أحدثت زيارة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان حراكا هائلا.. وردود فعل قوية فى مصر امتدت إلى رجل الشارع المصرى خاصة أن توقيت الزيارة جاء بعد صفعة تركيا لإسرائيل بطرد السفير الإسرائيلى، مما أضفى على الزيارة شعبية هائلة وحفاوة بالغة من التيارات السياسية وكذلك القوى الليبرالية والدينية، بالإضافة إلى الأوساط الرسمية. وقد أحدثت تصريحات وحوارات رئيس الوزراء التركى ردود فعل متباينة وعنيفة خاصة فيما يتعلق بتصريحاته عن التجربة التركية فى التنمية.. والإصلاح السياسى.. وتأكيده على علمانية الدولة التركية.. وأن الدولة يجب أن تكون على مسافة واحدة من كل الأديان.. وأن الدين للفرد.. وأن التجربة التركية تقدم نموذجا إسلاميا لدولة متوازنة بين العلم والتقدم والدين. ردود الفعل المتباينة جاءت من رجل الشارع العادى الذى سأل نفسه: ولماذا لا يكون عندنا أردوغان مصرى يستطيع أن يضع أسسا لدولة نامية متقدمة تحقق نجاحات اقتصادية وسياسية.. وينقل مصر من مصاف الدولة النامية إلى مصاف الدولة المتقدمة، والحقيقة أن أمامنا تجربتين رائعتين لدولتين إسلاميتين فى هذا الشأن، الأولى ماليزيا وعلى يد رئيس وزرائها مهاتير محمد، والثانية تركيا وعلى يد رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان. اردوغان أما ردود الفعل العنيفة التى جاءت من التيار السلفى فكانت مغايرة عما قبل الزيارة والتى رحبت فيها القوى الدينية بأردوغان كممثل للخلافة الإسلامية والباب العالى فى إسطنبول.. ولكن بعد إصرار الرجل على ضرورة الانحياز لعلمانية الدولة فى وجه الدولة الدينية تحول الأمر إلى النقيض وراحوا يهاجمون الرجل.. ويهاجمون العلمانية بأنها كفر وإلحاد واستباحة للحرمات وكشف للعورات كما جاء على لسان رموزهم الكبيرة، والحقيقة أن تصريحات أردوغان كشفت هذا التيار الدينى على حقيقته، فالخلاف فى الرأى يتحول إلى كفر وإلحاد واستباحة للحرمات. وأن الدولة العلمانية دولة كافرة، وهذا هو الخطر الأكبر الذى يواجهنا فى الفترة المقبلة خاصة ونحن على أبواب الانتخابات، فهؤلاء يضحكون على رجل الشارع البسيط الذى قد يجهل العديد من أمور دينه وقد لا يعرف القراءة والكتابة ويدخلون فى عقله أن العلمانية كفر مع أن العلمانية فى أبسط معانيها هى فصل الدين عن الدولة. والحقيقة أن ما يحدث تيار دينى منظم يدعو إلى إرهاب الناس باسم الدين ويوجه آراءهم فى صناديق الانتخاب وأخشى أن يأتى اليوم الذى نرى فيه أصحاب الآراء إياها هم الذين يسيطرون على البرلمان، وساعتها قولوا على مصر السلام.. السؤال الذى يحيرنى: أين المثقفون والليبراليون من هذا التيار وبماذا هم مشغولون إذا لم يواجهوا هذا التيار السلفى المكفر لكل شىء يختلف معه؟.. أين هى النخبة السياسية والثقافية التى من المتصور أن تواجه هذا الفكر بالفكر.. وتملأ الصحف والفضائيات ضجيجا وصراخا حول قضايا فرعية ستطيح بهم خارج المشهد السياسى كله.. احذروا أن تكون مصر دولة ظلامية.