الحكومة.. والفقراء.. ولصوص الأسواق أضلاع مثلث الدعم الحائر.. الحكومة غرقانة فى «شبر مية»، بسبب عجز الموازنة الذى تجاوز ال130 مليار جنيه.. والفقراء يصرخون.. الدعم لا يصل لمستحقيه، ولصوص الأسواق ينهبون فى عز الظهر.. والكروش تكبر يوما بعد يوم بالمال الحرام.. حتى أصبحت قضية الدعم أعقد من قضية فلسطين.. كلام وتصريحات.. وأمنيات.. لا نرى حلولا فعلية.. والأرقام تؤكد أن أفقر 40% من فقراء مصر لا يحصلون على أى نوع من أنواع الدعم، والسبب نظام الدعم الحالى الذى يخدم الأغنياء فقط.. ويقهر الفقراء!! الجدل قائم بين أطراف كثيرة حول الدعم الذى وصل إلى 133 مليار جنيه، نصيب الفقراء لا يتجاوز ال6% فقط!! وتستحوذ الطاقة على 95 مليار جنيه من أموال الدعم، 90% منها يذهب للمصانع والقطاع السياحى، وطالب بعض المسئولين بإلغاء الدعم المخصص للقطاع الصناعى خاصة الحديد والأسمنت والأسمدة، وخرجت آراء أخرى بإلغاء الدعم المخصص للسولار، خاصة للقطاع السياحى الذى يستهلك 25% من السولار المدعم، من الظلم خلط الأوراق بين دعم مصانع الحديد والأسمنت وبين القطاع السياحى، والبنزين والسولار المخصصة للمواطنين، لأنه مثلا بعض القطاعات الصناعية وخاصة الحديد والأسمنت.. شكلت عبئاً كبيراً على المجتمع المصرى طوال السنوات الست الماضية حيث باعوا الحديد والأسمنت فى السوق المصرية بالأسعار العالمية رغم حصولهم على الطاقة مدعمة، وبنوا مصانعهم على أراض بأسعار بخسة وبعضهم حصل على إعفاء من الضرائب عشر سنوات مازالت مستمرة حتى الآن، رغم تغيير القانون منذ ثلاث سنوات والعمالة المصرية أجورها متدنية وبعيدة عن الأجور العالمية ورغم ذلك كانوا يبيعون لنا الحديد والأسمنت بالأسعار العالمية، وحققوا أرباحا فلكية، لهذا لن يؤثر رفع دعم الطاقة عن هذه المصانع لأنها فعلا تبيع المنتجات بالأسعار العالمية!! بينما إلغاء دعم الطاقة عن القطاع السياحى.. فى ظل الظروف الحالية.. يعتبر انتحاراً للسياحة المصرية وهى صناعة كثيفة العمالة يعمل بها حوالى 2 مليون شخص بشكل مباشر، وثلاثة ملايين آخرون يعملون فى الصناعات المكملة للسياحة، ورفع دعم السولار يعنى رفع أسعار السياحة المصرية والتى تواجه منافسة شرسة من دول مجاورة تقدم أسعاراً أقل بكثير، مما يهدد فرص عمل 5 ملايين مصرى، ويمكن أن يعتبر دعم السولار هو دعم لاستمرار فرص عمل 5 ملايين مصرى!! والاقتراب من أسعار البنزين والسولار المخصصة للمواطنين يعنى زيادة الأعباء على المواطن البسيط الذى يجد صعوبة فى توفير الحد الأدنى لضروريات الحياة، لأن رفع دعم البنزين والسولار المخصص للمواطنين سوف يؤدى لرفع أسعار وسائل الانتقال «الأتوبيسات - الميكروباصات.. إلخ» وأيضا أغلب السلع الضرورية سيرتفع سعرها لأنها تنقل عبر سيارات نقل وهذا سيؤدى لموجة جديدة لارتفاع أسعار الزيت والأرز والمكرونة والفول وغيرها، لهذا نحتاج لرؤية جديدة للدعم، تصل به للفقراء. نهب!!! المأزق الحالى يعود لسياسة الدعم التى تطبق منذ الستينيات، ورغم تعاقب الحكومات لم يتم تطويرها حسب معطيات العصر واحتياجات الناس، حتى جاءت حكومة أحمد نظيف التى انحازت للأغنياء، وتجاهلت الفقراء، حيث أصبح الدعم.. يذهب لجيوب وكروش لصوص الأسواق ولا يصل للفقراء، والحكومة وقفت موقف المتفرج مما ساهم فى تسرب الدعم لغير مستحقيه، مما رسخ شعورا بعدم العدالة الاجتماعية، والسبب أن سياسة الدعم التى مازالت مستمرة حتى الآن تقوم على دعم أسعار بعض السلع والخدمات بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهدف توفير الاحتياجات الأساسية للفقراء ومحدودى الدخل مثل «الخبز - السكر - الزيت - الشاى - الأرز».. إلخ وبعض الأدوية الأساسية كالأنسولين وألبان الأطفال.. إلخ، وأيضا دعم الصادرات السلعية، ومساندة المزراعين ودعم بعض الخدمات كالتأمين الصحى لطلاب المدارس، وكان من قبل هناك قروض ميسرة للإسكان الشعبى لمحدودى الدخل ومع محمد إبراهيم سليمان تقلص دور الحكومة فى توفير هذا النوع من الإسكان واختفى تماما مع أحمد المغربى فى وزارة الإسكان. فيزيتا!! وتستحوذ السلع الغذائية على غالبية الدعم المباشر للسلع والخدمات الأساسية، بل ويستحوذ الخبز على 60% من قيمة الدعم المخصص للسلع الغذائية حيث تقدر ب مليار جنيه، وهو متاح لجميع المواطنين بغض النظر عن مستوى الدخل وبدون تحديد للكميات الممكن شراؤها.. ودعم الخبز كان أبرز نموذج للفساد وسرقة الدعم فى عز الظهر وعلى مرأى ومسمع الجميع، مما يمثل أوضاعا شاذة، فالدولة تمنح جوال الدقيق للمخابز ب5,18 جنيه وثمنه الحقيقى ما بين 100 إى 140 جنيهاً، ولكن هذا الدعم لا يصل إلى الناس، بل يسرق قبل أن يصل، حيث إن أغلب هذه المخابز تستخدم ما بين 30% إلى 40% من حصص الدقيق المدعم فقط، والباقى يذهب إلى السوق السوداء حيث يباع بما بين 100 جنيه إى 120 جنيهاً ويذهب جزء منه للمخابز الطباقى والمخابز الأفرنجى التى تنتج الفينو، وأغلبه يذهب لمصانع المكرونة والحلويات، يحدث هذا منذ سنوات وتحت حماية رجال الرقابة التموينية الذين يمرون على المخابز مرة واثنتين يوميا، بعضهم لا يستطيع رصد المخالفات، والبعض يطنش مقابل «فيزيتا» يومية!! مقابل إغماض العين عن بيع الدقيق فى السوق السوداء. كارثة!! إذاً نحن أمام كارثة،70% من دعم الدقيق لا يذهب إلى المواطن الذى يستحقه، ويتم هذا فى هدوء واطمئنان منذ سنوات!! والأغرب أن ال30% التى يتم إنتاجها فى المخابز أيضا لا تصل إلى المواطنين بل تشاركهم فيها الحيوانات والمواشى، لأن كيلو العلف تجاوز ال6 جنيهات مما دفع أصحاب مزارع الدواجن وحظائر المواشى إلى شراء الخبز المدعم حيث إن 2 كيلو بجنيه واحد وهو أرخص من العلف!! ولو انتقلنا لدعم الطاقة نجد أن دعم الطاقة كان فى عام 2006 - 2007 23 مليار جنيه ارتفع فى 2010 إلى 98 مليار جنيه، وفى موازنة العام الحالى 95 مليار جنيه!! يذهب أغلب هذا الدعم لقطاع الصناعة وليس إلى المواطنين العاديين، يذهب لصناعات الأسمنت والحديد والألومنيوم والأسمدة والبتروكيماويات، وكان من المقرر خفض دعم طاقة الصناعة من 2007 حتى 2010 وقتها يتم بيع الطاقة بسعرها الحقيقى للمصانع، ولكن حكومة نظيف تجاهلت الخطة الموضوعة بل ضاعفت الدعم المخصص 4 أضعاف من 23 مليار جنيه إلى 98 مليار جنيه! صمت!! وبنظرة تحليلية لهذه الأوضاع نرصد أن سياسة الدعم الحالية ساهمت فى ظهور لصوص الأسواق الذين يقومون بنهب منظم لأموال الدعم كما هو الحال فى رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز وغيرها أصبحوا سدا منيعا بين المواطنين وأموال الدعم فى ظل صمت مريب منذ سنوات من الأجهزة الرقابية والحكومية وأيضا نجد تربح البعض بصورة غير شرعية بسبب ازداوجية الأسعار لبعض السلع، وأيضا السياسة الحالية للدعم لا تنحاز للفقراء وتخدم الأغنياء فقط فهى فى صالح أهل المدن على حساب أهل الريف، وأغلبها يذهب إلى الوجه البحرى على حساب الوجه القبلى لأن المواطن مرتفع الدخل يستطيع شراء أى كمية من السلع والخدمات المدعومة بدون حد أقصى حسب قدرته الشرائية العالية، هذا أيضا ما أكدته دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار منذ عامين وأشارت إلى أن أغنى 60% من السكان فى مصر يستحوذون على ثلثى قيمة الغذاء المدعوم أما نصيب أفقر 40% من الأسر المصرية لا يتجاوز الثلث فقط!! و71% من مرتفعى الدخل لديهم بطاقات تموينية مدعومة بالكامل، فى حين أن 14% من الفقراء لديهم بطاقات مدعومة جزئيا، وقد لا تكون لديهم بطاقات من الأساس، والنصيب الأكبر من الدعم لسكان المدن فهم يحصلون على 70% من دعم السلع، رغم أن 63% من فقراء مصر يعيشون فى الريف خاصة فى صعيد مصر، ورغم ذلك فإن 60% من الخبز المدعم يذهب إلى الوجه البحرى، و40% فقط للصعيد!! وأيضا نجد أن سياسة الدعم الحالية تشجع المستثمرين على الاستثمار فى الصناعات التى تعتمد على الطاقة ويبتعدون عن الصناعات كثيفة العمالة، مما يقلل فرص الحصول على فرصة عمل خاصة حاملى الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة، ومصر بها وفرة فى العنصر البشرى وتحتاج للصناعات كثيفة العمالة لاستيعاب الطابور الطويل للعاطلين. الأمل!! لهذا نحتاج لتحويل الاقتصاد المصرى ليعمل بجد ويولد فرصا للعمال.. ولكن فرص منتجة ومجزية فى الأجر، لأن كل فرص عمل جديدة غير منتجة تتحول لعبء كبير على الاقتصاد وضرورة تحديد المستهدفين من الدعم وتحديد من هم الفقراء، ووضع نظام جديد قبل أن نستغنى عن النظام القديم وتحديد هل سيتم تدعيم أسر أم مناطق فقيرة أم الاثنين معا، خاصة أن الدراسات حددت ألف قرية مصرية و200 بؤرة اجتماعية حضارية تمثل بؤرة الفقر المطلق فى مصر ومعظمها فى الصعيد وسكان هذه المناطق يتجاوز عددهم ال15 مليوناً وبسبب الارتفاع المتواصل للأسعار انضم لهم فئات كثيرة من أبناء الطبقة الوسطى وانحدر بهم الحال إلى شريحة الطبقة الدنيا!!