشباب الذي يهاجر هجرة غير شرعية من مصر لإيطاليا وطلب تسهيل دخول وعمل الشباب المصري لإيطاليا لتجنب الهجرة غير الشرعية. ومن ثم ننتقل لمدينة «كوسينسا» والتي عرض فيها د. فتحي البرادعي كيفية تجديد كوبري السكة الحديد بدمياط وإعادة توظيفه وتحويله من كم مهمل من الحديد إلي قاعة اجتماعات ومكان ترفيهي، ووسط إعجاب الحاضرين تم التوقيع علي اتفاقية ثالثة للتبادل العلمي والتجاري والثقافي بين الطرفين . ونعود من كوسينسا إلي فيبوفالينسيا مرة أخري لنشهد علي تعاون وتوأمة بين جامعة المنيا يمثلها الدكتور ماهر جابر رئيس الجامعة والمؤسسة الدولية للدراسات السياسية ويمثلها الدكتور «سلفاتوري لابورتا» للتبادل الطلابي خلال فترة الصيف وإعطائهم منحا مجانية للخريجين وبعثات لتعليم اللغة الإيطالية وتبادل للخبرات المصرية - الإيطالية في شتي المجالات. وقد قال لي الدكتور ماهر إنه يدرس اتفاقية بين جامعة المنيا والجامعات الأربع الموجودة في إقليم كالابريا، دون وجود لالتزام مادي من قبل الجانب المصري وسيقوم علي أساسه تبادل الطلاب في الصيف، وتدريس اللغات لكلا الطرفين كما سيقوم الجانب الإيطالي بدعم قسم اللغة الإيطالية في كلية الألسن كمدهم بالكتب والمراجع والتدريب علي يد خبرات إيطالية وإعطائهم منحاً للدراسة أيضا. وقال أيضا إنه من الناحية العلمية تسعي المؤسسات الخمس الطبية المتواجدة في إيطاليا إلي عقد اتفاقات علمية بشكل موسع وهذا ستستفيد منه الكليات الطبية بشكل خاص. ومن جامعة المنيا ننتقل إلي دمنهور، حيث وقعت الدكتورة عبير عبد المحسن قاسم مديرة مكتبة سوزان مبارك مع المؤسسة الدولية للدراسات السياسية برئاسة د. سلفاتوري لابورتا وتهدف الاتفاقية إلي خلق جيل يتحدث الإيطالية بطلاقة من الصغر، حيث تنص علي تبادل الطلاب صيفا وإقامة مركز ثقافي إيطالي في المكتبة لتعليم اللغة الإيطالية. وبنفس التفاصيل تم توقيع اتفاقية ثقافية علمية بين مكتبة مبارك في البحيرة برئاسة الدكتور مجدي محمد شفيق والمؤسسة السابقة والمكتب الثقافي المصري ومديره الأستاذ الدكتور طه مطر. وبالإضافة للتعاون العلمي الثقافي تشترك الغرفة التجارية في دمياط ويمثلها المهندس عبد الغني البطراوي في مجموعة الاتفاقيات مع الغرفة التجارية في فيبو فالينسيا ويمثلها المهندس مايكل ليتشو، وتنص الاتفاقية علي تبادل الخبرات في الصيد وصناعة السفن والمراكب وشباك الصيد وعمليات تفريخ الأسماك، ثم ننتقل بعد ذلك إلي مدينة رشيد ويمثلها اللواء فتح الله الجندي وبين الميجور فرناندو نيكوترا علي التعاون لزيادة الفرص الاقتصادية وتطوير السياحة في محافظة البحيرة، وقد وقع نفس الاتفاقية مع مدينة بتسو لتطوير صناعة اليخوت والمراكب وشباك الصيد وتبادل المنتجات الغذائية، كما نصت الاتفاقية علي تبادل التدريبات الفنية الحرفية المشهورة بين الطرفين وإنشاء مدرسة لتدريس اللغة العربية في بيتسو والعكس .
