إذا كان حق المعرفة من أوليات حقوق الإنسان؛ أفلا يكون حق انتقاء واختيار ما يعرض علينا ليل نهار علي شاشات التليفزيون الأرضية والفضائية هو حق مكفول لجمهور المشاهدين ؟! ألا يكون من حقنا كمشاهدين قبول أو رفض ما يعرض علينا من مادة إعلامية أو إعلانية ؟! مناسبة هذا الكلام، هذه الإعلانات الغريبة، التي تقفز في وجوهنا في الشوارع وفوق الكباري وفي فواصل البرامج وعلي شاشات الفضائيات العربية، والأرضيات أيضاً إعلانات أقل ما توصف به أنها ضد الذوق واللياقة والصالح العام، ورغم ذلك لا تجد من يمنعها أو حتي ينتقدها .. آخرها هذا الإعلان المستفز الذي يخرق عيوننا أينما نظرنا ليقول لنا: استرجل واشرب بيرل .. والرسالة هنا موجهة إلي فئة الشباب بالطبع فلكي تكون رجلاً بمعني الكلمة لابد أن تشرب هذا المشروب في كل المناسبات السعيدة والمهمة مثل سهرات الشباب والمباريات وغيرها!! ولا داعي للقلق فالكرش ما يعيبش راجل ..!! هكذا بكل وقاحة واستفزاز لكل نصائح الأطباء !! إعلانات أخري استمرت تعرض علي الشاشات الفضائية لفترات طويلة .. إعلانات مبهمة تثير الدهشة تخلو من أي عبارات أو تعليقات مفهومة وبدون وجود حتي أشخاص.. والحدق فقط هو من يمكنه فك الشفرة .!! الإعلان يعرض لتجربة رجل يحاول تثبيت مسمار علي الجدار ويخفق في عدة محاولات، ثم ينجح في النهاية مع عرض قرص للفياجرا وعبارة مكتوبة (العبرة في الصلابة)!! إعلان آخر عن نفس المنتج والتجربة هذه المرة لإدخال مصاص أو قشة داخل كوب عصير عبر الغطاء وتبوء أيضا المحاولات بالفشل ..في حين أنها تنجح مع مصاص أزرق اللون يرمز للفياجرا.. يعرض هذا الإعلان بينما العائلة تشاهد برنامجا أو مسلسلا مما يعرض الوالدين لتساؤلات الأطفال من عمر الثماني سنوات وما فوق يتساءلون عن المعني والآباء والأمهات لايجدون إجابة مناسبة ومقنعة، أما المراهقون فيشعرون بالخجل عند عرضها بحضور الوالدين.. ويتكهرب الجو ويتفرق الشمل الأسري، حيث تؤثر كثير من الفتيات الهرب في هذه اللحظات المخجلة. المشكلة ليست فقط في بيرل وفيروز أو «حامد رجع جامد» و«ارفع يا ونش» ومزيلات الشعر والفوط النسائية وغيرها، بل تتعدي ذلك لإعلانات الأفلام المعروضة في السينما والتي يختار المعلن (أسخن) لقطاتها ليعرضها علينا في التليفزيون في فواصل الفقرات والبرامج والمسلسلات .. ولا أحد يهتم كيف يفهم الصغار هذه المشاهد وبماذا عسانا نجيب عن أسئلتهم البريئة. وهناك ما هو أخطر: إنها التنويهات التي يحرص تليفزيون الدولة وعلي قنواته الأرضية إعلام المشاهدين بالبرامج والمسلسلات التي ستبث لاحقاً ويبدأ بإذاعة نفس المشاهد مئات المرات، بل آلاف المرات قبل وأثناء فترة العرض وكأنه يريد من الجميع أن يحفظوها عن ظهر قلب، ففي الإعادة إفادة، الخطير والعبقري هو اختيار تلك المشاهد بهدف التركيز عليها، أذكر في رمضان الماضي الذي عرض فيه مسلسل «حرب الجواسيس» لم يجدوا ما ينوهون به عنه علي مدار اليوم إلا ذلك الحوار الذي يبرر فيه البطل خيانته لوطنه مصر، لأنها لم توفر له الحياة اللائقة .. وكأنها رسالة لكل الشباب أن هناك ما يبرر الخيانة .. أهذا هو ما نود أن نصدره لشبابنا ؟! مثال آخر .. هذه المرة ضمن فقرات برنامج «من قلب مصر» .. حيث ظلت التنويهات تردد قول رجل الأعمال الذي اختار إسرائيل ليقيم فيها مشروعاته ويؤكد أنه فخور بسقوط الجنسية المصرية عنه .. هذا التنويه ظل يتردد لعدة أشهر ولعدة مرات في اليوم الواحد تنويهاً عن البرنامج الجديد .. مرة أخري ما الذي نريد تصديره لشبابنا ..؟! الأمثلة كثيرة ولكني لن أكون من مروجي نظرية المؤامرة وأقول إنها مقصودة لصالح أجندة خاصة ..بل فقط أحذر من عشوائية الاختيار، وأقول للقائمين علي أمر هذه التنويهات: انتبهوا أيها السادة فالأمر جد خطير وجلل !! وأعود للسؤال الأصلي مرة أخري: لمن يروج أصحاب هذه البضاعة بضاعتهم ولماذا لا تكون هناك ضوابط وحدود لما يتم بثه وعرضه علي المشاهد، ولماذا لا يحترم رأي فئات المشاهدين المختلفة من جميع الأعمار الذين يجب استطلاع آرائهم بين الحين والآخر ...؟! نحن لا نقبل بأكل أي شيء ولا نلبس إلا مايلائمنا؛ فلماذا نقبل من القنوات الفضائية وغير الفضائية أن تعرض علي مرآنا أي شيء.. وبالذات تلك الإعلانات الدعائية التي يشاهدها الجميع من الأطفال والفتيات والفتيان... وتمس كرامة كل المجتمع؟! الصمت هنا لا يجوز، وأن ندير وجوهنا عن الشاشة شيء محال .. والرضا بكل ما يقدم لنا من سموم ثقافية إنما هو دليل علي مدي الضعف والخنوع وقلة الحيلة.. فلماذا إذن نقبل كل ما يعرض علينا؟!.. ولماذا لا نرفض المنكر ونقاومه، رغم علمنا التام أن الساكت عن الحق هو بلا شك شيطان أخرس ؟!