لم يكن لأحد أن يتصور حتى فى أشد أضغاث الأحلام كوابيس ما تعرض له جمهور المشجعين المصريين فى السودان على يد الجمهور الجزائرى من ترويع وإرهاب واعتداءات مخططة ومنظمة على النحو الذى جاء على لسان شهود العيان ومصابى هذه الاعتداءات الانتقامية. ولا ما تعرض له المصريون فى الجزائر من ترويع وتهديد سلامتهم الشخصية .. وما لحق بالشركات المصرية فى الجزائر من اعتداءات ألحقت بها خسائر جسيمة .. ولكنه حدث. كما أنه لم يحدث فى تاريخ مباريات الكرة أن صاحب جمهور فريق كرة قدم حراسة تحميه من اعتداءات جمهور الفريق المنافس .. وأنه ليس من المنطقى أو من المتصور ذهاب الجمهور المصرى إلى السودان تحت حراسة تؤمن سلامته .. لا رأينا هذا من قبل ولا اختبرناه فى مباراة كرة تنتهى بفوز فريق وخسارة فريق آخر .. مهما كانت درجة التعصب الأعمى لجمهور هذا أو ذاك. لكن الجمهور المصرى تعرض لكل أشكال الاستفزاز من الجمهور الجزائرى قبل وأثناء المباراة فى الملعب والمدرجات .. وصفق للمنتخب الجزائرى فى نهاية المباراة واعتبر أن الأمر قد انتهى مع صفارة الحكم .. لكن الأمر لم ينته، وقد كانت للجزائريين خطة أخرى وهدف مختلف يسعى لإهانة المصريين ومس كرامة المصريين بالترويع والإرهاب والاعتداء الانتقامى . وهو ما لا يمكن قبوله رسميا وشعبيا تحت أى مسمى أو توصيف .. بدءا من تعبير الإخوة وحتى نظرية القومية العربية .. مرورا بقياس المصالح المشتركة . ليلة الأربعاء وحتى فجر الخميس لم تنم مصر كلها .. شبابا ونساء وشيوخا .. ليس فقط قلقا وخوفا على مصير الأبناء فى العاصمة السودانية وإنما أيضا رفضا للإهانة وغضبا للكرامة.. ومعهم ليلة الاربعاء وحتى فجر الخميس- لم ينم الرئيس مبارك إلى أن اطمأن على تأمين سلامة أبناء الوطن ووصولهم جميعا إلى مطار الخرطوم وإخلائهم سالمين مع إقلاع أول طائرة إلى القاهرة. وصباح الخميس استمع الرئيس مبارك إلى عدة تقارير فى اجتماع موسع يدرس كل الخيارات .. ويصدر بيانا عن المتحدث باسم الرئاسة .. وإذاعة بيان عن وزارة الخارجية باستدعاء السفير المصرى فى الجزائر للتشاور. كقرار له معانٍ ودلالات قوية فى عالم الدبلوماسية كخطوة تنتظرها خطوات أخرى اعتمادا على رد فعل الجزائر الرسمية .. قرار لم يتخذ إلا ضد إسرائيل وقت الانتفاضة الفلسطينية عام 0002 .. وقد بات واضحا ومؤكدا أن هذه الاعتداءات كان مخططا لها ومدبرة مسبقا .. طائرات نقل عسكرية .. ووجبات جاهزة .. وطبيعة ونوع الجمهور الجزائرى. وصباح السبت الماضى وفى حديثه إلى نواب الشعب والشورى جاءت الرسالة الصارمة من الرئيس مبارك إلى شتى بقاع الأرض التى يعيش عليها مصرى أو يزورها مصرى . قال الرئيس مبارك: إن مصر تقيم علاقاتها الخارجية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة .. وإن رعاية مواطنينا فى الخارج مسئولية الدولة .. نرعى حقوقهم .. لا نقبل المساس بهم .. أو التطاول عليهم .. أو امتهان كرامتهم. أقول بكلمات واضحة .. إن كرامة المصريين من كرامة مصر .. ومصر لا تتهاون مع من يسىء إلى أبنائها. لا تتهاون مصر الرسمية والشعبية مع من يسىء للمصريين فى الخارج إساءة أو تطاولا أو امتهانا للكرامة .. فغضب الكرامة لا حدود له .. وهو الذى لم يدخل فى حسابات الأطراف الجزائرية التى سعت ودبرت هذه الاعتداءات .. فلم تدرك عواقب ما تخطط وتسعى اعتمادا على أن مصر الشقيقة الكبرى شعبا وتاريخا ودورا وتأثيرا .. تتحمل وتستوعب وتترفع عن الصغائر غضب الكرامة المصري منضبط تحت إدارة الرئيس مبارك الحكيمة التى تقيم كل الحسابات بين نقطة البداية نقطة الوصول إلى الهدف ما بينهم من المساحات التى ترتبط بطبيعة العلاقات الشعبية والرسمية بين البلدين . الرئيس مبارك الذى نبه نواب الشعب المنفعلين الغاضبين قائلا: أنا معكم .. لكن لازم أمسك نفسى. ومن ثم فإن على الأطراف الجزائرية التى سعت وخططت ودبرت أن تعيد تقدير الموقف وتقدم على اتخاذ خطوات تداوى آثار الأزمة خاصة مع الأرواح والممتلكات المصرية على أرض الجزائر . فالرسائل الرئاسية واضحة وصارمة .. وكرامة المصرى من كرامة مصر.